فهد عامر الأحمدي- الرياض السعودية-
لا أعتقد أننا ندرك جيداً تأثير (القفزات العلمية والتقنية) على حياة الشعوب.. لاحظ مثلاً كيف اختفت الصناعات التقليدية البسيطة بعد اكتشاف البلاستيك والبيتروكيميائيات والألياف الزجاجية.. ظهور البلاستيك مثلا دمّر صناعات الصلصال والفخـار وحاويات الصفيح في أفريقيا.. وظهور الألياف الزجاجية دمّر صناعة القوارب الخشبية في قرى الصيد الفقيرة.. واكتشاف المطاط الصناعي دمّر صناعات المطاط الطبيعي في تايلند وماليزيا وأميركا الجنوبية.. ونجاح اليابانيين في تربية المحار دمّر صناعة اللؤلؤ الطبيعي في دول الخليج العربي.. وانتهى عصر الاستعمار برمته لأن أوروبا ــ مع احترامي لنضال الشعوب المقهورة ــ ابتكرت بدائل للقطن والقصدير والزيت والكاكاو والمواد الخام التي كانت تسرقها من الشعوب المستضعفة...
في كل سنة جديدة تحقق الدول المتقدمة قفزات علمية وصناعية تترك تأثيرات سلبية على المجتمعات المتخلفة (رغم انسحابها منها)..
وفي المستقبل القريب سيستغني العالم عن النفط أيضاً كما استغنى عن البخار والفحم.. فـالطاقة المتجددة بدأت تحل مكان النفط والغاز والفحم.. ودول مثل ألمانيا والدنمرك والسويد أصبحت تولد جـل طاقتها الكهربائية من الرياح والخلايا الشمسية (رغم ضعف الشمس في أوروبا).. ودول مثل فرنسا واليابان وكوريا الجنوبية تعتمد الآن على الطاقة النووية لتزويد منازلها وطرقاتها بالكهرباء.. وتطور تقنيات النفط الصخري (لم يهوِ فقط بأسعار البترول) بل نقل أميركا وكندا من خانة الدول المستوردة إلى خانة الدول المصدرة...
أما الكارثة الجديدة فهي الانتشار السريع للسيارات الكهربائية في معظم الدول.. أصبحت شركة تسلا الأميركية (لصناعة السيارات الكهربائية) الأكثر نمواً في قطاع السيارات.. تحاول جميع الشركات التقليدية (مثل تويوتا وهونداي ومرسيدس وفورد) اللحاق بها خشية توقفها عن العمل حين يتوقف العالم عن استهلاك النفط.. في كل سنة أسافر فيها للخارج ألاحظ ارتفاعاً مطرداً في أعداد السيارات الكهربائية والهايبر (التي تجمع بين النفط والكهرباء).. شاهدت في النرويج حياً كاملاً تصطف فيه سيارات كهربائية تشحن نفسها خلال الليل.. سيارات مألوفة ــ ومن شركات معروفة ــ وفي بلد يعد من أكبر الدول المنتجة للنفط.. لاحظت في البرازيل أن محطات الوقود تملك رائحة غـريبة (تختلف عن رائحة البنزين التي تفوح من محطاتنا) حتى علمت أنه نفط عضوي مستخرج من زيت الذرة تسير عليه 95% من السيارات هناك...
.. من السذاجة فعلاً أن نطمئن لوجود النفط (حتى لو امتلكنا منه مخزونا ًلألف عام) لأن الخطر سيأتي من جهة غير متوقعة.. سيأتي من خلال "قـفزة تقـنية" قد تكون محركاً جـديـداً، أو بطارية خارقة، أو اكتشاف غير مسبوق، أو طاقة بديلة أرخص من النفط..
وقفزة كهذه ستكون بلا شك نعمة للدول المستوردة ولكنها بالنسبة لنا "قـفـزة تعيدنا للخلف".. فنحن ببساطة شعوب غـير مُصنعة ولا منتجة يشكل استغناء العالم عن النفط كارثة حقيقية بالنسبة لـنا.. واحتمال كهذا لا يستدعي منا فقط تنويع مصادر الدخل (وهي الأسطوانة التي نسمعها من ربع قرن) بـل وضرورة تحولنا بسرعة إلى مجتمع صناعي حقيقي يملك منتجات قابلة للتصدير...
... يقول المفكر السعودي إبراهيم البليهي:
"لولا العـنف والنفط مـا سمع العالم بالعرب"...
وأقول أنا: وحين يذهب النفط سيغلق العالم أبوابه لـيمنحنا حـرية العـنف والتراجع...