اقتصاد » مياه وطاقة

هل ينجح ولي ولي العهد السعودي في فطم بلاده عن النفط؟

في 2016/10/31

استثمارات بملايين الدولارات في التكنولوجيا، ومبادرات سياحية جديدة، وتركيز على التصنيع، وتخفيض عدد العمال الأجانب، وإضافة عدد أكبر من النساء لسوق العمل: كلا، هذه ليست بنود حملة رئاسية في الولايات المتحدة، بل هي كلها جزء من خطة السعودية الشاملة للإصلاح وإنهاء الاعتماد على النفط.

تأتي مبادرة «رؤية 2030» بقيادة ولي ولي العهد السعودي المتحرك سريع الكلام «محمد بن سلمان»، البالغ من العمر 31 عامًا، كجهد طموح لإعادة تشكيل الاقتصاد خلال 15 عامًا قادمة. وسيتطلب ذلك من كل من النخبة الدينية والمواطنين السعوديين العاديين تغيير أفكارهم حول بعض الأعراف الاجتماعية والثقافية المتأصلة.

وقد كافحت السعودية، الزعيم الحقيقي لمنظمة الدول المصدرة للبترول، لكي تضمن قيام باقي المنتجين بتقليص الإنتاج. وأثمر اجتماعٌ الشهر الماضي عن اتفاق حول ضرورة وضع مكابح على الإنتاج، لكن كيفية التنفيذ قد تأجلت لاجتماع المجموعة في نوفمبر/ تشرين الثاني القادم.

وعلى مدى عقود، كانت المملكة قادرة على امتلاك كعكتها الخاصة، بل والتهامها أيضًا. ودعم الإعفاء الحر لعائدات البترول الأسرة المالكة، وساعد الحكومة على مدى عقود في دعم كل شيء بداية من الكهرباء وحتى التعليم. ويعمل ثلثا القوى العاملة في القطاع الحكومي ذي الرواتب الجيدة، في الوقت الذي حافظ فيه الزعماء الدينيون على خط من الإسلام المحافظ يعرف بالوهابية، والذي يشكل نظاما تعليميا يقوم على التعاليم الدينية.

ويقول «يعقوب كركيجارد»، وهو زميل بارز في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي: »إنّهم يريدون خلق اقتصاد قطاع خاص ريادي نابض بالحياة، لكنهم لا يزالون يريدون إدارته كشركة عائلية من العصور الوسطى».

من 114 دولارا للبرميل إلى 30 دولارا

لعب نفوذ السعودية في أوبك دورًا أساسيًا فيما وصلت إليه أسعار النفط اليوم. ففي صيف عام 2014، دفعت السعودية باتجاه الإبقاء على الإنتاج دون تغيير بدلًا من تقليصه. وبحلول نوفمبر/تشرين الثاني، وعلى الرغم من أن انخفاض الطلب مع تزايد إنتاج النفط الصخري قد دفعا الأسعار لتنخفض إلى أقل من 80 دولارا للبرميل، كان للسعودية دور أساسي في منع قرار بتقليص الإنتاج في اجتماع أوبك في فيينا، وهو ما أدى إلى الانهيار الهائل في الأسعار بعد ذلك.

وكانت المقامرة التي خاضتها السعودية مع عدد قليل من دول الخليج العربي في أوبك، هي أنّه من الأفضل الاستمرار في زعامة السوق مع أسعار منخفضة للحفاظ على حصتهم في السوق، وهو ما سيستفيدون منه فور ارتداد الأسعار لأعلى مرة أخرى.

لكنّ الارتداد لم يأتِ أبدًا، والحكومات التي تمتعت بالاستقرار عندما كان السعر لا يزال بين 80 و100 دولار للبرميل، أصبحت غير مستقرة عندما وصل السعر إلى نصف هذه القيمة، حتى انهار السعر أسفل 30 دولارا للبرميل في فبراير/ شباط الماضي.

وحتى الآن، كانت المملكة قادرة على الاختيار بين أفضل عناصر قواعد اقتصاد السوق الغربية التي تريد أن تعتمدها، تاركةً خلفها العناصر التي يمكن أن تغضب القيادات الدينية المتشددة.

لكن الركود لعامين في أسعار النفط المنخفضة، بجانب الحرب في اليمن، قد خرّب ميزانية المملكة. وقد تأثرت الأجور والفوائد والدعم الذي يحصل عليه المواطنون، بالإضافة إلى اضطرار الحكومة للسعي لبيع حصة من شركة أرامكو السعودية، وهي شركة النفط الضخمة جدًا التابعة للدولة.

أعداد السكان الشباب

تضغط حزمة التقشف غير المسبوقة على الطبقة المتوسطة من المواطنين السعوديين، لكن الاقتصاديين يقولون أنّها لازالت غير كافية. فالكتلة السكانية السعودية تميل إلى الشباب، وسوف يتدفق مئات الآلاف من العمال إلى سوق العمل غير القادر على استيعابهم، وحتى وإن كانت الحكومة مستمرة في تقليص السحب من احتياطياتها النقدية، لكنّها لازالت تواصل السحب.

وقال «كيركجارد» إّنه يتشكك فيما إذا كانت الصناعات المستهدفة في «رؤية 2030» قادرة على خلق وظائف كافية لتحل محل البيروقراطية المتضخمة التي تريد الحكومة تقليصها.

العناصر التجارية التي تقدم الربحية الأفضل، مثل الخصخصة الجزئية والتوسع في أرامكو، والشراكة مع مؤسسة سوفت بنك اليابانية لاستثمار مليارات الدولارات من صندوق ثروتها السيادي، ليست مبادرات كثيفة العمالة. «فحتى صناديق الثروة السيادية الأكبر في العالم لا تحتاج إلّا إلى بضعة آلاف من الأشخاص»، وهي قطرة في دلو مقارنةً بملايين الوظائف التي تهدف الخطة لخلقها.

وجزء رئيسي من هدف خلق الوظائف الذي يستهدفه ولي العهد، يعتمد على استبدال العمالة الأجنبية التي تملأ القطاع الخاص في البلاد حاليًا والبدء بالاعتماد على مواطنين سعوديين. وتواجه هذه السياسة حقيقة أنّ الأعمال توظف الأجانب بسبب أنّهم سيعملون لوقت أطول وبأجر أقل.

تعلم العمل

وليقتنع السعوديون بترك وظائفهم في القطاع العام، سيتعين على شركات القطاع الخاص البدء في تقديم أجور أكبر. حيث يقول «غريغوري غوز» أستاذ ورئيس قسم الشؤون الدولية بجامعة تكساس: «أجورهم ستكون أعلى من العمالة الأجنبية، والحكومة ستفعل شيئًا لمعادلة تكلفة الأجور، وهذا يعني المساس بالضرائب».

ويقول «كيركجارد»: «يعمل الغالبية من السعوديين في القطاع العام، حيث الأجور المرتفعة التي تم تحديدها سياسيًا. والمفاجئ للجميع، أنّ لديكم الكثير من المواطنين السعوديين الذين يحتاجون أساسًا لتعلم كيفية العمل».

ويقول «جيسون توفي، خبير اقتصاد الشرق الأوسط في «كابيتال إيكونوميكس»: «إنّهم يحتاجون لإصلاح نظام التعليم. ففي الماضي، درس السعوديون بشكل تقليدي ما يلائم القطاع العام فقط، ولم يدرس السعوديون مهارات قابلة للتطور».

التعليم الديني

وتشمل مبادرة «رؤية 2030» خطة للتعليم المهني، لكنّ «توفي» لا يرى أنّ ذلك كافيًا لرأب الفجوة في المهارات، وأنّ كثير من التغييرات الشاملة في النظام التعليمي للبلاد من الممكن أن تكون غير مستساغة من رجال الدين.

في نهاية المطاف، على الرغم من الأهداف الحديثة لولي ولي العهد، فإنّ إدخال اقتصاد السعودية للقرن الـ 21 يعتمد على مرونة القيادة الدينية، وهي مجموعة غير معروفة بالتساهل.

ويضيف «كيركجارد»: «لدي شكوك حول إمكانية خلقهم لمجتمع يفعل ما يحتاجونه أن يفعله، أو أنّهم سيرفعون القيود عن النساء والمجتمع بشكل عام. وأعتقد أنّهم غير قادرين على إنجاز هذا التحول قبل أن يخففوا أيضًا القيود المفروضة اجتماعيًا وسياسيًا».

إن بي سي نيوز- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-