كات دوريان - معهد دول الخليج العربي في واشنطن-
اتفق تحالف "أوبك بلس" في 5 و6 ديسمبر/كانون الأول الحالي على خفض الإنتاج بشكل أكبر، بحيث يتقلص المعروض بمقدار 500 ألف برميل يوميا، ليصل إلى إجمالي التخفيض 1.7 مليون برميل يوميا بدءا من يناير/كانون الثاني 2020. وارتفعت أسعار النفط العالمية فوق مستوى 65 دولارا للبرميل بفعل تداعيات القرار. ومع ذلك، يرتبط ارتفاع أسعار النفط بالمرحلة الأولى من الصفقة التجارية بين الولايات المتحدة والصين أكثر من قرار أوبك وحلفائها.
ومع ذلك فقد تمكنت أوبك من الحصول على التزام من أعضائها الـ 14 بتحسين الامتثال لحصص التخفيض، في محاولة لاستنزاف الزيادة في المعروض في السوق ورفع الأسعار إلى مستويات تعتبر أكثر راحة لأوبك وقيادتها وشريكها الروسي.
ولم يكن الاجتماع الوزاري، الذي انعقد يوم 5 ديسمبر/كانون الأول في مقر أوبك في فيينا، بهذه السلاسة. فقد قاد وزير النفط السعودي الجديد "عبدالعزيز بن سلمان"، مفاوضات صعبة لتأمين الاتفاق، الذي تم التوصل إليه بعد عدة ساعات من انتهاء المؤتمر.
وبحسب ما ورد، كان وزير النفط العراقي "ثامر الغضبان" مترددا في الالتزام بالاتفاق، بسبب استقالة الحكومة العراقية وعمله كممثل لحكومة تصريف الأعمال. وبحسب ما ورد أيضا، كان العراق ونيجيريا العضوين الأبعد عن تحقيق الامتثال. وفي خطوة غير عادية، حرص الأمير "عبدالعزيز بن سلمان" على أن يكون كل من "الغضبان" ووزير الدولة النيجيري للموارد البترولية، "تامبيري سيلفا"، في الصدارة في المؤتمر الصحفي بعد اختتام اجتماع "أوبك بلس" في 6 ديسمبر/كانون الأول للإجابة على أسئلة وسائل الإعلام.
أسلوب جديد
وتشير مثل هذه الخطوة الجريئة إلى أسلوب إداري جديد من قبل الوزير السعودي، حتى لو كان قد أثار بعض اللغط في هذه العملية.
ولكن في النهاية، فإن الأرقام هي التي تتحدث. وكان العراق في مرحلة ما ينتج أكثر من 270 ألف برميل يوميا فوق حصته بموجب اتفاقية خفض العرض السابقة. وبموجب مخصصات الحصص الجديدة التي تدخل حيز التنفيذ في يناير/كانون الثاني 2020، سيتعين على العراق خفض الإنتاج بمقدار 50 ألف برميل يوميا، مما يعني أنه سوف يحتاج إلى خفض حاد في الإمدادات لتحقيق الامتثال بنسبة 100%. وقال "الغضبان" للصحفيين إن الاتفاق الجديد، الذي يسمح للعراق بتسويق بعض النفط الكردي، سيسمح لبغداد بالوفاء بالتزاماتها. وتنتج نيجيريا أيضا 100 ألف برميل يوميا زيادة عن مخصصاتها، وقد تعهدت بالالتزام بشكل أفضل في المستقبل.
وتحملت السعودية عبء خفض إنتاجها إلى ما دون حصتها بكثير لتحقيق التوازن في السوق.
وقال "عبدالعزيز بن سلمان" بعد الاجتماع إن المملكة ستواصل تقديم مساهمة طوعية من خلال خفض إنتاجها بـ 400 ألف برميل يوميا أقل من مخصصاتها، مما سيؤدي إلى خفض إجمالي الإنتاج بـ 2.1 مليون برميل يوميا. وفازت روسيا وغيرها من المنتجين، مثل عمان، بامتياز في استبعاد المكثفات النفطية من الاتفاق، ويعني هذا في الواقع أنهم سيكونون قادرين على زيادة إنتاج النفط، لأن المكثفات كانت مدرجة سابقا في اتفاقات خفض الإنتاج.
وفي الوقت الحالي، يبدو أن الصفقة كانت مرضية للاعبين في السوق. ويأتي التحسن الذي طرأ على أسعار النفط منذ 6 ديسمبر/كانون الأول في الوقت المناسب للمملكة، التي أطلقت للتو طرحها العام الأولي لأرامكو في البورصة المحلية. وبدأ التداول على أسهم أرامكو في 11 ديسمبر/كانون الأول، بسعر منح الشركة الأكثر ربحا في العالم تقييما عند 1.7 تريليون دولار في اليوم الأول، وتريليوني دولار في اليوم الثاني، ما حقق التقييم الذي طلبه ولي العهد "محمد بن سلمان" للشركة في البداية.
ليس كافيا
واقترح تقرير سوق النفط لشهر ديسمبر/كانون الأول الصادر عن وكالة الطاقة الدولية، أنه على الرغم من هذه التدابير وتباطؤ النمو من خارج أوبك، فإنه قد يستمر وجود فائض في السوق في الربع الأول من عام 2020.
ويقول التقرير: "على الرغم من القيود الإضافية، وتراجع توقعاتنا للنمو خارج أوبك لعام 2020 إلى 2.1 مليون برميل في اليوم، قد ترتفع مخزونات النفط العالمية بمقدار 0.7 مليون برميل في اليوم في الربع الأول من عام 2020".
وبحسب وكالة الطاقة الدولية، أنتجت أوبك 29.66 مليون برميل يوميا في نوفمبر/تشرين الثاني، وهو رقم كان يمكن أن يكون أعلى لو لم تخفض السعودية الإنتاج بمقدار 300 ألف برميل يوميا دون حصتها المفترضة.
وقد تؤدي اتفاقية ديسمبر/كانون الأول إلى انخفاض الإنتاج إلى 29.3 مليون برميل في اليوم في يناير/كانون الثاني، مع افتراض الالتزام التام وعدم حدوث أي تغيير في الإنتاج من ليبيا وإيران وفنزويلا.
ومن شأن ذلك أن ينتج 700 ألف برميل يوميا أعلى من طلب الربع الأول على خام أوبك، ومليون برميل يوميا في الربع الثاني. وحددت أوبك اجتماعا استثنائيا في مارس/آذار 2020 لتحديد ما إذا كانت هناك حاجة إلى مزيد من التخفيضات.
ويتوافق تقييم أوبك، في تقريرها الشهري حول سوق النفط في شهر ديسمبر/كانون الأول مع توقعات الوكالة الدولية للطاقة، على الرغم من اختلاف المنظمتين حول حجم الزيادة المحتملة في المعروض في الربعين الأول والثاني من العام.
ويشير تحليل وكالة الطاقة الدولية إلى احتمال وجود 144 مليون برميل من المخزونات العالمية المتراكمة في النصف الأول من العام، بينما تتوقع أوبك مخزونا منخفضا يبلغ نحو 40 مليون برميل.
وتقوم أوبك بتتبع مستويات المخزون بعناية في تحديد أهداف الإنتاج الخاصة بها، وإذا أثبتت أرقام وكالة الطاقة الدولية دقتها، فهذا يعني الحاجة إلى تمديد التخفيضات أو تعميقها. ولا تزال فنزويلا وليبيا وإيران معفاة من تخفيض الإمدادات. وفي حين أن الإنتاج الإيراني كان مقيدا بشدة بسبب العقوبات، فقد نجحت فنزويلا في زيادة إنتاجها على الرغم من القيود المفروضة على البنية التحتية.
وتمكنت ليبيا من الحفاظ على الإنتاج على الرغم من التحديات الهائلة التي تفرضها سياساتها المتصدعة والعنف المستمر. ومع ذلك، فقد تصاعد الصراع في الأسابيع الأخيرة وقد يؤثر على قطاع النفط الليبي.
وعلى جانب الطلب، تتوقع كل من أوبك ووكالة الطاقة الدولية أن يرتفع معدل النمو عام 2020 بسبب التوقعات الاقتصادية العالمية الأكثر إيجابية، بما يعني زيادة الطلب على النفط بمقدار مليون برميل في اليوم. وتتوقع أوبك نموا اقتصاديا عالميا بنسبة 3% في عام2020، فيما تتوقع وكالة الطاقة الدولية نموا يبلغ 3.4% في العام نفسه.
ورغم ذلك، تتوقع أوبك انخفاض الطلب على نفطها من 30.7 مليون برميل يوميا في 2019، إلى 29.6 مليون برميل يوميا في 2020، مما يترك هامشا بسيطا للتحرك.
ووفقا لمصادر في المنظمة، أنتجت أوبك 29.56 مليون برميل يوميا في نوفمبر/تشرين الثاني. وإذا خفض أعضاء أوبك الإنتاج إلى 29.22 مليون برميل يوميا في يناير/كانون الثاني 2020، فإن هذا سيكون أدنى مستوى من الإنتاج في أوبك منذ عام 2009، ما يزيد من تآكل حصة المجموعة في السوق، التي تقدر بنحو 29.6% من سوق النفط العالمية البالغ حجمه حاليا حوالي 99.78 مليون برميل يوميا.
وفي الربع الثالث من عام 2019، أعلنت أوبك أن متوسط إنتاجها بلغ 29.4 مليون برميل يوميا، أي أقل بنحو 2.3 مليون برميل يوميا عن الطلب على خام أوبك. وتُظهر حقيقة أن أسعار النفط ظلت ضعيفة، على الرغم من تقييد العرض والمخزونات، المهمة الصعبة لموازنة الأسواق في مواجهة النمو المستمر في الإمدادات من خارج أوبك، ومعظمها من الولايات المتحدة، التي تجاوزت المملكة العربية السعودية كأكبر مصدر للنفط في العالم.
وستُظهر الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة ما إذا كانت أوبك وشركاؤها قد فعلوا ما يكفي لتحقيق التوازن في السوق، وسيعتمد الكثير على ما إذا كان تحالف الـ25 منتجا يمكنه الحفاظ على مستوى من الانضباط اللازم لإنجاح الاتفاق.