الخليج أونلاين-
بعد مخاضٍ عسير، وسلسلة اعتذارات لشخصيات مختلفة عن تولي حقائب وزارية، وصِدام مع مجلس الأمة، أُسدل الستار على الحكومة الكويتية الجديدة، بعد أن أدت اليمين الدستورية أمام أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح.
وجنَّب تشكيل الحكومة الكويتية الجديدة دخول البلاد في أزمة سياسية كبيرة، واحتمالية حل مجلس الأمة والدعوة إلى انتخابات جديدة، خاصة مع قرار الأمير تأجيل انعقاد اجتماعات المجلس شهراً كاملاً.
وسيكون أمام الحكومة عديد من الملفات الشائكة التي بحاجة إلى حلول سريعة، خاصةً التداعيات الاقتصادية التي تركتها جائحة كورونا، والعجز المالي في الميزانية، ومكافحة الفساد، وقانون العفو العام.
أمير الكويت تحدث خلال تأدية الحكومة اليمين الدستورية أمامه، عن التحديات التي تواجهها، مع تأكيده أنه على يقين بقدرتها على الانطلاق نحو العمل الجماعي، ومواجهة التحديات.
وفي كلمته قال الصباح: "في هذا الصدد أجد لزاماً عليّ أن أدعو السلطتين التشريعية والتنفيذية إلى التعاون البنّاء، متسلحين في ذلك بنسيجنا الاجتماعي ووحدتنا الوطنية في سبيل الغايات الوطنية المأمولة والتصدي للقضايا الجوهرية".
وتزامن الإعلان عن الحكومة الجديدة، مع قرار المحكمة الدستورية في دولة الكويت، (الأربعاء 3 مارس الجاري)، رفض الطعن المقام على تصويت انتخابات رئاسة مجلس الأمة، وبطلان وجود تزوير في بعض أوراق الانتخاب.
وشهدت الحكومة الجديدة تغييرات، كان أبرزها استحداث حقيبتين جديدتين في الحكومة؛ وهما "وزارة الدولة لشؤون تعزيز النزاهة، ووزارة الدولة لشؤون الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات".
رئيس الحكومة، الشيخ صباح الخالد، أكد أن المرحلة القادمة تتطلب تضافر الجهود وتوحيدها؛ للتركيز على مواجهة الفساد الإداري والمالي وأدواته سواء في الجهاز الحكومي أو خارجه، ودعم الأجهزة الرقابية لأداء عملها على أكمل وجه باستقلالية تامة.
وسيكون أمام رئيس الحكومة 16 يوماً قبل عودة انعقاد مجلس الأمة، لإعداد برنامج عمل يتضمن المشاريع وتكلفتها المالية ومدة الإنجاز الزمنية، وتحديد مسؤوليات وواجبات كل وزير في تنفيذ هذه الخطة أو برنامج العمل الحكومي.
الكاتب والمحلل السياسي عايد المناع، أكد أن الحكومة الجديدة مطالَبة بمواجهة عدد من الملفات المحلية، أبرزها جائحة كورونا، والتعامل مع ارتفاع عدد الإصابات، إضافة إلى التداعيات الاقتصادية التي تركتها الجائحة على الاقتصاد المحلي، وعجز الموازنة، وسحب أموال من صندوق الأجيال القادمة.
وسيكون أمام الحكومة، حسب حديث "المناع" لـ"الخليج أونلاين"، ملفات صعبة أخرى قد تجعلها في مواجهة جديدة مع مجلس الأمة، منها قانون العفو الشامل، واستمرار استجواب الوزراء، وقانون الدين العام.
وستنجح الحكومة، وفق "المناع"، في ملفات، وستفشل في أخرى، ولكن في الغالب سيعمل وزراؤها جاهدين على تحقيق مكاسب على مستوى وزاراتهم المختلفة، خاصةً أنهم أمام تحدٍّ، ورقابة مستمرة من قِبل أعضاء مجلس الأمة.
ولا يستبعد "المناع" حدوث صِدام بين نواب في مجلس الأمة والحكومة، خاصة في التشكيلة الجديدة التي أعلن عنها رئيس مجلس الوزراء، وهو ما لا يعجب بعض نواب مجلس الأمة، في حال لم يتم إقرار قانون العفو الشامل عن بعض النواب الموجودين خارج البلاد، وأصحاب الرأي السياسي.
ويستدرك بالقول: "في حال لم يتم التوافق على حل لموضوع العفو عن النواب السابقين وأصحاب الرأي السياسي، وهم خارج الكويت، لن تنتهي الأزمة بالتشكيلة الجديدة، ولكن سيقل عدد الضاغطين على رئيس الحكومة، وسيواجه مزيداً من الاستجوابات".
وحول قانون العفو الشامل، يوضح "المناع" لـ"الخليج أونلاين": "رئيس الوزراء يقول إنه ليست له علاقة بالأمر، وإن العفو عند الأمير وليس عند رئيس الحكومة، ولكن النواب يريدون منه التصويت معهم حين عرض القانون".
وعملت الحكومة الجديدة، وفق "المناع"، على "استرضاء النواب بإخراج 4 وزراء كان عليهم تحفُّظ من قِبلهم، باستبدال وزراء جدد بهم، ولكن المعارضة الآن شعارها الرئيس هو إقرار قانون العفو الشامل، وفي حال لم يتحقق، فسيبقى الصدام قائماً".
حكومة مؤقتة؟
من جانبه، قال الكاتب السياسي الكويتي عبد العزيز سلطان: إن "الدستور ينص على أنه لا يجوز أن يتجاوز عدد أعضاء الحكومة ثلث أعضاء المجلس، أي 16 وزيراً، ونلاحظ أن الحكومة الجديدة فيها 8 وزراء يحملون حقيبتين، ووزيران آخران استحدثت لهما وزارات جديدة مثل وزارة شؤون التكنولوجيا ووزارة النزاهة".
وأضاف سلطان في حديث خاص مع "الخليج أونلاين": "نحن لدينا 76 جهة رقابية، ولدينا هيئة مراقبة الفساد (نزاهة) المستقلة، وتشكيل وزارة باسم (نزاهة) يحمل كثيراً من علامات الاستفهام، كأنك تقول إن قضايا الفساد يجب أن تحال إلى وزارة نزاهة التي تسيطر عليها الحكومة ثم تقوم الأخيرة بتحويلها لهيئة نزاهة، وهذا خطأ كبير".
وأردف: إنه "توجد في الحكومة الكويتية 24 وزارة بيد 16 وزيراً، ما يعني أن كل وزير يتسلم حقيبتين تقريباً، وتوجد أخطاء إدارية مثل أن وزير النفط يتسلم وزارة التعليم العالي بشكل غير متوافق".
ولفت المحلل السياسي إلى أن "رئيس الوزراء أنهى تكليف جميع الوزراء الذين عليهم ملاحظات تزوير أو شبهات أو جدل أو الوزراء الذين يتوقع استجوابهم في مجلس الأمة".
وأكّد سلطان أن "هذه الحكومة ستكون مؤقتة، والعمر الافتراضي لها لا تتجاوز مدته شهراً، وربما شهرين، ومن الممكن ألا تبقى أكثر من أسابيع، لأن مجلس الأمة سيعمل على استجواب رئيس الوزراء، ومن المتوقع أن تكون الانتخابات التشريعية الجديدة في رمضان المقبل".
ولفت إلى أنه في إطار ذلك "سيطيل رئيس الحكومة مدة هذه الحكومة من خلال طرح قوانين تثير جدلاً في مجلس الأمة وبين الشعب، مثل قانون الضرائب، وقانون الدين العام، وقانون السحب من صندوق احتياطي الأجيال القادمة".
خلافات جديدة
وخلافاً لحديث "الخالد"، ظهر خلاف مبكر على حكومته من قِبل أعضاء في مجلس الأمة، حيث هاجمها النائب بدر الحميدي.
وفي تغريدة له نشرها على حسابه بموقع "تويتر"، قال الحميدي: "تشكيل الحكومة الأخير بعيدٌ كل البعد عن حكومة الإنقاذ التي ننشدها في هذا الوقت الحرج".
وقلل الحميدي من دمج وزارات في الحكومة، واستحداث مسميات جديدة، مع توجيهه رسالة حادة إلى "الخالد"، قال فيها: "على رئيس الحكومة أن يعي أن للأمة كلمة!".
وإلى جانب الحميدي، هاجم النائب مهند طلال الساير الحكومة الجديدة، من خلال قوله في تغريدة نشرها على حسابه بموقع "تويتر": "تمخض الرئيسان فولدا حكومة مشوهة".
وتعود أسباب صِدام مجلس الأمة مع الحكومة السابقة، إلى تقديم أعضاء بالمجلس، في السادس من يناير الماضي، استجواباً لرئيس الحكومة اتهموه فيه بعدم التعاون مع البرلمان؛ وهو ما تسبب في تقديم الوزراء استقالتهم من الحكومة.
ولاحق محاولةَ استجواب رئيس الحكومة، جملةٌ من الاستجوابات لوزراء، وهو ما شكَّل حالة من عدم التعاون بين المجلس والحكومة، تسببت في استقالة الوزراء.
وإلى جانب أزمة مجلس الأمة تواجه الحكومة الكويتية الجديدة ملفات بارزة؛ أهمها التداعيات الاقتصادية التي تركتها جائحة كورونا، وانخفاض أسعار النفط، ما يجعلها أمام مهمة صعبة لمواجهة التحديات الاقتصادية.
وتشهد الكويت أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها تقريباً؛ بعدما عصفت تداعيات جائحة كورونا وما ترتب عليها من تهاوٍ بأسعار النفط بجزء ليس بسيطاً من اقتصاد البلاد، ودفعها إلى الاستدانة وتقليص النفقات.
وخلال السنة المالية (2019-2020)، سجلت الكويت عجزاً بمقدار 18.4 مليار دولار، بزيادة 69% عن العام السابق، وفق بيانات صدرت عن وزارة المالية بالكويت، فيما توقعت الأخيرة عجزاً بمقدار 12.1 مليار دينار (نحو 40 مليار دولار) في موازنة الدولة للعام المالي (2021-2022).
كما تواجه الحكومة الجديدة صعوبات في مواجهة الفساد، وطريقة إدارة موارد الدولة، والفساد في الإدارات الحكومية، إضافة إلى قضية المقيمين وتقليص عددهم في المواقع الحساسة والمهمة بالبلاد.
وستكون أمام الحكومة مشكلة جديدة قديمة؛ وهي أزمة البدون التي لا تزال مسيطرة على الوضع الداخلي، حيث تعيش هذه الفئة السكانية في الكويت ولا تحمل جنسية البلد، ويبلغ عددهم قرابة 96 ألف شخص، بحسب بيانات رسمية.
ويناقَش حالياً في الكويت اقتراحان؛ الأول من أجل معالجة مشكلة "البدون"، والثاني يتعلق بإنشاء جهاز مركزي للجنسية، هدفه معالجة بعض الأخطاء الحاصلة في ملف الجنسية، وإيقاف التزوير وكشف المزوِّرين.