أقل من عشرة أيام تفصل عن انعقاد مؤتمر الدول المُنتجة والمُصدّرة للبترول (أوبك)، والألاعيب مُستمرة. حافظت السعودية على إنتاجها عند 10.7 ملايين برميل يومياً، بينما زادت إيران إنتاجها، وافتتحت ثلاثة حقول نفط، تُنتج مجتمعة 220 ألف برميل يومياً. ولا تزال طهران عند موقفها بأنها ستواصل رفع مستويات الإنتاج من 3.3 ملايين برميل إلى 4.2 ملايين برميل يومياً، في ما تعتبره حصتها من الكارتل.
كلا الطرفين غير مُستعد للتنازل، ويبدو أن الاتفاق الذي تمّ التوصّل إليه خلال لقاء وزراء النفط في دول «أوبك» في أيلول الماضي حول تخفيض الإنتاج، لن يُنفّذ في اللقاء المُقبل في 30 تشرين الثاني الحالي. وإلى حينه، تبخّرت الأجواء التفاؤلية. قد يتمّ التوصّل إلى اتفاق خلال الأيام المُقبلة، لكنه لن يترك سوى تأثير ضئيل في فائض الإنتاج في مقابل الطلب عليه، خاصّة أن الطلب العالمي انخفض من منتصف تشرين الأول الماضي. وانخفضت أسعار النفط من 52 دولاراً للبرميل في منتصف تشرين الأول إلى 45 دولاراً للبرميل في الأسبوع الماضي.
وفقاً للتقارير الرسمية، الرد السعودي سيكون برفع مستويات إنتاجها إلى 11 مليون برميل يومياً أو أكثر، في استراتيجية ضغط تفرض على بقية الأطراف خفض إنتاجهم، بما يسمح للسعودية بالحصول على حصة أكبر في السوق العالمية. وسيبدأ تطبيق هذه الاستراتيجية على إيران ثمّ الولايات المتحدة. لكن هذا النهج، في النظام العالمي الجديد بعد انتخاب دونالد ترامب، يبدو خطيراً وضاراً في الوقت ذاته.
وإذا لم يتمّ التوصّل إلى اتفاق نهاية شهر تشرين الثاني الحالي، فستواصل الأسعار انخفاضها، نظراً لأن مخزون النفط عالٍ. وتوقّع تقرير لمنظمة الطاقة العالمية «نمواً كبيراً في حجم العرض» في دول «اوبك» (حيث ارتفع 240 ألف برميل يومياً في شهر أيلول الماضي، إلى رقم قياسي وهو 33.1 مليون برميل)، وفي الدول غير الأعضاء في الكارتل، حيث يُحاول المُنتجون زيادة مستويات الإنتاج إلى الحدّ الأقصى، وافتتاح حقول نفط جديدة في البرازيل وكندا وكازاخستان في الأشهر المقبلة. ويبدو أن الطلب على النفط في الدول النامية متدنٍ جداً، فيما توقّفت الصين عن شراء كميات إضافية من النفط كي تزيد من احتياطها.
وسيؤثر الانخفاض المتزايد في الأسعار سلباً على الدول التي تعتمد في مواردها المالية على النفط، من فنزويلا إلى نيجيريا، ومن هنا، فإن أي زيادة إنتاج سعودي جديدة ستؤدي إلى زيادة الوضع سوءاً.
يبدو أن الحكومة السعودية خلصت إلى أنه على الدول الأخرى في المنظمة أن تعاني، ولكن عليها أن تكون حذرة عندما يتعلّق الأمر بواشنطن. فالمنتجون الأميركيون، الذين يعتمدون على النفط الصخري، يُعانون مادياً. وتتفاوت الأوضاع في الولايات المتحدة نتيجة اختلاف أسعار إنتاج النفط بين ولاية وأخرى. وعموما، قرّرت الاسواق العالمية البيع بسعر 50 دولاراً. ومع ارتفاع الأسعار، خطّط المنتجون الأميركيون لزيادة مستويات الإنتاج، لكنهم لم يُحضّروا أنفسهم للإنتاج عند سعر 40 دولاراً للبرميل أو أقلّ. مع الإحباط من إمكانية الإقفال، والإفلاس الذي رافق السنة الماضية، يبدو أن بعض الشركات الأميركية قد تضطر إلى إغلاق حقولها النفطية إذا لم تستطع تسديد فواتيرها.
إخراج اللاعب الضعيف من المُعادلة هو المبدأ الذي تقوم عليه المنافسة في السوق؟ لكن السعودية تعتمد على الولايات المتحدة في الدعم العسكري، والضمانات السياسية للاستمرار في السلطة. صحيح أن العلاقات بين البلدين متوتّرة في عهد الرئيس باراك أوباما، لكنّه ليس بالشيء الذي يُذكر في مُقابل ما قد يحصل إذا أجبرت الإجراءات السعودية مُنتجي النفط الصخري الأميركيين على إغلاق أجزاء كبيرة من عملياتهم، مع ما يُرافقه من ضياع فرص العمل وخسارة الموارد المالية. وبخلاف القادة الجمهوريين، مثل جورج دبليو بوش، فإن الرئيس الأميركي المُنتخب دونالد ترامب لا يُقدّر السعوديين، فهو يستطيع الحكم على العلاقة بين البلدين من خلال مزايا مُرتبطة بالمصالح الأميركية.
الإدارة الأميركية الساخطة ستردّ بأي طريقة على تهديد مصالحها، من نشر التحقيق الكامل في اعتداءات 11 أيلول والدور السعودي فيها، بما في ذلك أي نزاعات أخرى أُزهقت فيها أرواح أميركية. كما يُمكن لترامب سحب الدعم الأميركي لـ «التحالف السعودي» في اليمن، وربما يُعيد التفاوض حول شروط التعاون العسكري بين البلدين أو حتى إلغاء بعض الضمانات الدفاعية.
يُرجّح اللوبي السعودي في الولايات المتحدة أن واشنطن لن توقف تصدير الأسلحة للسعودية، ولن تُخاطر بخسارة عشرات الآلاف من مواطنيها وظائفهم في قطاع صناعة الأسلحة، لكنّه اعتقاد خاطئ. تحتاج الحكومة السعودية، أياً كانت تركيبتها، إلى شراء الأسلحة الأميركية. ما تُريده واشنطن هو حكومة مستقرّة في الرياض تتمتّع بمستوى معتدل من النظام، الأمر الذي لن يتحقّق إذا لم تتولَّ الرياض إدارة سوق النفط.
تُواجه السعودية خيارات صعبة، إذ يبدو أن التوصّل إلى اتفاق مع «أوبك» لموازنة أسعار السوق (وهذا لا يعني تجميد الإنتاج إلى مستوى معين فقط، بل تخفيضاً مستمراً له) مستحيل. ناهيك عن أن تخفيض الانتاج ليس بالأمر اليسير، لأن معظم الإنتاج يتمّ استهلاكه محلياً. ويتزايد الطلب المحلي للنفط في المملكة (بلغ 3.9 ملايين برميل يومياً في العام الماضي، وفقاً لتقرير «بي بي ستاتستيكال ريفيو»)، ومع زيادة النمو السكاني في السعودية إلى 30 مليون نسمة، ستتفوّق الرياض على طوكيو في كمية استهلاك النفط. وبالتالي فإن خفض الإنتاج بمعدل مليوني برميل يومياً لن يسمح للمملكة إلا بتصدير كمية لا تزيد على 4.5 ملايين برميل يومياً.
إن الاستسلام للأمر الواقع هو نقطة البداية الأكثر واقعية للسعوديين، بدلاً من التفكير بأنه يُمكن لهم الحفاظ على مصالحهم القومية من خلال تهديد الدولة التي وفّرت لهم الحماية خلال العقود الخمسة السابقة.
بروفسور نيك باتلر ـ «فايننشال تايمز»-