الخليج أونلاين-
تواصل سلطنة عمان مساعيها الرامية إلى تعزيز حضورها في مجال صناعة الهيدروجين النظيف كجزء من رؤيتها الاقتصادية 2040، التي تعول على قطاع الطاقة كأحد أهم عوامل تنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط.
وفي سياق هذه المساعي أطلقت السلطنة (الخميس 12 أغسطس) تحالفاً وطنياً من شركات حكومية وخاصة لترسيخ مكانة البلاد على خارطة إنتاج الهيدروجين الأخضر واستخداماته.
يتشكل التحالف الجديد من 13 مؤسسة رئيسية بالقطاعين العام والخاص، ستعمل بشكل جماعي على دعم وتسهيل إنتاج الهيدروجين النظيف ونقله والاستفادة منه محلياً وتصديره للخارج.
ويضم التحالف الهيئات الحكومية ومشغلي النفط والغاز والمؤسسات التعليمية والبحثية، إلى جانب موانئ السلطنة. ويسعى التحالف لأن يكون رائداً في هذه الصناعة، بحسب ما نقلته الوكالة العمانية الرسمية عن وكيل وزارة الطاقة والمعادن سالم العوفي.
ومع تصاعد كلفة استخراج الوقود الأحفوري من جهة وتضاؤل احتياطاته من جهة أخرى، فإن التوجه نحو الطاقة النظيفة يأتي ضمن المشروعات الاستراتيجية في البلاد.
أحد أكبر مصانع العالم
هذا التحالف الجديد ليس وليد اللحظة لكنه جزء من خطة عمانية طويلة الأمد؛ ففي مايو الماضي، قالت صحيفة "الغارديان" البريطانية إن مسقط تخطط لبناء واحد من أكبر مصانع الهيدروجين الأخضر بالعالم.
هذا المصنع الذي يتوقع العمل به في 2028، بحسب الصحيفة البريطانية، يستهدف جعل السلطنة رائدة بتكنولوجيا الطاقة المتجددة؛ بإنتاج 25 غيغاواط من طاقة الرياح والطاقة الشمسية.
ويرمي المشروع الذي تصل كلفته إلى 30 مليار دولار بالأساس لتقليل اعتماد مسقط على النفط كمصدر للدخل من جهة، وتوفير احتياجات البلاد من الطاقة من جهة أخرى؛ حيث تولد السلطنة 85% من احتياجاتها المحلية من النفط والغاز.
الصحيفة البريطانية نقلت عن رئيسة شركة "إنتركونتننتال إنرجي"، أليسيا إيستمان، قولها إن معظم صادرات المصنع المرتقب من الهيدروجين الأخضر ستتجه إلى أوروبا وآسيا، إما كهيدروجين وإما بعد تحويلها إلى أمونيا خضراء؛ ما يسهّل شحنها وتخزينها.
ومن المقرر أن ينتج المصنع 1.8 مليون طن من الهيدروجين الأخضر ونحو 10 ملايين طن من الأمونيا الخضراء سنوياً، ومع مخزون السلطنة الكبير من الطاقة الشمسية والرياح القوية فإن تصنيع الهيدروجين النظيف قد يكون له دور مهم، بحسب إيستمان.
تدفق الاستثمارات
على الرغم من الأضرار التي ألحقتها الجائحة باقتصاد السلطنة فإنها نجحت في وضع خطط تحفيزية جذبت الكثير من الاستثمارات الأجنبية خاصة في قطاع الطاقة النظيفة.
ففي يوليو الماضي، وقعت مسقط اتفاقاً مع شركة "يونيبر"، وهي واحدة من كبريات شركات الطاقة في العالم، ستقدم بموجبه الأخيرة خدمات هندسية لمشروع "هايبورت الدقم"، لإنتاج الهيدروجين الأخضر.
وتسعى "يونيبر" العالمية للحصول على حق شراء الأمونيا الصديقة للبيئة من السلطنة بشكل حصري.
وجاء الاتفاق بعد شهور قليلة من حصول شركة نفط عمان (أوكيو)، على موقع لتوليد الطاقة المتجددة يمتد على مساحة 150 كيلومتراً مربعاً في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم.
ويضم مشروع "هايبورت الدقم" إنشاء سلسلة قيمة كاملة من الطاقة إلى المنتج تستخدم تقنية هي الأولى من نوعها على مستوى العالم مع إنتاج كميات تجارية كبيرة من الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء.
وفي مراحل متقدمة من المشروع سيتم تطوير وتوسعة سلسلة القيمة بحيث يتم تحويل المنطقة الاقتصادية الخاصة إلى مركز لإنتاج الهيدروجين الأخضر في السلطنة ومنطقة الشرق الأوسط.
ويعمل المشروع على إنتاج الهيدروجين الأخضر بداية من التركيب وحتى إنتاج 1.3 غيغاواط من الطاقة المتجددة باستخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح خلال المرحلة الأولى؛ مروراً بإنتاج الهيدروجين الذي يعتمد على المنحلات الكهربائية وحتى الأمونيا الخضراء الصناعية.
اعتماد متزايد على الهيدروجين الأخضر
ويتزايد الاعتماد على الهيدروجين الأخضر كوقود مستقبلي لتقليل انبعاثات الكربون التي تنجم عن الوقود الأحفوري، ويجري إنتاج الهيدروجين النظيف عبر تحليل المياه كهربائياً بالاعتماد على الطاقة المتجددة.
ويمكن نقل الهيدروجين النظيف للمسافات القصيرة من خلال شاحنات خاصة، أما المسافات البعيدة فتحتاج إلى سفن وأنابيب، كما يجري تصديره عبر تحويله إلى أمونيا يسهل نقلها على سفن خاصة لذلك.
ويساهم الهيدروجين الأخضر في الوصول إلى مجتمع خالٍ من الكربون، ومن المتوقع أن يكون وقود المستقبل وقائد الموجة الثانية من رحلة تحول الطاقة عالمياً، حيث سيوفر وقوداً نظيفاً للعديد من السيارات والشاحنات والسفن.
وحالياً، تعمل العديد من الدول على حجز موقع على خارطة تصنيع الهيدروجين الأخضر، ومن بين هذه الدول السعودية التي أعلنت، في يوليو الماضي، إنشاء مصنع بقيمة 5 مليارات دولار على ساحل البحر الأحمر، اعتباراً من عام 2025.
كما أطلقت دولة الإمارات العام الماضي مشروعاً تجريبياً لأول محطة لإنتاج الهيدروجين الأخضر في دبي، بطاقة إنتاجية 1 ميغاوات.
ونظراً لانخفاض تكلفة إنتاجه، فمن المتوقع أن يسهم الهيدروجين الأخضر في تقليل أسعار الكهرباء، وأن تتراجع كلفة إنتاجه بنحو 40% خلال 2050، بحسب وكالة "بلومبيرغ".
وفي 2020، تجاوز إنتاج مشاريع الهيدروجين الأخضر عالمياً 60 غيغاواط، أي ما يعادل إنتاج نحو 187.5 مليون خلية شمسية، و25 ألف توربين رياح، بما يكفي لإضاءة 6.6 مليارات مصباح ليد.
وكان العام الماضي استثنائياً في مجال تطوير الهيدروجين الأخضر، وتوقع تقرير أصدرته شركة "استراتيجي آند" الشرق الأوسط، أواخر 202، أن يصل حجم السوق العالمي لتصدير الهيدروجين الأخضر إلى 300 مليار دولار بحلول عام 2050.
وتذهب التقديرات إلى أن الطلب العالمي على الهيدروجين الأخضر سيصل إلى نحو 530 مليون طن متري بحلول عام 2050، ليكون بديلاً عن حرق نحو 10.4 مليارات برميل نفط.