اقتصاد » مياه وطاقة

عام واحد على «رؤية السعودية 2030»

في 2017/04/26

في 25 نيسان/أبريل 2016، أعلنت المملكة العربية السعودية عن «الرؤية 2030»، وهي خطة اقتصادية طموحة تهدف إلى ترسيخ مكانة المملكة باعتبارها "العمق العربي والإسلامي... قوة استثمارية رائدة ... والمحور الذي يربط القارات الثلاث". وقد كان بيان الرؤية المرافق مستسهب البلاغة ومقتضب التفاصيل، الأمر الذي يجعل من الصعب الحكم على التقدم المحرز بعد عام واحد على إعلانها. بيد، استحوذت أهدافها الكبرى على خيال كبار رجال الأعمال في العالم الذين يسعون إلى عقد الصفقات والحصول على استثمارات، ولا سيما الاكتتاب العام المقترح لجزء من أسهم شركة النفط السعودية "أرامكو" المملوكة للدولة، المتوقع في عام 2018. وتشير الأدلة المتناقلة أيضاً إلى أن البرنامج يلقى شعبية لدى الشباب السعودي، الذين يتشوقون إلى احتمال قيام مجتمع أكثر ليبرالية. ومع ذلك، ثمة العديد من العراقيل التي تلوح في الأفق، وهي: 

·         التراجع المستمر في أسعار النفط، الذي یقلل من من الإيرادات الضروریة لتنفیذ التغييرات المقترحة.

·         الاضطراب المالي والسياسي المكلف للحرب في اليمن، حيث فشلت حتى الآن الجهود المبذولة لإعادة الحكومة المعترف بها دولياً.

·         مقاومة المملكة للتغيير أساساً، والتي تجسدها النزعة المحافظة الشديدة للعلماء، الذين يمثلون القيادة الدينية التي لا تزال قوة سياسية كبيرة.

·         عدم اليقين حول ما إذا كان ولي العهد الحالي سيصبح ملكاً بالفعل، وإذا ما كان سيؤيد هذا المشروع في حال تنصيبه.

رسائل متضاربة حول النفط؟

تمتلك السعودية أكبر احتياطي نفط سهل الاستخراج في العالم. ولكن المهندس الذي يقف وراء «الرؤية 2030» - أي ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، البالغ من العمر 31 عاماً والذي يُعتبر على نطاق واسع الإبن المفضل للملك ووريث حقيقي واضح - استهل الخطة بملاحظة نافية حول الاعتماد على تلك الاحتياطيات، حيث كتب قائلاً "نحن لا نعتمد فقط على النفط لتلبية احتياجاتنا من الطاقة"، مضيفاً: "نحن مصممون على تنويع قدرات اقتصادنا... وعلى هذا النحو، سوف نقوم بتحويل «أرامكو» السعودية من شركة لإنتاج النفط إلى تكتل صناعي عالمي".

وبالفعل تتمثل الخطوة الرئيسية في «الرؤية 2030» بالإفراج عن الأموال عبر اكتتاب جزئي لشركة "أرامكو"، الأمر الذي يثير تناقضاً أساسياً. إذ يُطلب من المستثمرين الأجانب استثمار أموالهم في قطاع النفط والغاز السعودي، بينما تبدو المملكة متلهفة للابتعاد عن النفط. ويبرز هذا التضارب بشكل خاص في الوقت الذي كانت فيه صفحات الصحف الرائدة ممتلئة بعناوين مثل "أسعار النفط تهبط ما دون الخمسين دولار والثقة في أوبك تتزعزع".

لقد طرحت الرياض قيمة الاكتتاب بترليونَيْ [2 تريليون] دولار، مما ترك جحافل من المصرفيين والمحامين الاستثماريين يتطلعون بلهفة إلى العدد الكبير من العقود المرتقبة. وقد دفع هذا الإعلان رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إلى زيارة المملكة في وقت سابق من هذا الشهر في محاولة لكسب جزء من الأعمال لصالح بورصة لندن. غير أن صحيفة "فاينانشال تايمز" وصفت مؤخراً مبلغ الترليونيْ دولار على أنه رقم "يصعب تصديقه"، لافتة إلى أن "أرامكو" لا تفصح إلا عن القليل جداً من التفاصيل المالية، وموضحة كيف أن التحليل الخاص الذي أجرته الصحيفة "يشير إلى تقييم يصل تقريباً إلى نصف هذا المبلغ". وكذلك نشر قسم الأعمال الذي يحظى بتقدير جيد في صحيفة "سنداي تايمز" اللندنية عنواناً مشابهاً ينمّ عن عدم تصديق الخبر: "ترليونا دولار مقابل النفط السعودي؟ لا محال".

إن الحاجة إلى طرح الأسهم للاكتتاب العام تعود جزئياً إلى ركود أسعار النفط (التي هي في حد ذاتها نتيجة نمو الإنتاج الصخري الأمريكي وغيره من العوامل). فقد بلغ العجز في ميزانية المملكة عام 2016 حدّاً هائلاً وصل إلى 75 مليار دولار، أي أكثر بنسبة 10 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي. وجاء هذا العجز بعد فترة خمس سنوات تجاوزت فيها الحكومة نفقاتها المدرجة في الميزانية بمقدار الربع تقريباً. وفي أيلول/سبتمبر الماضي، قلّصت الحكومة الإعانات عن مجموعة من السلع والخدمات (مثل الغاز والكهرباء)، بينما خفضت كذلك رواتب القطاع العام، الأمر الذي يُحتمل أن يقوّض العقد الاجتماعي مع المواطنين السعوديين. ولكنها عادت وأعلنت في 22 نيسان/أبريل الحالي أنها ستعيد اعتماد منافع موظفي القطاع العام وستمنح راتب شهرين إضافيين للقوات المتمركزة على الحدود مع اليمن.

اليمن تؤثر على الوضع

فضلاً عن توجيه دفة «الرؤية 2030»، يعمل الأمير محمد بن سلمان على قيادة الحرب المضطربة في الدولة المجاورة بصفته وزيراً للدفاع. فبعد أن شكلت السعودية منذ سنتين تحالفاً عربياً لمحاربة المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران وحلفائهم بهدف إعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى منصبه في صنعاء، وصلت الحملة العسكرية إلى طريق مسدود، مع سيطرة المتمردين على المنطقة الشمالية الغربية حيث يتواجد الجزء الأكبر من سكان البلاد. ومن شأن التقدم المحتمل نحو ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون أن يغيّر حظوظ التحالف، ولكنه ينطوي أيضاً على مخاطر أزمة إنسانية إذا ما تعطلت إمدادات الغذاء عبر الميناء. ويواجه الجيش السعودي بالفعل اتهامات بتنفيذ هجمات على أهداف مدنية، مما دفع واشنطن إلى قطع إمدادات بعض الذخائر. وفي الوقت نفسه، تكلّف الحرب عشرات الملايين من الدولارات يومياً، علماً بأن الخسائر البشرية التي تتكبدها المملكة والتي يقل الإبلاغ عنها تشمل 12 جندياً قُتلوا الأسبوع الماضي عندما أُسقطت مروحيتهم بنيران صديقة نُسبت إلى القوات الإماراتية الحليفة.

احتمال رد فعل من قبل المحافظين

في حين أن محاولات الإصلاح السابقة في المملكة العربية السعودية قد وُضعت بحذر ضمن إطار العودة إلى القيم الإسلامية، تأتي «الرؤية 2030» لتكسر هذا القالب. وعلى الرغم من الإبقاء على بعض التدابير المتشددة، بما فيها الحظر المشهور على قيادة النساء للسيارات، إلا أن الحكومة خففت القيود الأخرى خلال العام الماضي (على سبيل المثال، عن طريق السماح للجماهير المختلطة [بحضور] العروض الموسيقية والمسرحية). وفي خبر نشرته صحيفة "واشنطن بوست" في 20 نيسان/أبريل، أعلن رئيس هيئة الترفيه الجديدة في السعودية قائلاً "نريد تغيير الثقافة"، مشيراً إلى أن الهدف الأكبر من البرنامج هو "نشر السعادة". وبالمثل، تحتاج الحكومة إلى تعزيز الكفاءة الاقتصادية من خلال السماح للرجال والنساء بالاختلاط في مكان العمل أيضاً.

ووفقاً للخبر نفسه في الـ "واشنطن بوست" عن "استطلاع للرأي أجري مؤخراً في السعودية وأظهر أن 85 في المائة من السكان، إذا ما اضطروا للاختيار، سيدعمون الحكومة بدلاً من السلطات الدينية بشأن مسائل السياسات العامة". وعلى الرغم من أن التنبيه إلى حالة "الاضطرار" هذه ينم عن بعض التردد، إلا أن الطبيعة العامة للرد لها دلالاتها. وحتى الآن، كانت انتقادات العلماء للتغييرات الأخيرة خفيفة اللجهة، انطلاقاً على ما يبدو من الرغبة في تفادي أي تحدٍ لسلطة الأمير محمد بن سلمان لأنه يمكن أن ينظر إليها على أنها إهانة للملك. ولكن المنتزه الترفيهي الذي تنوي الحكومة إنشاءه على طراز "لاس فيغاس" (دون المشروبات والمقامرة) قد يتخطى الحدود بالنسبة إليهم فيعجزون عن تجاهله، لا سيما إذا كان مصحوباً بتهم رأسمالية المحسوبية في منح العقود.

علامة السؤال المتعلقة بالخلافة

يُنظر إلى «الرؤية 2030» على أنها آلية  لتحقيق الطموح الشخصي للأمير محمد بن سلمان، الذي يبدو أن احتمال وصوله إلى العرش قد أصبح مرجحاً على نحو متزايد. ومع ذلك فإن الوسائل التي سيستخدمها تحديداً لتخطي ولي العهد الحالي - ابن عمه الأكبر سناً، الأمير محمد بن نايف، وزير الداخلية في المملكة والمحاور الرئيسي مع واشنطن حول مكافحة الإرهاب - تحيّر المتابعين لشؤون الخلافة السعودية. ووفقاً لقواعد النظام الراهن، من المفترض أن يصبح الأمير محمد بن نايف ملكاً عند وفاة الملك سلمان، ولا يعرف إذا ما كان سيعمد حينذاك إلى تنصيب الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد. ولكن في الوقت الراهن، هناك قسم كبير من أعضاء العائلة المالكة الذي يشعر بالاستياء من عدم مبالاة الأمير الأصغر سناً تجاه تقليد احترام الأقدمية. ومن الممكن أن تحفزهم رغبتهم في التوصل إلى توافق ظاهري على الأقل، على دعم وصول الأمير محمد بن نايف عندما يأتي وقت الخلافة. وإذا حدث ذلك، من الممكن أن يؤدي إلى حدوث مشاكل لـ «الرؤية 2030» - إذ يبدو موقف الأمير محمد بن نايف إزاء الخطة فاتراً وربما يغيرها بشكل كبير إذا أصبح ملكاً.

أما فيما يتعلق بالعلاقة المتعسرة بين الأميرين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان التي ذكرتها بعض التقارير، فقد أشارت مقالة الـ "واشنطن بوست" من الأسبوع الماضي إلى أن هناك توتر سياسي أقل ظهوراً بين الرجلين مقارنة بالعام الماضي، ولكن "يبدو أن الأمير محمد بن سلمان محكماً السيطرة على الاستراتيجية العسكرية السعودية، والسياسة الخارجية، والتخطيط الاقتصادي". وقد تم التأكيد على ما يبدو على هذه النقطة الأخيرة يوم السبت عندما أعلنت الرياض عن تعيينات جديدة في الحكومة تسهم في توسيع قاعدة نفوذ الأمير الأصغر سناً على حساب الأمير محمد بن نايف. وكان العنوان الأكبر يخص الأمير خالد بن سلمان، وهو شقيق الأمير محمد بن سلمان الذي يبلغ من العمر ثمانية وعشرين عاماً، إذ تم تعيينه سفير المملكة في واشنطن. فضلاً عن ذلك، يبدو أن أيام الأمير محمد بن نايف كرئيس لـ "مجلس الشؤون السياسية والأمنية" - الذي يفترض أن يكون الهيئة الرئيسية المسؤولة عن اتخاذ القرارات في مجال الدفاع والسياسة الخارجية في المملكة - أصبحت معدودة. ومن شأن أي تهميش من هذا القبيل أن يزيد من عداء أولئك من أفراد العائلة المالكة الذين يشعرون بالفعل بالقلق مما فعله الأمير محمد بن سلمان حتى الآن.

سد فجوات السياسة الأمريكية

خلال اللقاء الذي جمع الشهر الماضي بين الأمير محمد بن سلمان والرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض، أعطى الأمير لمحة موجزة عن التقدم الذي أحرزته «الرؤية 2030» والذي ألقى الضوء على الكيفية التي يمكن بموجبها أن يستحدث التعاون الاقتصادي الموسع ما يصل إلى مليون فرصة عمل للأمريكيين خلال السنوات الأربع المقبلة. وبدا أن هذه الفكرة استحوذت على مخيلة الرئيس الأمريكي، وقد تكون عاملاً حاسماً يدفعه إلى اتخاذ القرار حول ما إذا كان سيزور السعودية خلال جولته الخارجية المرتقبة الشهر المقبل. وعلى الرغم من أهمية تحسن العلاقات الثنائية وتشجيع مقترحات «رؤية السعودية 2030» الأكثر واعدة، إلا أنه لا يزال على واشنطن حل بعض الخلافات بشأن السياسات مع الرياض، وخاصة حول النفط واليمن. كما سيكون من الحكمة أن تمتنع الإدارة الأمريكية عن التحيز لأحد الأطراف إذا اشتدت التوترات داخل العائلة المالكة. ينبغي أن يقتصر دور الولايات المتحدة على تقديم الدعم العلني لـ «الرؤية 2030» في الوقت الذي تعمل فيه بهدوء على توجيه المملكة بعيداً عن الأهداف المفرطة الطموح التي يمكن أن تقوض إمكانيات الخطة.

سايمون هندرسون- معهد واشنطن-