اقتصاد » مياه وطاقة

قراءة معمقة في عملية الاكتتاب العام لشركة «أرامكو»

في 2016/10/11

تتخذ السعودية خطوات باتجاه تفعيل أجندتها الطموحة للإصلاح الاقتصادي. وفي مقابلة شخصية للرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية للنفط مع «بلومبرغ»، قال إنّ الاكتتاب الجزئي العام في الشركة سيشمل وحدات من كل المؤسسة، وليس في قطاعات المصب فقط كما توقع الكثيرون. ويلمح هذا الإعلان إلى أنّ الرياض قد تكون عازمة بالفعل على تطبيق الشفافية والفعالية العالية في ممارسات عملاق الطاقة المملوك للدولة كما وعدت. والأهم من ذلك، فإنّه يشير إلى التزام الرياض بالمضي قدمًا باتجاه إصلاحات ضخمة في الاقتصاد السعودي، وهي الخطة التي شهدت الكثير من الكلام حتى الآن، مع القليل من العمل.

تحليل

يمثل الاكتتاب العام في أرامكو وإعادة الهيكلة جزءا أساسيا من مبادرة الرياض (رؤية 2030)، وهو برنامج يهدف إلى تقليل اعتماد الاقتصاد السعودي على صادرات النفط. وعلى الرغم من أنّه من المفترض أن يتم تقديم العروض في عام 2018، لازال الأمر يعتمد على سرعة تعافي أسعار النفط. ونظريًا، فإن اتفاق أوبك مؤخرًا لتقليص إنتاجها من الممكن أن يرفع الطلب العالمي على إمدادات النفط بحلول نهاية عام 2017. ولم يصحح السوق نفسه للعام الثاني على التوالي، لذا فمن المحتمل أن تؤخر الرياض الخصخصة الجزئية للشركة أملًا في الحصول على سعر أعلى في وقت لاحق.

بغض النظر، سيحدث اكتتاب أرامكو عاجلًا أم آجلًا، وعندما يحدث، سوف تتغير بشكل كبير كيفية العمل بالشركة. وقد تعرضت الشركة في الماضي لكثير من الانتقادات حول عدم شفافيتها ماليًا وغموض ممارساتها، وكذلك لعدم سماحها لأطراف ثالثة للتدقيق باحتياطياتها النفطية. على الرغم من ذلك، تقول التقارير إن الشركة عازمة على إجراء عملية إصلاح تطال طرق المحاسبة وتسجيل وتجميع البيانات المالية، وهو ما يسمح بالإفراج عن المعلومات بتفصيل أكثر وبطريقة صديقة للاستثمار خلال العامل المالي المقبل. ومن أجل أن تحصل الحكومة على ربحية أكبر في الاكتتاب في وحدات المنبع، من الممكن أن تقدم الحكومة على تطبيق معايير أكثر شفافية بين الشركات السعودية الأخرى في المستقبل.

وحتى الآن، فإنّه من غير الواضح إذا ماكانت الرياض راغبة في اتخاذ خطوات مماثلة لإخضاع احتياطياتها النفطية للرقابة العامة. ولم يتمكن أي طرف ثالث من قبل من تأكيد كم تملك الدولة بالفعل من احتياطيات نفطية. ولا يرغب الكثير من المسؤولين في إعطاء إثبات حول ما ظل لسنوات طويلة سرًا للدولة. ولا تملك الرياض الكثير من الخيارات في هذا الشأن طالما بدأت عملية بيع وحدات المنبع التابعة للشركة. وعلى ما يبدو فإنّ الحكومة عازمة على فعل ذلك، على الرغم من المعارضة الشعبية، وهو ما يعني أنّ الرياض مستعدة كذلك للمضي قدمًا في الإصلاحات الاقتصادية الأخرى، بغض النظر عن التكلفة السياسية. (على الرغم من ذلك، لازال الاكتتاب يميل بشدة تجاه صناعات المصب).

حاولت الرياض تقديم الخصخصة الجزئية لأرامكو السعودية للجمهور المحلي في صورة هدية للقطاع الخاص والمجالات غير النفطية في الاقتصاد السعودي. وسيتم ضخ عائدات الاكتتاب العام مباشرة في صندوق الاستثمارات العامة السعودي والذي يتوقع نائب ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» أن تصل أصوله يومًا ما إلى 2 تريليون دولار. الهدف من هذا الصندوق هو تمويل الاستثمارات الاستراتيجية في الداخل والخارج، وهو ما تحتاجه بشدة الصناعات السعودية خارج قطاع الطاقة.

وكما هو الحال مع معظم الخطط السياسية الكبرى، يظل التنفيذ هو أكبر التحديات التي تواجه (رؤية 2030). وبشكل عام، لا تزال الرياض عالقة في مراحل التخطيط من أجل إصلاحاتها الكبرى. وفي المجالات القليلة التي امتلكت الحكومة فيها برامج للحركة، بما يشمل محاولات سعودة القوة العاملة في البلاد، كانت النتائج باهتة في أحسن الأحوال. وفي الوقت نفسه، أجلت السعودية بيع سندات بنكية لسد الفجوات في ميزانيتها، مرارًا وتكرارًا، وهو ما ترك الرياض في حاجة للمال.

لن يكون التحول في الثقافة المؤسسية والاقتصادية عملًا سهلًا. ولازال العديد من المواطنين السعوديين مترددين في الكشف عن المعلومات حول الأصول الأكثر قيمة في بلادهم لبقية العالم. ومع ذلك،فإن معظم المواطنين يدركون الحاجة الملحة للإصلاح الاقتصادي، كما أن الرياض تعلم أنه لا يمكنها تحمل تأجيل الإصلاحات لفترة أطول. وعلى الرغم من أن طريق الإصلاح الاقتصادي يبدو وعرًا، تبدو السعودية مستعدة للشروع في ذلك على أي حال، وهو ما يعد بسنوات عديدة مثيرة للاهتمام في المملكة الشرق أوسطية.

ستراتفور- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-