أحمد شوقي- راصد الخليج-
تتواتر التقارير الاقتصادية الدولية الخاصة بانهيار اسعار النفط وانكماش الاقتصاد العالمي على خلفية تفشي وباء كورونا وما احدثه من اغلاقات.
وبقدر تركيز هذه التقارير على اقتصاد الولايات المتحدة والصين والدول الكبرى، فإنها تركز على دول الخليج وتداعيات الازمة عليها اقتصاديا وسياسيا.
وتكاد تجمع التقارير التي تناقش الجانب الاقتصادي على امور بعينها يمكن ان نوردها في هذا المقال، ولكن الاخطر، هو التنبؤ بالتداعيات السياسية والتي اتفقت ايضا على سييناريوهات وخيمة وتكاد الرؤى تتطابق رغم تنوع مشارب التقارير.
ومن الامور الاقتصادية التي اتفقت حولها التقارير ما يلي:
اولا: الضغط على الميزانيات الحكومية للبلدان المنتجة للنفط، من المرجح أن يؤدي إلى تدهور اقتصادي كبير في جميع أنحاء الشرق الأوسط وقد يؤدي إلى تفاقم التوترات الجيوسياسية المتصاعدة بالفعل في الخليج.
فعلى المستوى العام، سيؤدي انخفاض الأسعار إلى خسارة فادحة في عائدات منتجي النفط والغاز. وقد تراكم معظمها بالفعل عجزاً مالياً، ففي أكثر من نصف دول المنطقة، تبلغ نقطة التعادل المالي التي تحدد سعر النفط المطلوب لموازنة الميزانية الحكومية، أكثر من ضعف السعر الحالي للنفط.
ثانيا: قبل انهيار اسعار النفط، كان صندوق النقد الدولي قد حذر دول مجلس التعاون الخليجي من أن احتياطياتها المالية يمكن أن تستنفد في أقل من 15 عاما، وبالتالي فإن الإجراءات المطلوبة لخفض التكاليف (بما في ذلك تخفيضات الرواتب والإعانات للخدمات العامة) والزيادات الضريبية والتي اصبحت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، يمكن أن تؤثر على الاستقرار الاجتماعي.
ثالثا: تقول التقارير ان بعض دول الخليج في وضع أفضل من غيرها للتعامل مع فترة طويلة من انخفاض أسعار النفط، مثل الكويت وقطر، حيث لديهما دخل مرتفع نسبيا من النفط للفرد، ويمكن لحكومتيهما اللجوء إلى احتياطيات مالية كبيرة، بينما تواجه معظم البلدان الآن تحديات عميقة، بشكل خاص بالنسبة للمملكة العربية السعودية، أكبر منتج للنفط في أوبك، حيث تعاني المملكة من عجز مالي متزايد واتساع الاحتياطيات (في عام 2014 ، كانت احتياطيات المملكة العربية السعودية أكبر بنحو 48 في المائة مما هي عليه اليوم). ويمكن أن تكون للازمة عواقب وخيمة على جهود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتوطيد السلطة في الداخل إذا أثرت على الإنفاق الاجتماعي؛ ولمكانة بلاده كمساهم في الأزمة.
رابعا: تعيش الإمارات العربية المتحدة في فترة من القلق الاقتصادي مع إمارة دبي، بعد أن تعافت بالكامل من الأزمة المالية لعام 2008 ، نمت متاعب دبي بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة. في حين أحرزت بعض التقدم نحو التنويع، تراكمت الكيانات المرتبطة بالامارة على ديون ضخمة - بلغ مجموعها حوالي نصف الناتج المحلي الإجمالي لدبي- فقدت البورصة المحلية ، المؤشر العام لسوق دبي المالي ، حوالي 61 في المائة من قيمتها منذ عام 2014 ، وانخفضت أسعار العقارات بسبب الخوف من الفقاعة. بشكل عام ، تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي لدولة الإمارات العربية المتحدة بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة ، في حين اتسع الميزان المالي غير النفطي للحكومة. من المرجح أن يمنح معرض إكسبو هذا العام ، المخطط له في أكتوبر ، الاقتصاد دفعة قد لا تصل الآن كما هو متوقع، ناهيك عن احتمال الغاء انعقاد المعرض.
خامسا: يعتقد الخبراء أنه حتى إذا تم التغلب على الوباء في غضون نصف عام ، فإن الاقتصاد العالمي لا يمكنه حل المشكلة على الأرجح الا بعد أكثر من نصف عام. وبالتالي فإن ثقة السوق تقوض بشكل خطير. وبما أن المنافسة على حصتها في السوق ستكون سمة مميزة لسياسة النفط ، فمن المتوقع أن يبقى النفط الخام أقل من 40 دولارًا للبرميل.
وبخصوص التداعيات السياسية والاجتماعية، فقد رصد مركز دراسات غرب آسيا وأفريقيا بمعاهد شنغهاي للدراسات الدولية في تقرير له عواقب وخيمة مثل ما يلي ذكره:
1/ ستؤدي الآثار الاقتصادية إلى تداعيات سياسية واجتماعية في دول الخليج، حيث تم تخصيص جزء من عائدات النفط للجمهور، وقد عملت الرفاهية الاجتماعية رفيعة المستوى على تهدئة السعي من أجل الحقوق السياسية بين الناس العاديين، وكذلك للحفاظ على الاستقرار. سيؤدي تراجع الرعاية الاجتماعية إلى عدم الرضا الاجتماعي، مما قد يشكل تهديدًا خطيرًا للاستقرار المحلي.
2/ قد يؤدي انخفاض أسعار النفط إلى آثار بعيدة المدى على هيكل العلاقات الخارجية لدول الخليج. تعتبر دول الخليج علاقاتها مع الولايات المتحدة ركيزة هيكل علاقاتها الخارجية. إنهم يبيعون نفطهم بأسعار بالدولار، ويضعون دولاراتهم البترولية في الولايات المتحدة، إما عن طريق شراء سندات الخزانة الأمريكية أو شراء الأسلحة من الولايات المتحدة ، التي تعمل على الحفاظ على الهيمنة المالية الأمريكية. من ناحية أخرى ، تمنح الولايات المتحدة دول الخليج الحماية من القوى الإق
ليمية الأخرى. ولكن مع انخفاض أسعار النفط، سوف يضعف الربط بشكل كبير على الجانب الخليجي، حيث لن يكون منتجو النفط الخليجيون قادرين على شراء السندات والأسلحة الأمريكية.
3/ يعتقد العديد من الخبراء بشكل معقول أن هبوط أسعار النفط كان يدار عن قصد من قبل دول، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، لدفع النفط الصخري الأمريكي للخروج من السوق في سياق التباطؤ. ولدى الأمريكيين أسباب للسخط على منتجي النفط في الخليج.
هذا الرصد للتقارير الدولية، لا تتناوله الصحف ووسائل الاعلام العربية بشكل صريح نظرا لارتباطاتها وانتماءاتها، ولكن الواجب ان يطلع الرأي العام الخليجي عليها للتهيؤ لمرحلة جديدة بدت في التشكل تحت عنوان شبه متفق عليه دوليا وهو (عالم ما بعد كورونا).