اقتصاد » مياه وطاقة

أرامكو مضطرة لكشف بعض أسرارها من أجل الاكتتاب العام

في 2017/03/09

كانت السعودية دائمًا مكانًا للأسرار والغموض، لكنّ طرحها العام الموعود لجوهرة تاج المملكة، شركة أرامكو السعودية الوطنية للنفط، ليس إلّا قطعة اللغز الأخيرة.

في حين يخطّط المصرفيّون والمسؤولون السّعوديّون للاكتتاب الأول من نوعه، تبرز العديد من الأسئلة أكثر من الأجوبة. هل تبلغ القيمة الحقيقية للشركة 2 تريليون دولار، كما يصرّ السّعوديّون، أم مجرّد جزء صغير من هذه القيمة، كما أكّد المصرفيّون وخبراء النفط العالميين؟ وهل سيسمح أفراد الأسرة الحاكمة بالشفافية التي يطلبها المستثمرون؟ وهل يمكن للسّعوديين الالتزام بموعد الطرح نهاية العام مع استمرار انخفاض أسعار النفط أو التوتّرات المتصاعدة حول المنطقة؟

نحّى وزير الطاقة السعودي، ورئيس مجلس إدارة شركة أرامكو، جانبًا العديد من هذه المخاوف أمام كبار مسؤولين الطاقة العالميين في هيوستن يوم الثلاثاء، ساعيًا إلى بناء الثقة في أنّ ما تقدّمه أرامكو السّعودية هو الأفضل على الإطلاق.

وقال السيد «الفالح»: «تسير العملية وفق الوقت المحدّد لها، وكلّ شيء على ما يرام. ستكون إضافة كبيرة للكثير من المحافظ. وسوف تمنح الشركة مزيدا من العالمية».

لكن ليس كلّ خبراء الطاقة يعتقدون أنّ العملية ستسير بسلاسة، على الرغم من الكثير من الحوافز والدوافع عند المصرفيين والمسؤولين السعوديين.

وقال محلل النفط البارز في أوبنهايمر وشركاه: «الكلام مجّاني، لكنّ التنفيذ صعب. سيتعيّن عليهم عمل مجلّدات لم تكن موجودة من قبل».

لا توجد الكثير من الشركات أكبر من أرامكو. ويخطّط السّعوديون لطرح 5% من الشركة، والتي قد تعود بـ 20 إلى 100 مليار دولار، وهذا يتوقّف على قيمة الشركة الحقيقية التي لم تحدّد بدقّة بعد.

ويصرّ السّعوديّون على أعلى قيمة استنادًا لاحتياطيات النفط لدى الشركة والتي تبلغ 266 مليار برميل، وهو ما يقارب 15% من إمدادات النفط العالمية، والذي يجعل قيمة الشركة تصل إلى 2 تريليون دولار بحسب قولهم. لكنّ المستشارين في ماكينزي يقدّرون قيمتها بنحو 400 مليار دولار.

وتهيئ أكبر البنوك نفسها، ومن بينها جي بي مورجان تشيس ومورجان ستانلي وإتش إس بي سي، لطريق تقديم المشورة للسعوديين في كيفية تنظيم الطرح.

لكنّ المصرفيّن الاستثماريين يقولون أنّه لا يمكن تحديد القيمة الدقيقة للشركة قبل وضع الحكومة السعودية الخطوط العريضة لكيفية حمايتها لحقوق المستثمرين الأقلية، وما هي الضرائب التي ستدفعها الشركة، وكيف سيكون هيكل التكلفة لأرامكو. وستكون التقييمات معقّدة للغاية في ظل توقّعات أسعار النفط خلال 30 إلى 50 عامًا قادمة مع التخوّفات من تغيّر المناخ والاضطرابات التكنولوجية المحتملة.

حساسية الشراكة

ولأنّ الحكومة السعودية تعتمد على الشركة في معظم إيراداتها، ستكون مشاركة الحكومة وصندوق الثروة السيادي السعودي وأعضاء من الأسرة الحاكمة للأرباح مع مستثمرين أجانب، مسألة حسّاسة.

وستكون عملية فصل أرامكو السعودية عن الحكومة معقّدة كعملية فصل توأمين متلاصقين. فبجانب ممتلكات الشركة الممتدة من النفط والمصافي ومعدّات الإنتاج وخطوط الأنابيب، تشارك الشركة في بناء المستشفيات والمنازل وتقدّم دعمًا كبيرًا من إنتاجها بخصومات كبيرة عن الأسعار العالمية.

وتدفع الشركة المملوكة للدولة الآن 85% ضرائب على الأرباح. وعلى الأرجح سيتم خفض هذا اعتبارًا لجعل عملية الطرح جذّابة، لكنّ ذلك قد يعقّد من الوضع المالي للدولة في الوقت الذي تكافح فيه الحكومة مع الديون المرتفعة والعائدات المنخفضة.

لكن وجود مثل هذه التعقيدات ليس أمرًا مفاجئًا في ظلّ ارتباط الشركة ليس بالحكومة فقط، وإنّما أيضًا بالأسرة الحاكمة، بما في ذلك أفراد ساخطون على الملك «سلمان» بسبب تجاوزه خطّ الخلافة التقليدي لصالح المرشّحين الذين يفضّلهم للخلافة.

وستواجه الشركة مشكلة كبيرة حين تحاول الإدراج في بورصات عالمية مثل بورصة نيويورك، والتي تطلب تدقيقًا على سجلّات ودفاتر الشركة في غضون الخمس سنوات السّابقة. ولم يسبق للشركة أن أصدرت هذه البيانات، ولطالما بقيّت سرًّا.

ويقول المصرفيّون أنّهم متحمّسون لإمكانية أن تنتج الصفقة أرباحًا وفيرة وآمنة، لكن فقط إذا عمل المسؤولون السّعوديّون على هيكلة الشركة لتصبح مثل باقي الشركات العامة. وهم يحيّون الشّركة على إدارتها المهنية والمنتجة.

وفي حديثه يوم الثلاثاء، اعترف «الفالح» أنّه لا تزال هناك مقاومة للتغيير في المملكة، وأنّ الشركة لا تزال في حاجة للعمل على ممارساتها المحاسبية لتلبية معايير البورصة الدولية.

وأضاف: «الأمر ليس بسيطًا، إنّه معقّد حقًّا».

ويتفاءل بعض المحللين بأنّه من الممكن العثور على حلول. وهم يرون أنّ الملك «سلمان» وابنه المفضّل، ولي ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»، ملتزمون للغاية تجاه الطرح بوصفه حجرًا للزاوية بالنّسبة لخطّة رؤية 2030، والتي وضعت لتنويع وخصخصة الاقتصاد السّعودي، من القطاع النفطي إلى المرافق والمطارات.وقد لاحظوا أنّ السعودية قد عكست سياستها العام الماضي ودفعت دول منظّمة أوبك لخفض الإنتاج لمواجهة انخفاض أسعار النفط عالميًا، الأمر الذي قد يجعل الاكتتاب أكثر جاذبية.

وقال «سامر الأشقر»، رئيس مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية، ومقرّها في الرياض: «كلّ شيء يتغيّر. وليس هناك طريقة أفضل لوصف ما يحدث من أنّها ثورة في ثقافة العمل».

نيويورك تايمز- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-