القدس العربي-
لعل أرباح ولي العهد الوحيدة كانت في مجال «الترفيه» عن نفسه وعن بطانته!
رغم كل قمع ولي العهد الممارس على أي منتقد لسياساته فهو لم يربح أي معركة حقيقية في الاقتصاد والسياسة ولا حتى الرياضة
هل يعقل أن يكون هامش الخطأ في موضوع بهذه الأهمّية الخطيرة لاقتصاد وسياسة البلاد 100%.
سلطة وليّ العهد الحسّاسة لأي انتقاد لسياساتها اعتبرت مناقشة الخبراء الاقتصاديين لهذا الأمر «خطا أحمر».
ضغوط تمارس على كبار رجال الأعمال والمستثمرين لضخ أموال لدعم قرار بيع أسهم أرامكو تزيد تعقيد المشهد.
السياسات الاستبدادية لا تنجح في الاقتصاد والمال وهي كفيلة بتحويل أرباح المستثمرين إلى خسائر وهروب رأس المال السعودي والأجنبي.
أحاطت التأجيلات الكثيرة لإعلان طرح شركة أرامكو السعودية للاكتتاب العام بالتساؤلات، فرغم الدعاية الهائلة التي رافقت هذه الخطوة، منذ أن أعلن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عنها في نيسان/إبريل 2016، فإن الكثير من الانتقادات وجّهت إليها، كما ساد الشك في الأرقام الكبيرة والمتناقضة بشكل فظيع، فمما يثير حيرة المراقبين والمستثمرين المحليين والأجانب، أن تقديرات الرياض لقيمة الشركة التي توصف بأنها «الأكثر ربحية في العالم»، تنوس بين رقمي تريليون وتريليوني دولار، فهل يعقل أن يكون هامش الخطأ في موضوع بهذه الأهمّية الخطيرة لاقتصاد وسياسة البلاد هو 100%.
الأسوأ من ذلك أن سلطة وليّ العهد الحسّاسة لأي انتقاد لسياساتها اعتبرت مناقشة الخبراء الاقتصاديين لهذا الأمر «خطا أحمر»، فاعتقلت رجل الأعمال السعودي عصام الزامل في أيلول/سبتمبر 2017، بعد أشهر من نشره تحليلات تنتقد بعض السياسات الاقتصادية الحكومية على مواقع التواصل الاجتماعي.
لكن «الشعرة التي قصمت ظهر البعير»، على ما يبدو، كانت قوله في تغريدة إن «من المستحيل أن يصل سعر أرامكو إلى 2 أو 3 تريليونات دولار» من دون ضم «الحق في النفط الذي لا يزال تحت الأرض»، وقد حصل مثل ذلك لرجل أعمال آخر هو جميل فارسي الذي ناشد بعدم بيع أرامكو في طرح عام.
يقدّم النفط ثلثي إيرادات المملكة، وهذا يشرح الخطورة الكبرى لأرامكو، الشركة المعنيّة بهذا المورد الماليّ الأكبر للسعودية، كما يفسّر ارتباط عملية البيع وحالات التأجيل الكثيرة بالأحداث الدائرة داخل المملكة وكذلك في اليمن والخليج العربي.
ويتأثر أيضاً بالهزّات الكبيرة التي تعرضت لها السعودية، كما حصل بعد انكشاف الدور الرسمي في اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، وفي تعرّض مواقع الشركة في أبقيق وخريص لهجمات خطيرة في أيلول/سبتمبر الماضي، وكذلك تعرض ناقلات نفط إلى عمليات اعتداء.
أحد أسباب التأجيل كان أيضاً القلق الرسمي بعد صدور تشريعات أمريكية تسمح للمواطنين الأمريكيين بمقاضاة الحكومة السعودية بخصوص ضحايا اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر عام 2001 الإرهابية، مما يمكن أن يؤدي لمصادرة مليارات الدولارات السعودية في البنوك الأمريكية.
بسبب ما تعتبره المصارف وشركات الاستثمار العالمية مبالغة في السعر العامّ المطروح لأرامكو فقد قامت بضغوط على الرياض لخفض الرقم، كما أن الخطط الموضوعة سابقا لطرح 5% من قيمة أرامكو تقلصت إلى حدود 1 أو 2%.
وتزيد الأنباء الواردة من المملكة عن ضغوط تمارس على كبار رجال الأعمال والمستثمرين لضخ أموال لدعم قرار بيع أسهم أرامكو في تعقيد المشهد، بما يؤكد أن السياسات الاستبدادية لا تنجح في عالم الاقتصاد والمال.
وهي كفيلة ليس بتحويل أرباح المستثمرين إلى خسائر، وجعل رأس المال السعودي والأجنبي يهرب من المملكة، بل إنها كفيلة أيضاً بتحويل أرامكو من «أكبر شركة رابحة في العالم» إلى حصان خاسر.
حتى الآن، ورغم كل القمع الممارس على أي منتقد لسياساته، فإن وليّ العهد السعودي لم يربح أي معركة حقيقية، لا في الاقتصاد ولا السياسة… ولا حتى في الرياضة، ولعل أرباحه الوحيدة حتى الآن كانت في مجال «الترفيه» عن نفسه وعن بطانته!