اقتصاد » مياه وطاقة

لماذا تسعى السعودية إلى تمديد اتفاق خفض إنتاج النفط؟

في 2017/03/25

عندما ظهرت الأخبار في 30 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2016، بأنّ أوبك قد وافقت أخيرًا على اتّفاق خفض إنتاج النفط، وهي المرة الأولى منذ عام 2008، أرسل المتداولون سعر النفط الخام عاليًا بنسبة ارتفاع 9% ليخترق عتبة الـ 50 دولار للبرميل. لكن بعد تنفيذ الاتّفاق، وبعد فترة من تطبيق خفض الإنتاج بين أعضاء أوبك والدول غير الأعضاء في أوبك بنحو 1.4 مليون إلى 1.5 مليون برميل يوميًا، تراجع سعر خام النفط أسفل 50 دولار للبرميل يوم الأربعاء.

وتوجد عدد من العوامل الذي تدفع لاستمرار الأسعار المنخفضة، لكنّ امتثال أعضاء أوبك للاتّفاق لا يبدو عاملًا مهمًّا للغاية. وفي نهاية هذا الأسبوع في الكويت، ستجتمع لجنة الأوبك المكلفة بمراقبة الإنتاج، لتتحدّث عن مدى امتثال الأعضاء للاتّفاق، لكنّها ستركز أيضًا على مسألة استعداد أعضاء أوبك لتمديد الاتّفاق قبل نهايته في يونيو/حزيران القادم.

وقد وصلت التخفيضات بين أعضاء أوبك إلى نحو 90% من الكمية المتّفق عليها، مع نسبة التزام بلغت 40% بين الدول غير الأعضاء في أوبك. ومقارنةً بالاتّفاقات السّابقة، فإنّ نسبة الالتزام مرتفعة. وقد قادت السّعودية هذا النجاح بخفضها لإنتاجها بأكثر من القيمة التي تعهّدت بها. وعلى سبيل المثال، جاء متوسّط إنتاج المملكة في فبراير/شباط بنحو 770 ألف برميل يوميًا، وهو أقل من إنتاج أكتوبر/تشرين الأول عام 2016، وبتخفيض أكبر بـ 58% ممّا وافقت عليه في نوفمبر/تشرين الثاني.

وفي حين أنّ الامتثال ليس هو الدافع الرئيسي، يبقى السؤال الأهم هو ما إذا كانت السعودية ستدفع باتّجاه تمديد خفض الإنتاج بعد يونيو/حزيران. وذلك عندما يبدأ الاستهلاك السعودي فعليًا في الارتفاع طلبًا لتوليد مزيد من الكهرباء لتلبية الزيادة في الطلب خلال أشهر الصيف الحارّة. وتمثّل رغبة السعودية العامل الجوهري في تمديد الاتّفاق، كونها القائد الحقيقي للمنظمة. وقد سعت لتبديد مخاوف باقي الأعضاء من عدم التمديد، قائلةً بأنّها ستمدّد الاتّفاق إذا لم ينخفض مخزون النفط ليصل إلى متوسّط آخر 5 سنوات بحلول وقت اتّخاذ القرار في الاجتماع المقبل للمنظّمة في 25 مايو/أيار.

ونظرًا لاستحالة انخفاض مخزونات النّفط إلى هذا المستوى قبل مايو/أيار، فإنّ تمديد الاتّفاق يبدو أنّه لا مفرّ منه. وقد قضت السّعودية ومنتجون آخرون عامين في إغراق السوق بالنّفط مع وفرة المعروض. وعلى الرغم من أنّها لم تعد قادرة على التحكّم في سعر النّفط، تشعر السّعودية أنّ إدارة السّوق قد تؤدّي إلى خفض الإمدادات. لكن ما يحتاجه السّعوديّون لتحقيق الهدف هو الوقت.

وكان من العوامل التي ساهمت في انخفاض الأسعار هو التذبذب الموسمي الطبيعي في العرض. وبشكلٍ عام، خلال الأشهر القليلة الأولى في بداية العام، يزداد مخزون النّفط العالمي حيث يقل الطلب على الطاقة. وفي وقتٍ لاحق خلال العام، قد يصبح هناك عجز في السوق، متسبّبًا في سحوبات مستمرة من المخزونات الكبيرة في هذا الوقت. وتشير تقديرات منظّمة أوبك إلى أنّ مخزونات النفط الخام التجاري تتجاوز متوسط الـ 5 سنوات بـ 209 مليون برميل، ويتجاوز مخزونات المنتجات التجارية متوسّط الـ 5 سنوات بـ 69 مليون برميل. ويعني هذا أنّه للوصول إلى متوسّط الـ 5 سنوات، يحتاج متوسّط الطلب العالمي أن يرتفع مليون برميل يوميًا لمدّة 9 أشهر متواصلة، أو 1.8 مليون برميل لمدّة 5 أشهر.

ويهيمن هذا النّمط من التفكير على الاستراتيجية الحالية للسّعودية. وإذا لم تنجح المملكة في الحفاظ على التزام الأطراف بخفض الإنتاج، سيزيد منتجون آخرون من إنتاجهم، وقد تحذو المملكة حذوهم لتلبية زيادة الطلب الداخلي ولكي لا تفقد حصّتها من السّوق. وقد يستمر عجز السّوق خلال أشهر الصّيف، لكنّ الخطأ الحقيقي سيأتي حين يتراجع الطلب بشكلٍ كبير في الخريف. وإذا لم يتم تنفيذ اتّفاق خفض الإنتاج في هذا التوقيت مرّة أخرى، فقد تعود مخزونات النّفط للتضخّم. وفي هذه المرحلة، لن تكون هناك فرصة لإبرام صفقة سريعة لإنقاذ الوضع، وبطبيعة الحال، ستنخفض الأسعار بمجرّد الإعلان عن عدم تمديد الاتّفاق.

وفي الوقت الذي تتطلّع فيه المملكة إلى عام 2018، فإنّ أولوياتها قد تسعى إلى التراجع في مخزونات النّفط، وإعاقة إمكانية عودة أسعار النّفط إلى أقل من 40 دولار. وتدرك السّعودية، بشكلٍ عام، أنّه لا إمكانية لانتعاش سريع في أسعار النّفط. وقد أدّت تحسينات الكفاءة لتقليل تكلفة إنتاج النفط الصخري إلى أقل من 60 و50 دولار في معظم الحقول الأمريكية، إن لم يكن أقل. ويجعل هذا احتمالات ارتفاع السّعر غير مقبولة على المدى القصير والمتوسّط. ومعنى أنّ السّعودية لم تعد قادرة على الاعتماد على العائدات المرتفعة للنفط، أنّ رؤيتها الحيوية «رؤية 2030» وبرنامج التحول الوطني، ومدّته 5 سنوات، تبقى الدافع الرئيسي للسياسات الداخلية للمملكة. وستعتمد جهودها الإصلاحية على العائد من الطرح العام لشركة أرامكو السّعودية، والمخطّط له ليكون في عام 2018. وستستخدم المملكة عائدات عملية البيع في المساعدة في تمويل العديد من الإصلاحات الاقتصادية والتنمية المالية للقطاع غير النفطي.

خفض الإنتاج وصفقة أرامكو

ولأنّ صفقة أرامكو هامّة للغاية لمستقبل حزمة الإصلاح الاقتصادي، قد لا تهتم السّعودية كثيرًا للالتزام الضّعيف تجاه الاتّفاق من الدول غير الأعضاء في أوبك مثل روسيا، ولن تدفع إيران بقوة، والتي تمّ إعفاؤها من الخفض الحالي، للحدّ من إنتاجها في حالة انضمامها للاتّفاق. ويعزّز جهودها تعبير بعض دول مجلس التعاون الخليجي، مثل الكويت، عن الحاجة لتمديد الاتّفاق. وكذلك وجود دول تصرّ على التمديد في المنظّمة مثل فنزويلا.

ويظلّ القلق الأكبر لدى السّعودية بهذا الصدد هو امتثال روسيا. وقد وافقت البلاد على خفض الإنتاج بمرور الوقت لتصل إلى 300 ألف برميل يوميًا. كثاني أكبر رقم في الأطراف الموقعة على الاتفاقية، وعلى الرغم من أنّها لم تقترب حتّى الآن من هذا الرقم، فهي لم تصل للموعد المحدد بعد للوصول إلى هذه النسبة. ويبقى أن نقول أنّ روسنفت قد تحمّلت وحدها حصّة الأسد في الخفض الروسي بواقع 83 ألف برميل يوميًا، وهو ما يمثل نحو ثلثي الخفض الروسي.

وقد ضغطت روسنفت كثيرًا على روسيا من أجل عدم الانضمام في أيّ اتفاقات شبيهة، وفي وقتٍ سابق من هذا الشهر، أبدت قلقها من تمديد الاتّفاقية، لأنّ باقي منتجي النّفط في البلاد لم يوفوا بوعودهم. وفي حال رفض روسنفت المشاركة، قد تنهار حصّة الخفض في روسيا بشكلٍ كامل. وإذا تراجعت المشاركة الروسية، ستكون ضربة قوية للرياض، والتي تتنافس مع روسيا على حصص من السّوق في أماكن مثل الصّين.

ومع ذلك، من الواضح ما هي النتيجة المثلى للسّعودية. وكان «خالد الفالح» وزير الطاقة السعودي قد قطع كل أعماله خلال الشهرين الماضيين لتفريغ كل جهوده في السّعي لتمديد اتّفاق خفض الإنتاج في مواجهة كل ما يقف أمام ذلك من تعقيدات.

ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-