اقتصاد » مياه وطاقة

لماذا توسع أرامكو استثماراتها في مجال البتروكيماويات؟

في 2016/11/26

تعد خطط أرامكو لتوسيع عمليات استثماراتها في مجال البتروكيماويات جزءا من الجهود التي تبذلها المملكة لإعادة هيكلة اقتصادها.

وتعد شركة النفط العربية السعودية هي أكبر منتج للنفط في العالم على مدى عقود، وهي تريد أن تكون أكثر من ذلك بكثير الآن، تريد أن تكون مجمعا للبتروكيماويات الجديدة.

يوجد بين حقول الذرة الهولندية هنا مجموعة متشابكة من الأنابيب، الأحواض والمحفزات التي يستخدمها مصنع أرلانكسيو لتحويل النفط إلى المطاط الصناعي، لأجل تصنيع منتجات تتراوح من خراطيم السيارات ذات المحرك إلى الفلين البلاستيكي. وأرامكو، كما هو معلوم، كانت تركز حتى وقت قريب على ضخ كميات كبيرة من النفط . ولكن أرامكو تهدف الآن إلى توسيع العمليات البتروكيماوية، وتحويل نفسها إلى شركة متكاملة للطاقة الحديثة على غرار إكسون موبيل.

على بعد آلاف الأميال، بالقرب من مدينة الجبيل على الخليج، يستعد جيش من العمال للانتهاء من مجمع للبتروكيماويات بقيمة 20 مليار دولار، وهو مشروع مشترك بين أرامكو وشركة داو كيميكال.

أرامكو، هي واحدة من أكثر الشركات قوة وسرية في العالم، وهي تخضع لتحول غير مسبوق، بينما تتضرر إيراداتها من تراجع أسعار النفط ومن حالة عدم اليقين حول مستقبل الطلب على الوقود الأحفوري.

ويتشابك تحولها هذا مع خطة طويلة الأجل لتنويع الاقتصاد السعودي. تلك الخطة القوية للأمير «محمد بن سلمان» الذي يريد لاقتصاد بلاده أن ينمو بعيدا عن النفط. جزء من هذه الخطة يتمحور حول أرامكو، عن طريق دفع الشركة لتوليد المزيد من فرص العمل المحلية والإيرادات غير النفطية، وكذا الاستفادة منها في الحصول على التمويل اللازم لرؤية الأمير.

يكمن الهدف الاستراتيجي لأرامكو في خلق شبكة عالمية من محطات التكرير والبتروكيماويات، التي تسمح للسعودية بتحويل أكبر أصولها إلى مئات من المنتجات عالية القيمة الحيوية للحياة الحديثة، من العلكة إلى قطع غيار السيارات.

لاستخراج رأس المال من النفط الذي لا يزال في الأرض، تعتزم شركة أرامكو بدء مناورة طموحة أخرى: طرح عام أولي في عام 2018 يمكن أن يصبح الأكبر في التاريخ. وتقول شركة أرامكو إن لديها 261.6 مليار برميل من النفط ما يقرب من 20 ضعف ما تملكه شركة إكسون موبيل.

وقال وزير النفط السعودي ورئيس مجلس إدارة شركة أرامكو، «خالد الفالح»، في مؤتمر صحفي مع عدد من الصحفيين هذا العام إن قدرات أرامكو ستنطلق تماما، وسوف قادرة للوصول الى العالمية بطرق متعددة.

رفضت شركة أرامكو الرد على أسئلة مفصلة، وأشارت بدلا من ذلك إلى خطاب واحد من قبل الرئيس التنفيذي للشركة «أمين ناصر» في سبتمبر/ أيلول. حيث ألمح إلى سبب اهتمام الشركة بصناعة البتروكيماويات المتنامية. وقال أن منطقة الخليج تعد موطنا لـ2.5% من إيرادات البتروكيماويات العالمية، وأقل من 1% فقط من فرص العمل في هذه الصناعة، على الرغم من قربها الجغرافي من الأسواق الرئيسية في أوروبا وآسيا.

الوظائف الجديدة والإيرادات

من خلال تطوير المزيد من الصناعات الكيميائية من تلقاء نفسها، ويمكن لأرامكو جذب المزيد فرص العمل والدخل للمملكة، التي أصدرت مؤخرا سندات بقيمة 17.5 مليار دولار لدعم مواردها المالية. وربما يعني تجديد أرامكو كشركة مساهمة عامة لتستثمر في إنتاج البنزين والديزل والمواد الكيميائية المتخصصة التخلي عن الدور التقليدي للسعودية كرئيس فعلي لمنظمة البلدان المصدرة للبترول.

تاريخيا، كانت المملكة تتحكم في أسعار النفط عن طريق أرامكو. كانت الشركة تقوم بضخ المزيد من النفط أو تخفيش إنتاجها للتحكم في مسار السوق.

وتعتمد الحكومة السعودية على النفط لتوفير الغالبية العظمى من إيراداتها، وقد ظلت لعقود طويلة تتحدث عن الحاجة إلى تنويع اقتصادها دون اتخاذ خطوات فعلية. ويقول «ريتشارد مالينسون» مستشار الطاقة في السوق العالمي أنه يعتقد أن خطة التنويع ستقطع شوطا كبيرا ولكن نتائجها سوف تظل أقل من المتوقع. وقد اتبعت العديد من الشركات الكبرى مثل إكسون موبيل ورويال داتش استراتيجية امتلاك المزيد من مصانع البتروكيماويات لخلق منافذ لمنتجات النفط الخام والمكرر منذ فترة طويلة.

 ويقول العديد من المستشارين المشاركين في التخطيط للاكتتاب أن التحول يكون على درجة من التعقيد يمكن أن تذهب أبعد من عام 2018. وهم يؤكدون أن حصة 5% المستهدفة للطرح هي كبيرة حتى أن أرامكو قدرت قيمتها بمبلغ 2-3 تريليون دولار وقد تتطلب من أرامكو تعويم الأسهم في عدة بورصات للأوراق المالية ومواجهة مجموعات متعددة من القواعد المالية. إنه تحد خاص بالنسبة للبنوك، كما يقولون، لأن الشركة والمملكة متشابكتان بطريقة غير معلنة.

الخطة والأمير

وقالت الشركة أنها ستبدأ بالإفصاح عن البيانات المالية في عام 2017.، حيث إن عملياتها المحاطة بالسرية لن تلبي متطلبات الحوكمة في معظم البورصات.

وقد هز الملك «سلمان بن عبد العزيز» بالفعل النخبة الحاكمة في المملكة بعد تمكين ابنه، ولي ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان». ومضي الأمير «محمد» قدما في خطة وضعتها شركة ماكينزي وشركاه الاستشاريين لتقليل اعتماد البلاد على النفط فيها. في مايو/أيار ، اقترح الأمير إجراء الاكتتاب ونقل العائدات لصندوق الثروة السيادية للاستثمار في القطاعات الأخرى.

من خلال اتخاذ القرار نحو التحول، فإن الأمير «محمد» البالغ من العمر 31 عاما يمثل تحديا للنظام القائم. ويقول مقربون أنه حتى إعطاء المساهمين سيطرة جزئية على احتياطيات النفط في المملكة العربية السعودية سيكون أمرا صعبا. ويقول أشخاص مطلعون على المناقشات أن الأمير «محمد» يعمل مع السيد «الفالح»، رئيس أرامكو، ودائرة ضيقة من المستشارين لرسم مستقبل أرامكو والاقتصاد السعودي.

بعض أعضاء مجلس إدارة الشركة علموا عن خطط الاكتتاب العام من تقارير وسائل الإعلام، وليس من السيد «الفالح» أو السيد «ناصر»، الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو، وفق ما يقوله مسؤول في أرامكو. «في بعض المناسبات حتى الرئيس التنفيذي لا يكون على علم تام بالتحديثات الأخيرة».

تستطيع شركة أرامكو مباشرة أو من خلال محطات مشاريع مشتركة معالجة 5.4 مليون برميل يوميا في الأسواق التي تعد أكبر عملائها في النفط الخام مثل: الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان والصين و السعودية.

نموذج أكثر ربحا

إن صنع نموذج متكامل أكثر ربحا لأرامكو هو أمر مهم، بينما لا تزال التكاليف التشغيلية لاستخراج النفط هي الأدنى، ربما 6 دولارات للبرميل، وفقا لمستشار النفط «وود ماكينزي».

يقول «أنس الحجي»، الخبير الاقتصادي المستقل في مجال الطاقة في دالاس أن فكرة السيطرة على السوق كانت مهمة جدا بالنسبة إلى السعوديين. وقد دفعت هذه الفلسفة أرامكو في وقت سابق من هذا العام لتفريق الشراكة الاستراتيجية «موتيفا»، وهو مشروعها المشترك القديم منذ عقدين مع شركة شل. وكانت تلك المصفاة في بورت آرثر بولاية تكساس من الأصول الأساسية للشركة.

ويقول أشخاص مطلعون على العلاقة مع «موتيفا» أنها كانت قد بدأت في شراء النفط الخام الأميركي، وصارت تتنافس مع النفط السعودي.

يقول المتحدث باسم «شل راي فيشر» أن إنهاء مثل هذا المشروع الطويل مع العديد من الأصول والخصوم هو «عملية معقدة جدا، تنطوي على العديد من التعديلات والتغييرات على طول الطريق قبل أن يتم التوصل إلى اتفاقات نهائية».

وسوف يعطي هذا التفكيك أرامكو فرصة ترسيخ موطئ قدم لها الولايات المتحدة. من بورت آرثر، فإنه يمكنها شحن البنزين ووقود الطائرات والديزل إلى قواعد عسكرية في ولاية فرجينيا والمطارات في واشنطن العاصمة، ومحطات الخدمة في نيويورك.

ويعمل الانقسام على تحرير أرامكو من بعض القيود التي يفرضها اتفاق «موتيفا»، مما يسمح لها بالتوسع، على سبيل المثال، على الساحل الغربي.

وتتفاوض أرامكو أيضا مع شركة النفط الوطنية الماليزية بتروناس، للعمل معا على مشروع تكرير للبتروكيماويات بقيمة 21 مليار دولار بالقرب سنغافورة، وينتظر أن يكون المشروع بمثابة جسر آسيوي رئيسي آخر للنفط السعودي.

تمتلك أرامكو أيضا حصة في العملاق فوجيان للتكرير والبتروكيماويات، وتعمل على توريد النفط الذي يتحول إلى البنزين والبلاستيك في الصين.

جذور أرامكو

كانت شركة ستاندارد أويل أوف كاليفورنيا هي الشركة التي اكتشفت الودائع النفطية الهائلة في شبه الجزيرة العربية. في أوائل السبعينيات اشترت المملكة حصة في شركة أرامكو من الشركة، وفي الثمانينيات حصلت على كل شيء.

وفي عام 1991، بدأت شركة أرامكو تبحث في الخارج عندما اشترت حصة في مصفاة كوريا الجنوبية. ووافقت على تزويد المصفاة بالخام لعقدين من الزمن. وعلى مر السنين، اشترت وبنت المزيد من المصافي.

ومع ذلك، ظلت أرامكو شركة تركز بشكل كامل تقريبا على إنتاج النفط الخام. ظهرت الاستراتيجية الجديدة بوضوح لأول مرة في عام 2011 عندما وافقت شركة أرامكو وشركة داو كيميكال على إنشاء أحد أكبر المجمعات البتروكيماوية في العالم.

بعد توقيع الاتفاق، ، أوضح السيد الفالح رؤيته أن أرامكو «سوف تصبح الشركة الرائدة في مجال الطاقة المتكاملة في العالم بحلول عام 2020».

واجهت مبيعات النفط الخام في السعودية ضغوطا جديدة ابتداء من عام 2012 واضطرت للخروج من السوق الأمريكية التي غزاها طوفان من الصخر الزيتي، الذي بدأ يتنافش مع شركة أرامكو في آسيا. وكان الطلب في حالة ركود، وكانت الدول تتحرك للحد من استخدام الوقود الأحفوري.

بعد فترة وجيزة بدأت أسعار النفط تتراجع في عام 2014، وقد اقترح السيد «زاتشرت»، رئيس شركة الكيماويات لانكسيس، صفقة أوروبية مع أرامكو. وقد تم الانتهاء من الصفقة في وقت قياسي.

انتقل ثلاثة مسؤولين تنفيذيين لأرامكو إلى هولندا للمساعدة في تشغيل الشركة، التي تمتلك20 مصنعا في أمريكا اللاتينية وأمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا. وسوف تكون الشركة حلقة وصل رئيسية بين أرامكو وبين بناء إمبراطورية البتروكيماويات، ضمن خطة التنويع في المملكة.

ويؤكد «روبرت دبليو»، سفير الولايات المتحدة لدى السعودية في عهد الرئيس «جورج دبليو بوش»، أن التغييرات التي تبذلها أرامكو تهدف للخروج بالبلاد من الماضي. ويؤكد: «قد يكون عصر النفط في السعودية قد بلغ نهايته».

وول ستريت جورنال- ترجمة وتحرير أسامة محمد - الخليج الجديد-