اقتصاد » مياه وطاقة

وقف مساعدات الوقود يشير إلى خلاف أعمق بين السعودية ومصر

في 2016/10/15

يظهر وقف السعودية شحنات الوقود لمصر بموجب اتفاق مساعدات بقيمة 23 مليار دولار أن خلافا بين المملكة، أغنى الدول العربية، ومصر، أكثرها سكانا، ربما يكون أعمق مما كان يُعتقد في السابق، وهو ما قد يترك مصر تكافح بحثا عن داعم جديد، حسب تحليل لوكالة «رويترز» للأنباء.

وبموجب الاتفاق، الذي جرى خلال زيارة قام بها العاهل السعودي في أبريل/نيسان الماضي، من المفترض أن ترسل الرياض 700 ألف طن شهريا من الوقود إلى مصر.

وألقى الاتفاق طوق نجاة للقاهرة، وكان من المفترض أيضا أن يضع حدا للتلميحات إلى أن العلاقات قد تداعت بين البلدين.

لكن مصادر تقول إن تدفق الوقود توقف في الأول من أكتوبر/تشرين الأول.

وبعد نحو أسبوع أغضب الرئيس المصري، «عبد الفتاح السيسي»، السعودية التي دعمته منذ أن تولى زمام الأمور في البلاد في 2013. فقد صوتت مصر لصالح قرار تدعمه روسيا بالأمم المتحدة بخصوص سوريا عارضته السعودية بشدة.

وفي خضم الخلاف استقل السفير السعودي، «أحمد القطان»، الأربعاء الماضي، طائرة عائدا مؤقتا إلى الرياض.

وأشار «السيسي» إلى النزاع في كلمة له يوم الخميس، نافيا أن يكون موقف مصر بخصوص سوريا هو السبب في وقف إمدادات الوقود.

وأبدى أيضا نبرة تحد لن تروق على الأرجح لملوك وأمراء دول الخليج العربية الذين ساعدوا في الحيلولة دون انهيار اقتصاد بلاده.

وقال: «مصر لن تركع ... حنركع لله وغير كدة مش حينفع».

ولن تعدم السعودية المبررات لوقف شحنات المساعدات. فقد وافقت مصر في أبريل/نيسان على تسليم جزيرتين بالبحر الأحمر للسعودية، لكن محكمة مصرية عرقلت هذا الأمر بحكم صدر في يونيو/حزيران.

وبعد سنوات من انخفاض أسعار النفط لم تعد السعودية نفسها ثرية كما كانت من قبل. فقد بدأت تقلص الاستثمارات المحلية؛ وهو ما يجعل السخاء على الحلفاء بالخارج أكثر صعوبة.

ولم تتخل الرياض تماما عن شريكتها. فقد وضعت وديعة بقيمة ملياري دولار في البنك المركزي المصري في سبتمبر/أيلول في إطار مساعدة القاهرة في الحصول على حزمة قروض من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار.

لكن مصادر من البلدين تقول إن شقاقا بينهما يتسع وينبع من الخلاف بشأن قضايا سياسية إقليمية. فحتى قبل تصويت الأسبوع الماضي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كانت مصر تتودد لتحسين العلاقات مع روسيا، خصم السعودية في الصراع السوري.

وإذا كانت الرياض تهدف لتوجيه رسالة بأن صبرها تجاه القاهرة بدأ ينفد فيبدو الآن أن الرسالة قد وصلت.

وقال المعلق السعودي البارز «جمال خاشقجي»: «الأمر يتعلق بالسياسة المصرية... التي تتناقض بشدة مع السياسة السعودية فيما يتعلق بتهديدات إقليمية استراتيجية. بالتالي فإن السعودية تعارض بقوة السياسة التوسعية الإيرانية في العراق وسوريا ومن الواضح أن المصريين لا يرون الأمر كذلك».

وأضاف: «ما لم تعد مصر تقييم موقفها أتوقع المزيد من الخلافات ... بما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى علاقة باردة للغاية».

عدو مشترك

وأعطت دول خليجية، بقيادة السعودية، مليارات الدولارات لمصر منذ منتصف 2013 عندما عزل أطاح «السيسي» - أثناء توليه قيادة الجيش - بالرئيس «محمد مرسي»، أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، والمنتمي لـ«جماعة الإخوان المسلمين»، التي تمثل عدوا مشتركا؛ حسب ما ترى هذه الدول.

لكن مع تقلص خطر «الإخوان» زاد شعور حكام هذه الدول الخليجية بخيبة الأمل إزاء ما يعتبرونه عجز «السيسي» عن إصلاح الاقتصاد الذي بات ثقبا أسود يبتلع المساعدات، وبسبب إحجامه عن دعمهم على الساحة الإقليمية.

ففي اليمن كانت الرياض تريد أن تلعب القاهرة دورا رئيسيا في حربها على الحوثيين الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء. وتساهم القاهرة بقوة بحرية، لكنها أحجمت عن إرسال قوات برية؛ إذ لا يزال مستنقعا يمنيا سابقا حاضرا في ذهنها.

وفي سوريا حيث السعودية داعم رئيسي للمعارضة المسلحة الساعية للإطاحة بنظام «بشار الأسد»، أيد «السيسي» قرار روسيا شن حملة من القصف دعما لـ«الأسد».

وقالت مصادر مصرية ومعلقون سعوديون إن القشة التي قصمت ظهر البعير كانت يوم السبت عندما أيدت مصر- البلد العربي الوحيد الذي يتولى حاليا مقعدا غير دائم بمجلس الأمن الدولي- قرارا روسيا استبعد دعوات لوقف قصف مدينة حلب، شمالي سوريا.

وطالما حرص «السيسي» على إحياء العلاقات مع روسيا برغم اعتماد مصر على الدعم من دول الخليج العربية التي تعتبر موسكو عدوا لها في سوريا.

وتكافح مصر من أجل عودة السياح الروس إلى منتجعاتها على البحر الأحمر بعد تفجير طائرة ركاب في المنطقة العام الماضي في حادث أودى بحياة 224 شخصا ودفع موسكو لتعليق الرحلات الجوية.

وفي علامة على تحسن العلاقات أعلنت روسيا ومصر هذا الأسبوع أنهما ستجريان تدريبات عسكرية مشتركة على الأراضي المصرية للمرة الأولى هذا الشهر. وتبني روسيا أول محطة للطاقة النووية في مصر، وكان خلاف بشأن شحنة قمح روسية مرفوضة قد دفع القاهرة سريعا لحل التباس بشأن الشروط التجارية التي أثرت على قدرة مصر على الاستيراد لشهور.

في الوقت نفسه تآكل دور مصر المحوري في السياسات العربية بسبب نحو ست سنوات من الاضطراب السياسي والتراجع الاقتصادي عقب الإطاحة بالرئيس الأسبق «حسني مبارك» عبر ثورة شعبية.

وفيما يزعج مصر، فإن تركيا، منافستها غير العربية، والتي تقترب منها في عدد السكان غير أنها أكثر ثراء، تزداد نفوذا بقيادة الرئيس «طيب أردوغان»، خصم «السيسي»، والذي يتمسك بشرعية «مرسي» ويعتبر أن الإطاحة به «انقلاباً عسكرياً».

وضم اجتماع لدول مجلس التعاون الخليجي في الرياض أمس الخميس تركيا وتركزت المحادثات على إنشاء منطقة للتجارة الحرة. وخلال مؤتمر دولي بشأن الطاقة في اسطنبول هذا الأسبوع وقعت شركة أرامكو السعودية النفطية التابعة للدولة اتفاقات مع 18 شركة تركية.

اتصالات لرأب الخلافات

وتقول مصادر أمنية مصرية إن اتصالات جارية لرأب الخلافات مع السعوديين وتشمل مسؤولين كبارا في الجيش والمخابرات.

وسافر السفير السعودي بالقاهرة إلى بلاده يوم الأربعاء. وقالت مصادر بوفد السفير إنه سيمضي ثلاثة أيام هناك للتمهيد لزيارة مصرية لبحث مسودة قرار محتمل آخر لمجلس الأمن بشأن سوريا.

وقالت وزارتا الخارجية في مصر والسعودية إنه لا علم لهما بأي زيارة من هذا القبيل. وبرغم أنه لم يتم استدعاء السفير رسميا فقد اعتبر كثير من المصريين أن هذا تعبير دبلوماسي عن الغضب.

وقالت المصادر الأمنية المصرية إن القاهرة تدرس ردودا محتملة إذا أخفقت قنوات الاتصالات الخلفية ومنها خفض عدد المعتمرين المصريين الذين يزورون مكة والمدينة المنورة. وقد تسحب مصر أيضا ما قدمته من دعم للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.

وفي مقال حاد اللهجة بشكل غير معتاد قال رئيس تحرير صحيفة «الأهرام» المصرية المملوكة للدولة إنه حان الوقت لإنهاء المساعدات الأجنبية التي تتسبب في التعامل مع مصر «بلغة التركيع».

وأضاف: «الأجدى لنا أن نتحدى الظروف المحيطة وأن نعلن مراجعة كل ما من شأنه أن يمثل عبئا على صانع القرار وأن نعمل وأن ننجز».

وحتى الآن يبدو التوقف في تدفق المساعدات البترولية مؤقتا وربما يرتبط جزئيا بمصير الجزيرتين بالبحر الأحمر.

وطعنت الحكومة المصرية على الحكم القضائي الذي عرقل نقلهما إلى السيادة السعودية ومن المتوقع أن يصدر حكم في 22 أكتوبر/تشرين الأول.

وقال مصدر في أرامكو إن تسليم الوقود سيستأنف على الأرجح بحلول نوفمبر/تشرين الثاني.

لكن محللين يقولون إنه في الوقت الذي تعكف فيه السعودية على حملة للتقشف وتسعى لإصدار سندات سيادية للمرة الأولى فقد لا تتحمل بعد الآن إعطاء شيء بلا مقابل.

وقال «أنجوس بلير»، مدير العمليات لدى «فاروس القابضة»: «سيبدو الأمر غريبا إذا كنت تسعى لجمع عشرة مليارات دولار وتمنح مصر ملياري دولار. يشعر الشركاء الخليجيون بالضيق حقا من مصر بسبب عدم تنفيذها إصلاحات كانت متوقعة بعد 2013».

وأضاف: «بعد ذلك هناك قضية التصويت بمجلس الأمن الدولي وهل مصر تدعم حلفاءها بمعنى أوسع؟».

رويترز-