أعلنت أوبك الأسبوع الماضي عن وضع حدود لإنتاجها لأول مرّة منذ الأزمة المالية عام 2008. وكان النقاش حول خفض الإنتاج قد بدأ منذ وقت طويل، لكنّه لم يخرج عمليًا إلى النور بسبب تحكّم السعودية خوفًا من فقدان حصّتها من صادرات النفط العالمي إلى مصادر بديلة، لا سيّما إنتاج النفط الصخري المتنامي في الولايات المتحدة.
وفي حين تسبّبت مستويات الإنتاج والتصدير العالية في السنوات الأخيرة في إبطاء منافسة الولايات المتحدة، أتى ذلك بتكلفة كبيرة على العديد من الدول الأعضاء التي عانت من الاضطرابات الاقتصادية وتزايد مستويات الديون بفعل التضخم في وفرة المعروض والمخزون من النفط العالمي والذي أدّى لانهيار الأسعار. وفي النهاية، سينتج عن هذا الحدّ من الإنتاج مجموعة واضحة من الفائزين اقتصاديًا.
صناعة النفط الصخري الأمريكي
سارع منتجو النفط الصخري في الولايات المتحدة من أجل البقاء تحت وطأة أسعار النفط المنخفضة في السنوات الأخيرة. وقد انخفض إنتاج النفط الصخري الأمريكي من 9.6 مليون برميل يوميًا في أبريل/ نيسان عام 2015 إلى 8.58 مليون برميل في سبتمبر/ أيلول. ويشجع ارتفاع سعر النفط مرة أخرى منصّات إضافية للتنقيب في الأرض نظرًا للجدوى الاقتصادية.
إيران
في حين ستتحمّل الدول العربية بما في ذلك السعودية والكويت وقطر والإمارات الجزء الأكبر من التخفيض، فالحدود المفروضة على إيران تتجاوز في الواقع مستويات إنتاجها الحالية. وجاء في اتفاق أوبك السماح لإيران بالوقوف عند مستوى 3.975 مليون برميل يوميًا. ووصل إنتاج إيران في أكتوبر/ تشرين الأول إلى 3.7 مليون برميل يوميًا، وهو ما يسمح لها بزيادة الإنتاج وفقًا للاتفاق والحصول على حصّة إضافية من السوق على حساب الدول العربية.
ومنذ انهيار العقوبات الغربية في أعقاب الاتفاق النووي في أبريل/ نيسان عام 2015، سعت إيران لاستعادة حصّتها من صادرات النفط للسوق الدولي. وكانت معارضًا شرسًا لنقاشات أوبك السابقة للحد من الإنتاج، نظرًا لحاجتها لعائدات التصدير والاستثمار الأجنبي المباشر من أجل تحسين بنية الطاقة. وتأتي تنازلات أوبك لصالح إيران في اتفاق الأربعاء استيعابًا لرغبتها في مواصلة استغلال الفرص المتاحة لتصدير النفط بعد رفع العقوبات.
الصين
في عام 2013 ربع مستوردي النفط في الصين يعتمدون على النفط السعودي، وهو ما جعل المملكة هي أكبر مصدر للنفط بالنسبة للصين. وإدراكًا لمخاطر تلك التبعية، تحرّكت بكين منذ ذلك الوقت لتنويع مصادرها من الطاقة.
واليوم، انخفضت نسبة السعودية من واردات النفط إلى الصين إلى 11.8%، وهو المستوى الأقل منذ عام 2007. ومع تحمّل المملكة للجزء الأكبر من خفض الإنتاج بواقع 486 ألف برميل يوميًا، فربّما يدفع هذا بكين للإسراع في البحث عن مصادر بديلة للطاقة، وهو ما قد يفقد الرياض لحصّة من السوق قد لا تستطيع استعادتها مرّة أخرى في المستقبل.
نيجيريا والجزائر وليبيا وفنزويلا
كل من هذه الدول الأعضاء في أوبك عانت كثيرًا تحت وطأة انهيار أسعار النفط لوقت طويل. ومع التضخّم في إنتاج النفط العالمي، واجهت هذه الدول صعوبات في تحقيق عوائد على الاستثمار في البنية التحتية للطاقة وتحقيق نمو للناتج المحلي الإجمالي من هذه الصناعة. وعلى وجه التحديد، تمّ إعفاء نيجيريا وليبيا من اتفاق أوبك يوم الأربعاء، الأمر الذي يوفّر لهما فرصةً عظيمة للاستفادة من ارتفاع الأسعار. وكلا الدولتين قد وضعتا أهدافًا لزيادة الإنتاج، وبالجمع بين الأسعار المرتفعة وعدم وجود قيود على مستويات الإنتاج، يجعل هذا تحقيق أعداف أعلى للإنتاج أكثر واقعية.
هل سيصمد اتفاق أوبك؟
في حديثٍ له يوم الجمعة إلى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أشار وزير النفط السابق علي النعيمي، في حديثة إلى ما يعرفه الكثير من المراقبين عن أعضاء أوبك: «للأسف، نحن نميل إلى الغش».
وفي حين من الممكن أن يساعد تقليص الإنتاج على توازن المعروض الفائض في السوق من النفط لوقت طويل، يتطلّب استمرار أعضاء أوبك في الالتزام بحيثيات اتفاق الأربعاء ألا يأتي على حساب مصلحة أي من تلك الدول. وإذا اضطرت بعض الدول الأعضاء لتقديم تنازلات من الممكن أن يكون دافعًا لها لكسر الاتفاق. ويمكن أن يلاحظ ذلك في التنازلات التي قدمت لصالح طهران والسماح لها بزيادة الإنتاج.
وفي حين سيرجع اتفاق أوبك بالفائدة على كل أعضاء أوبك غالبًا، بفعل ارتفاع سعر برميل النفط، فعلى الأرجح سيكون من الصعب استمرار ذلك على المدى المتوسط والطويل. والتساؤل الجوهري الذي يطرح هنا، هو ما إذا كان الاتفاق سيصمد أمام التوتر في العلاقة الجيوسياسية بين السعودية وإيران.
ويعدّ التخوّف الرئيسي لدى المملكة هو الخوف من خسارة جزء من حصّتها في السوق، وهو المحرك الرئيسي لسياسات أوبك منذ عام 2008. وقد وافقت المملكة على خفض جزء من إنتاجها قد يكفي للتأثير على حصتها في السوق. وكما ذكرنا، يظهر ذلك جليًا في الصين. وكلما فقدت السعودية تلك الحصّة بشكل أسرع، كلما أسرعت في إعادة التفكير بشأن موقفها من الاتفاق.
وممّا يزيد من احتمالية خسارة المملكة لجزء من حصّتها هو أنّ واحدًا من أكثر اللاعبين احتمالًا للانقضاض على هذه الحصّة من السوق والاستفادة من هذا التحول هو إيران. والسعودية وإيران على خلاف مؤخرًا في العديد من مناطق الصراع عبر الشرق الأوسط، بما في ذلك سوريا واليمن وبشأن احتجاجات الشيعة التي تدعمها إيران في البحرين. وبينما اضطرت إيران إلى تنازلات سياسية أثّرت في اتفاقات أوبك في السابق، فالوضع مختلف هذه المرّة. ومن المرجّح أن تتفاقم تلك التوتّرات بين البلدين مع توسّع إيران في سوق صادرات النفط بعد رفع العقوبات واستمرار المملكة في التزامها بالحفاظ على الاتفاق على المدى الأطول.
جلوبال ريسك إنسايتس- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-