اقتصاد » مياه وطاقة

السعودية وإيران تعانيان بفعل أسعار النفط.. هل يصبح ذلك طريقا للوصول إلى تفهم بينهما؟

في 2016/07/02

يعد الصدع القائم بين المملكة العربية السعودية وإيران واحدا من أهم التحديات الدبلوماسية العالمية منذ عقود. وهو صراع متعدد الأبعاد. ورغم أن له جذورا تاريخية، فإن تجلياته الحالية تبدو عصية على أية تفسيرات أحادية الجانب.

مع ذلك، في كثير من الأحيان، فإن تراكم الضغوط يصل بنا إلى نقطة الانهيار بطريقة أو بأخرى. في بعض الحالات، فإن الحرب وحدها يمكن أن تنهي صراعا تم بناؤه بشكل جدي. وفي حالات أخرى، ينتهي التوتر بطريقة أقل دراماتيكية.

ولكن في جميع الأحوال، فإنه من غير المعقول أن نتوقع استمرارا مفتوحا لتراكم التوتر. الدينامية الكامنة وراء التوازن غير المستقر سوف تصل، عاجلا أو آجلا، إلى نقطة من الاستقرار النسبي. تسارع وتيرة التصعيد هو أيضا علامة على نضوج الصراع نحو شكل ما لنهاية اللعبة. في حالة المملكة العربية السعودية وإيران، فإنه من المفيد أن نحاول العثور على نقطة ما يمكن للجانبين عندها أن يتخليا عن مواقفهما وأن يقوما بعكس الاتجاه التصاعدي لمنحنى الخصومة بينهما من أجل تجنب أي نهاية دراماتيكية للتصعيد الحالي.

اقتراح أن السياسات النفطية قد تكون مرشحة لشغل تلك المساحة قد يكون صادما لبعض القراء. بعد كل شيء، فإن أحد الأسباب الانخفاض الذي نعايشه في أسعار النفط هو أن كلا البلدين ترفضان تخفيض سقف إنتاجهما، وتتشاركان في سباق لمنح تخفيضات إضافية للعملاء المحتملين من أجل انتزاع السوق من يد الأخرى.

ومع ذلك، فإنه في قلب هذه الصورة من التصعيد الساخن والحرب الاقتصادية، تقع فرصة كامنة للتنسيق والحوار. بعد كل شيء، كانت أزمة الصواريخ الكوبية مفتتحا لعقود من الوفاق بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة.

تعاني كل من المملكة العربية السعودية وإيران بشدة بفعل انخفاض أسعار النفط. ولدى كل منهما مصلحة حقيقية في ارتفاع الأسعار إلى معدلات معقولة. وقبل كل شيء، فإن بإمكانهما أن يفعلا ذلك إذا ما نجحا في الوصول إل تسوية بشأن سوق الطاقة العالمية. إذا تم الوصول إلى مثل هذه التسوية، فإن بإمكانها أن تمهد الطريق للحوار المتعلق بالمجالات الأخرى للتنافس.

صعوبات اقتصادية متبادلة

وقد أدت الفجوة الكبيرة بين أسعار النفط العالمية ونقطة التعادل في الموازنة السعودية إلى عجز كبير في موازنة البلاد يقدر بحوالي 15% من الناتج المحلي الإجمالي. وقد ساعدت إجراءات التقشف في ميزانيتها لعام 2016 في خفض نقطة التعادل من حوالي 100.40 دولارا في عام 2015 إلى 77.60 دولارا خلال العام الحالي. وبعبارة أخرى، تحتاج الرياض إلى بيع نفطها عند سعر 77 دولارا من أجل تفادي العجز في موازنتها.

وبالإضافة إلى التدابير التقشفية التي تشمل خفض الدعم على أسعار الطاقة للمستهلكين، فإن المملكة أيضا تواصل استهلاك احتياطاتها المالية الضخمة بمعدل متزايد.

ولكن كلا المسارين لهما حدود. لا يمكن تشديد إجراءات التقشف وراء النقطة التي يمكن أن تتسبب عندها في سخط شعبي، كما يمكن الاستفادة من الاحتياطي المالي فقط إلى ما قبل النقطة التي تمثل تهديدا للمجالات الضريبية والمالية الأخرى.

تواجه إيران بدورها وضعا مريعا. الأثر الإيجابي المحتمل لإنهاء العقوبات الأميركية والدولية، ولو جزئيا، يقابله تراجع عائدات النفط. فقدت إيران 135 مليار دولار من العائدات فقط بسبب عدم قدرتها على مواصلة الإنتاج بنفس معدلاته خلال مرحلة العقوبات. ولكن على مدى السنوات الخمس المقبلة، فإنها سوف تخسر قرابة 180 مليار دولار بسبب انخفاض أسعار النفط على أساس معدل سعر 45-50 دولارا للبرميل حتى عام 2020.

وتقدر ميزانية العام الحالي في إيران بحوالي 89 مليار دولار على أساس سعر الصرف الرسمي وهي أقل بنسبة 2.6% مما خططت له حكومة الرئيس «حسن روحاني». الإيرادات الفعلية، مع ذلك، سوف تكون أقل بكثير. في حين تشير الأرقام الرسمية إلى وجود عجز في الموازنة بقيمة 2.2%، فإن الرقم الحقيقي قد يقارب ضعف هذا الحد.

الطريق نحو التفهم

سياسيا، منح الشعب الإيراني نظامه كل الدعم الذي كان يحتاجه في مواجهة لمواجهة العقوبات المفروضة من قبل الشيطان الأكبر. مواجهة الغرب كانت الأساس للسلوك الشديد للنظام في طهران، كما أنها قد قدمت تبريرا مقنعا للصعوبات الاقتصادية. ولكن بمجرد إزاحة خلفية الشيطان الأكبر من الصورة، فإن النظام الإيراني سوف يقف عاريا في مواجهة مواطنيه.

كما نرى الآن، تسعى إيران لتضخيم دور المملكة العربية السعودية لتعلب دور الشيطان البديل. ومع ذلك، فإنه سوف يبقى واضحا أمام جميع الإيرانيين أن التخلي عن السياسات الاستفزازية يمكن أن يساعد في تمهيد الطريق إلى نوع من التفاهم الذي يساعد كلا البلدين على التركيز على المهمة الملحة المتمثلة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي.

بالنظر إلى عمق الوضع في إيران، فسوف يكون من المفيد بالنسبة إلى العرب أن يقولوا بصوت عال ما يقولونه في الجلسات الخاصة أو بشكل عام في أوقات نادرة: العرب مستعدون لبناء الجسور مع إيران إذا كان مستعدة للمشاركة بحسن نية في محادثات تهدف إلى تخفيف حدة التوتر في المنطقة.

هناك عقبات كبرى تقف في طريق تحقيق هذا الهدف. يستمر الحرس الثوري الإيراني في مساعيه لتصدير قيم الثورة الإسلامية في المنطقة. لكن طهران يجب أن تدرك أنها سوف تفقد العصفور الذي في يدها، وهو التعاون المتبادل والتنمية الاقتصادية المشتركة مع العرب، لصالح عشرة عصافير وهمية على الشجرة تتمثل في التوسع الذي أدى حتى الآن إلى المشهد البائس الذي نراه الآن في المنطقة. والسؤال الرئيسي هنا هو: هل يستطيع «آية الله علي خامنئي» أن يقنع الحرس الثوري بتجرع كأس سم التفاهم مع العرب في الوقت الذي سيتسبب فيه ذلك في اهتزاز مبررات جهود الحرس لتصدير الثورة وخلق الشياطين مختلفة الأحجام؟

من البديهي أن لدى كل من المملكة العربية السعودية وإيران مصلحة حقيقية في التوصل إلى اتفاق في سوق النفط لزيادة مستوى الأسعار إلى حوالي 70-80 دولارا للبرميل. يمكن الوصول إلى هذا السعر المستهدف إذا أدركت كل من الرياض وطهران أن أيا منهما لن يمكنها تدمير الأخرى دون تدمير نفسها في هذه العملية.

سوف تساعد هذه الحقيقة على تقديم أساس للتفاهم بين الخصمين. وسوف تساعد روسيا في هذا الأمر ولو على سبيل خدمة مصالحها الذاتية. ويمكن لواشنطن أيضا أن تساعد في الأمر في الوقت الذي يضعها فيه الاستقطاب الإقليمي في المنطقة منذ توقيع الاتفاق النووي في وضع استراتيجي حرج.

خلال عام 2016-2017، ووفقا لمعهد بحوث الطاقة التابع للأكاديمية الروسية للعلوم، سوف يظل النحو الاقتصادي في البلاد سلبيا (من -0.5% إلى -1.5%) حتى لو تعافت أسعار النفط إلى ثمانين دولارا للبرميل. ووفقا لتقديرات أخرى، يمكن للاقتصاد الروسي أن يحقق نموا إيجابيا فقط حال ارتفعت أسعار النفط إلى معدلات ما فوق 90 دولارا للبرميل.

وقد شاركت روسيا بنشاط في مؤتمر منتجي النفط في إبريل/نيسان الماضي في الدوحة والذي انتهى إلى فشل ذريع بسبب الخلافات بين المملكة العربية السعودية وإيران. كما أن الرئيس «أوباما» قد سبق أن أبدى دعمه لتحقيق «سلام بارد» بين السعودية وإيران على الرغم من أنه كعادته في الوعظ والخطابة لم يقم بتوفير أي سبل عملية لتحقيق هذا الهدف.

كلما تصاعد التوتر، كلما فتحت المزيد من النوافذ للوصول إلى حلول وسطى. لقد حان الوقت للمزيد من الأنشطة الدبلوماسية خلف الكواليس من أجل نوع فتيل التوتر بين السعودية وإيران.

سمير التقي وعصام عزيز - ميدل إيست بريفينغ-