متابعات-
يبدو أن مستقبل اتفاقية "أوبك+" المستمرة منذ عامين بشأن خفض إنتاج النفط لا يزال غامضا. وبدون الصفقة، كان من الممكن أن تنخفض أسعار النفط إلى أقل من 27 دولارا للبرميل وهو الحد الأدنى المسجل عام 2016. وبسبب الاتفاقية، اكتسبت ميزانية روسيا 120 مليار دولارا إضافية. ومع ذلك، يبقى مستقبل هذا التحالف غير مؤكد. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2018، أثارت تعليقات ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، بأن روسيا "ستختفي" كمورد للنفط في غضون 20 عاما، ردود فعل حادة من موسكو. وأعقب ذلك تنبؤ من البنك المركزي الروسي، في يناير/كانون الثاني، بأن الميزانية الفيدرالية للفترة بين عامي 2019 و2021 سوف تستند إلى سعر يبلغ 55 دولارا لبرميل النفط.
وبالتالي، نظرا إلى أنه من المتوقع أن تتجاوز أسعار النفط في عامي 2019 و2020 حاجز 60 دولارا للبرميل، اقترح "إيجور سيتشن"، الرئيس القوي لأكبر شركة نفط روسية، وهي "روسنفت"، مراجعة اتفاقات خفض الإنتاج في اجتماعات "أوبك+" المستقبلية، لاستعادة حصتها في السوق التي فقدتها لمصدري النفط في الولايات المتحدة. وقد تم تبني موقف مماثل في أوائل أبريل/نيسان من قبل "كيريل ديميترييف"، رئيس صندوق الثروة السيادية في روسيا، الذي كان مؤيدا في السابق لخفض الإنتاج، عندما أقر بأن خفض الإنتاج قد لا يكون مطلوبا في اجتماع "أوبك" المقبل في يونيو/حزيران.
ويبدو أن تلك السلسلة من الأحداث مجتمعة تشير إلى أن المملكة العربية السعودية تعتقد أن أهمية روسيا في أسواق النفط العالمية مؤقتة فقط. ومن جانبها، تشعر روسيا بالإحباط المتزايد من قيود الإنتاج التي تفرضها أوبك. وقد تأكدت هذه المشاعر في تحليل حديث يوضح أن السعودية تحملت نسبة غير متناسبة من تخفيضات الإنتاج في عام 2019، بينما لم تف روسيا إلا بنصف التزاماتها. وليس فقط نتيجة اجتماع "أوبك+" في يونيو/حزيران هو ما يبقى على المحك، ولكن القضايا الأوسع المتعلقة بمستقبل علاقات الطاقة الروسية الخليجية.
شراكة براغماتية
وتعد علاقات الطاقة الروسية الخليجية المعاصرة مهمة، لأن كلا الطرفين له مصلحة مشتركة في تسييل قيمة موارده من النفط والغاز، في عالم يفضل بشكل متزايد الطاقة منخفضة الكربون. وتحتاج روسيا ودول الخليج إلى إبقاء المستهلكين في جميع أنحاء العالم مزودين جيدا بالوقود الأحفوري ميسور التكلفة من أجل مد عمر الهيدروكربونات ومركزيتها في أنماط الحياة الحديثة. ويحافظ هذا بدوره على الرخاء والسلام الاجتماعي في روسيا ودول الخليج، ويضمن التنويع الاقتصادي، استعدادا لعصر ما بعد الهيدروكربونات.
وانطلاقا من هذه المصالح المشتركة، أبرمت روسيا ودول الخليج أيضا اتفاقيات طاقة ثنائية. وسهل شراء صندوق الثروة السيادية في أبوظبي لحصة تبلغ 44% في شركة "غازبروم نفت-فوستوك" الروسية، عام 2018، بالإضافة إلى بيع 19% من شركة "روسنفت" إلى قطر، تحرير أموال قد تستخدمها روسيا لتطوير حقول نفطية جديدة، في محاولة لتعويض الانخفاض طويل الأجل في إنتاجها من النفط. وبالنسبة لأبوظبي، توفر حقيقة أن بعض الحقول التي تملكها شركة "غازبروم نفت - فوستوك" تغذي خط أنابيب شرق سيبيريا الذي ينقل النفط إلى الصين فرصة استثمارية سليمة وطويلة الأجل خارج أسواق الشرق الأوسط والغرب التقليدية.
وفي حالة السعودية، أعربت المملكة عن رغبتها في الحصول على مفاعلات نووية روسية الصنع لمعالجة الاستهلاك المحلي المتزايد للكهرباء التي يتم إنتاجها حاليا عبر النفط. وسيسمح هذا للمملكة بالاحتفاظ بمكانتها البارزة كمصدر للنفط داخل أوبك وفي الأسواق العالمية. ويدرس السعوديون أيضا الحصول على حصة في مصنع الغاز الطبيعي المسال الروسي "أركتيك 2" الذي سيخدم أسواق آسيا المتعطشة للطاقة. ويعكس هذا رهانا ذكيا على أن محطات الطاقة التي تعمل بالغاز ستظل مصدر الطاقة الأساسي المفضل في المدى المنظور.
مستقبل الشراكة
ورغم هذا التعاون النشط في مجال الطاقة، يبقى الاقتراح المدعوم من السعودية والإمارات لإضفاء الطابع المؤسسي رسميا على اتفاق "أوبك+" أمرا صعبا للغاية. ومن المرجح أن تظل "أوبك+"، على حد تعبير وزير الطاقة الروسي "ألكسندر نوفاك"، بمثابة "آلية للتعاون يتم خلالها عقد ومناقشة واعتماد بعض المذكرات والقرارات المشتركة"، بدلا من أن تصبح منظمة رسمية. ويعكس هذا النهج المعروف باسم "العولمة الانتقائية"، حيث ترحب روسيا بالجوانب الانتقائية للعولمة الاقتصادية لزيادة الثروة الوطنية مع محاولة الحد من التأثيرات السياسية لهذا الاعتماد العالمي المتبادل. وفي عام 2007، أعلن الرئيس "فلاديمير بوتين" أن روسيا حظيت دائما بالامتياز "لتنفيذ سياسة خارجية مستقلة"، وأنها لن تغير هذا التقليد اليوم. ومن المحتمل أن يكون هذا البيان ذا صلة بالنظر في التحالف النفطي المقترح.
ومع ذلك، تبقى هناك تحديات لاستدامة التعاون في مجال الطاقة بين روسيا ودول الخليج. وفي المقام الأول يبقى أن الطرفين متنفسان طبيعيان فرضت عليهما الظروف التعاون. واعتبارا من عام 2016، حلت روسيا مكان السعودية كأكبر مورد للنفط في الصين، بفضل ترتيبات النفط مقابل القروض، وبناء خط أنابيب للنفط إلى الصين، حيث ذهبت أكثر من 40% من مبيعات نفط "روسنفت" في عام 2017 إلى الصين. ولاستعادة حصتها في السوق، تحاول المملكة الحصول على حصص في مصافي التكرير الصينية المملوكة ملكية خاصة، التي تشتري الخام الروسي عادة، لتأمين الطلب على النفط السعودي بدلا من ذلك. وهناك منافسة مماثلة على حصص في مصافي تكرير النفط في الهند.
علاوة على ذلك، تشعر روسيا بالقلق من أن تجارتها المربحة للغاز مع أوروبا قد تقوضها واردات أوروبا من الغاز الطبيعي المسال من قطر. وإذا نجحت أوروبا في الحصول على نصف صادرات الغاز الطبيعي المسال القطرية فقط، فسوف يتحقق استقلالها التام من الغاز عن روسيا". ومع ذلك، يبقى الغاز الطبيعي المسال أغلى بكثير من غاز خطوط الأنابيب. كما لا يمكن للغاز الطبيعي المسال أن يكون بديلا تماما عن غاز خطوط الأنابيب، لأن أوروبا تمتلك حاليا قدرة على معالجة الغاز المثال تكفي فقط لتغطية 40% فقط من الطلب على الغاز، وستكون تكلفة تعزيز هذه القدرة مرتفعة.
ثانيا، يقتصر التعاون بين الطرفين في مجال الطاقة على الهيدروكربونات، وبدرجة أقل الطاقة النووية، مع القليل من التآزر في مصادر الطاقة المتجددة. وكانت الشركات الروسية بطيئة في احتضان الطاقة المتجددة، على عكس نظيراتها في آسيا وأوروبا، التي شكلت مشاريع مشتركة مع كيانات خليجية لتطوير مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا. وبالنظر إلى أنه من المتوقع أن ينمو الطلب على النفط على المدى الطويل بنسبة 0.5% سنويا، مقابل 7.1% للطاقة المتجددة، تخسر روسيا ودول الخليج الكثير من الفرص بعدم التعاون في مجال الطاقة غير الهيدروكربونية.
ثالثا، لم يتم ترجمة التعاون في مجال الطاقة إلى مكاسب ملموسة وكبيرة ومتسقة في العلاقات الاقتصادية أو السياسية أو الاستراتيجية. وشكلت دول الخليج العربية 0.5% فقط من إجمالي تجارة روسيا عام 2018، ارتفاعا من 0.1% في عام 2012، لكن الرقم لا يزال أقل بكثير من تجارة روسيا مع مصر أو تركيا في عام 2018، والتي بلغت نسبتها 1.1% و3.8% على الترتيب.
بخلاف ذلك، تشير روسيا مرارا وتكرارا إلى أنها لن تتخلى عن معسكر إيران وسوريا، مما يثير غضب السعودية. ولا تزال موجة الصفقات التي تم إبرامها خلال زيارة الملك "سلمان بن عبد العزيز" التاريخية لروسيا، في أكتوبر/تشرين الأول 2017، مجرد حبر على الورق في الجزء الأكبر منها. وبالمقارنة بين السعودية وقطر، أشار أحد المراقبين إلى أن "السعوديين يواصلون الوعود لموسكو باستثمارات ضخمة في الاقتصاد الروسي، ولكنهم لم يفوا بهذه الوعود ... وبحلول عام 2017، بلغ حجم الاستثمارات السعودية في روسيا 600 مليون دولار، مقابل 2.5 مليار دولار من الاستثمارات القطرية". لكن الاستثناء هنا هو الشراكة الاستراتيجية بين روسيا والإمارات، التي يدعمها النمو القوي في التجارة غير النفطية والاستثمارات المباشرة ووجود 25 ألف مواطن روسي في الإمارات، والمشاريع المشتركة في تطوير الطائرات المقاتلة، والمواءمة في وجهات النظر حول سوريا وليبيا وقضايا الإرهاب.
ويعتبر التعاون في مجال الطاقة بين روسيا ودول الخليج مهما لاستقرار سوق الطاقة. وكان اتفاق "أوبك+" بالتأكيد أكثر دواما ونجاحا من المحاولات السابقة لتنسيق مستويات إنتاج النفط. لكن على الرغم من أن التعاون في مجال الطاقة سيظل على الأرجح براغماتيا ويحركه الواقع التجاري أكثر من الحسابات الاستراتيجية، فقد توقفت دول الخليج على الأقل عن تصور روسيا كعدو، وهو ما كان عليه الحال خلال القرن الماضي؛ حيث يتم اعتبارها اليوم شريكا دوليا موثوقا به، لكنه منافس كبير أيضا.