اقتصاد » مياه وطاقة

الكويت : نحو حلول ناجعة لإصلاح اقتصاد النفط

في 2018/10/29

عامر ذياب التميمي- البيت الخليجي-

في أواسط أربعينات القرن الماضي كانت الكويت بلداً فقيراً محدود السكان، تأثرت اقتصادها بتبعات الحرب العالمية الثانية وانعكاساتها على التجارة الدولية. وقبل ذلك؛ تأثرت بالنتائج التي تحققت بعد تطوير اللؤلؤ الصناعي ومنافسته إلى اللؤلؤ الطبيعي الذي كان المصدر الأهم للدخل في البلاد.

كان أمير البلاد المغفور له الشيخ أحمد الجابر قد وقع إتفاقية امتياز النفط لتحالف شركة البترول البريطانية BP وشركة الخليج للنفط Gulf Oil الأمريكية في أواسط ثلاثينات القرن الماضي حيث بدأت عمليات الاستكشاف والإنتاج في أواخر ذلك العقد، لكن نشوب الحرب العالمية الثانية عطل عملية الإنتاج. ذلك التحالف النفطي أسس شركة نفط الكويت KOC والتي استأنفت الإنتاج وتصدير شحنات النفط. وكانت أول شحنة نفط قد تم تصديرها في يونيو/حزيران عام 1946.

السلطة السياسية في البلاد قررت أن توظف الأموال التي حصلت عليها من شركة نفط الكويت – حيث تقاضت ضرائب على الدخل تحددت في القانون رقم 15 لسنة 1955 بنسبة 55 في المئة من الدخل الصافي – من أجل الارتقاء بنوعية الحياة وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين، وقررت الإنفاق على الرعاية الصحية والتعليم وبناء الطرق والبنية التحتية والكهرباء وغيرها من خدمات ارتكازية.

دفعت تلك السياسات الإقتصادية إلى فتح البلاد أمام تدفق الوافدين لمواجهة متطلبات الوظائف الجديدة مثل المعلمين والأطباء والمهندسين ومساعديهم وبالإضافة إلى عمال الإنشاءات والخدمات الأخرى. أدى ذلك التطور في الأعمال والخدمات إلى قيام القطاع الخاص بتعزيز النشاط التجاري وبناء العمارات والمساكن. وساهمت الدولة في توفير السيولة النقدية عندما قررت تثمين العقارات والمساكن التي كان يملكها المواطنون داخل المدينة، ووفرت الأموال التي أنفقت على المشاريع في تحسين القدرات المالية لدى رجال الأعمال الذين أنفقوا تلك الأموال في توسيع مختلف الأنشطة، وبدأوا في تأسيس شركات خدمية مثل الخطوط الجوية الكويتية وشركة الصناعات الوطنية وشركات في قطاع النفط مثل البترول الوطنية وشركة الصناعات البتروكيماوية وشركة النقل العام وغيرها.

عددٌ من تلك الشركات تم تأسيسها بموجب صيغة القطاع المشترك، أي الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص. كانت تلك الصيغة مثالية للعمل الاقتصادي في بلد مثل الكويت حيث كانت الدولة تملك الأموال ويتوفر لدى القطاع الخاص الخبرة والإدارة المناسبة وقياس المخاطر الإقتصادية والحرص على الأموال. لا شك أن تلك الأنشطة عززت الاعتماد على العمالة الوافدة حيث لم يكن هناك عدد كافٍ من المواطنين القادرين على تشغيل هذه الأنشطة بالكفاءة اللازمة.

تدفق الوافدين إلى الكويت مثل تطوراً ديموغرافياً أساسياً في عصر النفط. نُظم في العام 1957 أول تعداد سكاني رسمي في البلاد وقد بين ذلك التعداد بأن عدد سكان البلاد قد بلغ 206 آلاف نسمة بينهم ما يقارب 114 ألف مواطن كويتي أي بنسبة 55 في المئة. وكما سبق ذكره فقد عمل الوافدون في الدوائر الحكومية والمدارس والمراكز الطبية بالإضافة إلى دوائر الكهرباء والمياه والأشغال والإعلام والشؤون الإجتماعية بالإضافة للعمل في أعمال شركة نفط الكويت ومؤسسات وشركات القطاع الخاص. وأسس العديد من الوافدين أعمالًا خاصة صغيرة ومتوسطة في مختلف القطاعات، وبرز بين هؤلاء من صغار رجال الأعمال السوريون واللبنانيون والفلسطينيون والهنود. أيضاً، كانت هناك شراكات حقيقية يتحمل الأطراف مخاطرها ويستفيد من نتاجها وأحيانا تكون صورية بحيث يكون الشريك الكويتي كفيلاً يتقاضى أتعاباً شهرية أو سنوية دون بذل جهد يذكر أو توظيف أموال؛ لكنه شريك مطلوب بموجب القانون.

لا شك أن التطورات الإقتصادية في المراحل الأولية لعصر النفط بدت معقولة ومواتية، لكن ما حدث بعد منتصف السبعينات عندما حدثت الصدمة النفطية الأولى في عام 1973 و ارتفاع إيرادات الدولة من النفط قد مثل نقلة غير إعتيادية في الحياة الاقتصادية.

أدى ارتفاع أسعار النفط إلى تحقيق فوائض مالية هامة في دخل الدولة ما حفز على استملاك حقوق شركتي BP و Gulf Oil في شركة نفط الكويت بالإضافة إلى استملاك حقوق القطاع الخاص في الشركات النفطية الأخرى مثل البترول الوطنية وناقلات النفط والبتروكيماويات. وهكذا، أصبح القطاع النفطي مملوكاً بكافة مؤسساته للدولة. ولم يتوقف الأمر عن ذلك بل قامت الدولة باستملاك حقوق القطاع الخاص في شركات القطاع المشترك ومنها الصناعات الوطنية والنقل العام، وسبق أن تملكت الدولة حقوق القطاع الخاص في الخطوط الجوية الكويتية. ولذلك فقد أصبح للدولة الدور المهيمن على الحياة الاقتصادية بالإضافة لكونها مسؤولة عن توظيف أكثر من 90 في المئة من العمالة الوطنية في شركات القطاع العام والدوائر الحكومية. عزز هذه الوضعية الأزمات التي مر بها القطاع الخاص الكويتي مثل أزمات السوق المالي حين تدخلت الدولة وقامت بشراء الأسهم أو تعويم المساهمين والملاك في شركات مدرجة في البورصة، والقيام بشراء ديون المقترضين بعد أزمة سوق المناخ في عام 1982. يضاف إلى ذلك أن نتائج الإحتلال العراقي للكويت عام 1990 زادت من توسع دور الدولة في الحياة الاقتصادية رغم المطالبات التي جاءت بعد التحرير بدعم دور القطاع الخاص.

ساهمت ارتفاعات أسعار النفط في عدد من سنوات تسعينات القرن الماضي وخلال العقد الأول من هذا القرن في تمكين الدولة من تعزيز دور الاقتصاد الريعي وتحسين مستويات الرواتب والأجور للمواطنين، وفي زيادة مخصصات الدعم بمختلف صنوفه. وأدت هذه الإيرادات إلى استرخاء السلطة السياسية وتباطؤ عمليات الإصلاح الاقتصادي رغم صدور قوانين لدعم الإستثمار الأجنبي، وإنجاز عمليات التخصيص للعديد من الأنشطة المملوكة من قبل الدولة.

عندما بدأت أسعار النفط في التراجع وتحقيق الميزانية العامة للدولة إعتباراً من عام 2014 عجزاً حقيقياً، واجهت محاولات الحكومة الإصلاحية معارضات سياسية هامة من أعضاء مجلس الأمة (البرلمان الكويتي) والذين يتسمون بالشعبوية والرغبة بإرضاء الأوساط الشعبية دون اهتمام يذكر بالإصلاح أو صياغة سياسات تنموية مستدامة. ويذكر المراقبون بأن الكويت تمكنت على مدى العقود الماضية من توظيف أموال لصالح صندوقها السيادي في العديد من أدوات الاستثمار الأجنبية قد تصل إلى 600 مليار دولار بما يمكن من تحقيق إيرادات قد تعوض عن النقص في إيرادات النفط، لكن ذلك لن يمكن من الإرتقاء بالحياة الإقتصادية وتأكيد قدرات تنموية مستدامة.

إن من أهم التحديات التي تواجه الكويت في المستقبل تلك المتعلقة بتطوير إقتصاديات الطاقة والتمكن من توفير بدائل قد تغني عن الوقود الأحفوري، وفي ذات الوقت هناك تحديات النفط الصخري الذي أصبح إنتاجه ممكناً حتى لو تراجعت أسعار النفط التقليدي إلى مستويات متدنية. يضاف إلى ذلك تحديات التنمية البشرية حيث لا يزال دور الكويتيين في سوق العمل متواضعاً، وهناك عجز في النظام التعليمي نظراً لعدم التمكن من توفير عمالة وطنية ماهرة في مختلف القطاعات الحيوية. إذاً يتعين البحث عن بدائل للسياسات الإقتصادية والمالية ورسم استراتيجيات فعالة وقابلة للتنفيذ، بما يمكن من تعويض هدر الإمكانيات خلال السنوات والعقود الماضية حيث لم توظف أموال النفط بطرق ناجعة من أجل صياغة بنيان لاقتصاد وطني وعصري، يعتمد على الإمكانات الوطنية ويحسن من عمليات التنمية البشرية بما يحول اقتصاد البلاد إلى اقتصاد يعتمد على العلم والمعرفة بدلاً من الاعتماد على مصادر الثروة الطبيعية.