نيكولاي كوزانوف | معهد الشرق الأوسط - ترجمة الخليج الجديد-
أظهرت الأحداث في الأشهر الأخيرة الواقع الجديد في سوق النفط. وتجلى ذلك في سلسلة من التصريحات القوية للاعبين الدوليين حول إحجام "أوبك+" عن زيادة الإنتاج. وفضلا عن عدم اليقين العالمي، أصبحت الديناميكيات بين السعودية وروسيا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى تصرفات مستهلكي النفط الآسيويين عوامل رئيسية في تشكيل سلوك التكتل.
وكالعادة، اتسم اجتماع "أوبك+" الأخير بالمكائد والتكهنات حول سياسات الإنتاج المستقبلية. وكان على أعضاء "أوبك+" الاختيار بين 3 سيناريوهات مختلفة: استمرار الزيادة التدريجية في أحجام الإنتاج، أو إبطاء وتيرتها، أو تجميدها مؤقتا.
وكانت الحاجة إلى النظر في السيناريوهين الأخيرين تمليها عدة عوامل مختلفة بما في ذلك فائض العرض المتوقع في أوائل النصف الأول من عام 2022، والخوف من أن سلالة جديدة من فيروس كورونا "أوميكرون" يمكن أن تقلل من استهلاك النفط، بالإضافة إلى قرار الولايات المتحدة وعدد من المستوردين الآسيويين الرئيسيين (بما في ذلك الهند والصين وكوريا الجنوبية واليابان) إطلاق كميات إضافية من النفط إلى السوق من خلال احتياطياتهم الاستراتيجية.
وبالرغم من عدم وجود نسخة رسمية مفصلة من النقاش، تشير التقارير إلى أن أعضاء "أوبك+" كانوا في البداية أكثر ميلًا إما للتجميد أو مراجعة الزيادة المخطط لها في الإنتاج في يناير/كانون الثاني بمقدار 400 ألف برميل يوميًا، مع استعداد السعودية إما للزيادة أو خفض إنتاجها خلال شهر يناير/كانون الثاني إذا لزم الأمر للحفاظ على استقرار السوق.
ويعكس موقف الرياض النهج المعتاد للقيادة السعودية، والتي تعتبر تقليديًا حساسة بشكل خاص لأسعار النفط وتتفاعل بقوة مع أي تهديد قد يزعزع الاستقرار. ومع ذلك، انتهى الأمر هذه المرة باتخاذ "أوبك+" قرارا لم يكن السعوديون يريدونه في البداية: التمسك بسياستها المتمثلة في زيادة الإنتاج تدريجياً والزيادة المخطط لها في يناير/كانون الثاني.
من اتخذ القرار؟
هناك آراء متباينة حول دافع "أوبك+" إلى مراجعة قرارها الأولي بوقف أو تقليل زيادة الإنتاج في يناير/كانون الثاني. وربما لعبت موسكو دورًا في ذلك حيث دعا نائب رئيس الوزراء الروسي "ألكسندر نوفاك" أعضاء "أوبك +" إلى تجنب "القرارات المتسرعة". وفي وقت لاحق، أيد بشدة التحرك للحفاظ على العمل كما كان مقررا.
وبطبيعة الحال، كان "نوفاك" يدافع عن مصالح موسكو الخاصة حيث تقترب حصة إنتاج روسيا من طاقتها القصوى. وتحاول روسيا استغلال أسعار النفط المرتفعة للحصول على أكبر قدر ممكن من السيولة من قطاع الهيدروكربونات لتمويل اقتصادها المنهار، وتنفيذ خطط لزيادة إنتاجها النفطي إلى 11-11.2 مليون برميل يوميًا بحلول 2023-2024، ودفع ثمن مغامراتها العسكرية في فضاء ما بعد الاتحاد السوفييتي.
وتعتبر موسكو أن أي تباطؤ في الوصول إلى الحد الأقصى للإنتاج بمثابة تضييع لفرصة الربح. بالإضافة إلى ذلك، فإن سعر التعادل للنفط الروسي يبلغ حوالي 40 دولارًا للبرميل - وهو أقل بكثير من سعر السعودية (75 دولارًا في عام 2021 أو 67 دولارًا في عام 2022) - ما يسمح لموسكو بتوليد المزيد من الإيرادات دون الحاجة إلى رفع أسعار النفط.
وباعتبارها ثاني أكبر منتج للنفط في "أوبك" بعد السعودية، تمتلك روسيا ثقلا كافيًا لإقناع الأعضاء الآخرين بقبول وجهة نظرها، خاصةً عندما تعكس حجج موسكو مخاوفهم الخاصة. وفي تعليقه على قرار "أوبك+" الأخير، قال وزير النفط العراقي "إحسان عبدالجبار إسماعيل" إن العراق "لا يستهدف زيادة أسعار النفط بشكل غير منطقي ولكنه لن يسمح بانخفاضها كذلك".
العامل الأمريكي
قد لا يكون موقف روسيا بحد ذاته كافياً لجعل أعضاء "أوبك+" يلتزمون باستراتيجيتهم السابقة. ووفقًا لـ"سايمون هندرسون"، رئيس برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، فإن الجهود الدبلوماسية الأمريكية عشية الاجتماع أقنعت القيادة السعودية على الأقل بعدم خفض الإنتاج للحفاظ على أسعار الوقود التي تعد مصدر إحراج داخلي للرئيس "جو بايدن". وهذا ما أكدته بعض المصادر الروسية التي تقول إن الخوف من إثارة غضب كبار مستوردي النفط كان سببًا آخر لعدم تجميد الحصص.
ويتزايد التوتر بين الولايات المتحدة و"أوبك+" بشكل مطرد منذ عهد "ترامب"، وقد بلغ التوتر ذروته في 23 نوفمبر/تشرين الأول بعد قرار "بايدن" إطلاق كميات كبيرة من الاحتياطي الاستراتيجي للبلاد لتلبية الطلب العالمي المتزايد وخفض الأسعار وهي خطوة لم يسبق لها مثيل تاريخيًا من حيث الأحجام المعنية. وبالرغم من كل المحاولات "للحفاظ على الهدوء وضخ النفط"، فقد انزعج أعضاء "أوبك+" من هذه الخطوة.
ولطالما كانت الولايات المتحدة جزءًا من المعادلة التي تشكل ديناميكيات سوق النفط، ولكن منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين (إن لم يكن قبل ذلك) أصبح يُنظر إليها إلى حد كبير من زاوية الإنتاج وليس الاستهلاك.
وبالرغم من ارتفاع أسعار النفط، تخلى منتجو النفط الصخري عن مبدئهم السابق المتمثل في ضخ أكبر قدر ممكن من النفط. وقد فشلت الإدارة في تغيير رأيهم.
وفي ظل هذه الظروف، أصبح قرار البيت الأبيض هو الاستفادة من الاحتياطي الاستراتيجي بعد المطالبة المتكررة بأن تزيد "أوبك+" أحجام الإنتاج لخفض الأسعار. ويضيف ذلك مصدرًا آخر للتوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية. وكذلك بين واشنطن وموسكو.
الجواب الصحيح الوحيد
ويعد الأمر الذي كان أكثر أهمية بالنسبة لـ"أوبك+" هو أن الولايات المتحدة لم تكن وحدها في قرار استخدام الاحتياطي الاستراتيجي.
وبالرغم من خلافاتهم السياسية، فإن الولايات المتحدة كانت قادرة على الجمع بين جميع مستهلكي النفط الآسيويين الرئيسيين (الصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان) الذين تصرفوا بمفردهم في السابق ضد ارتفاع الأسعار وسياسة الإنتاج في "أوبك+". وعلى سبيل المثال، باعت الصين جزءًا من احتياطياتها الخاصة في الخريف الماضي، بينما كانت الهند صريحة بشأن الحاجة إلى تنويع موردي النفط لتقليل اعتمادها على الطاقة الإنتاجية المتقلبة للسعودية منذ ربيع 2021.
وقبل ذلك، لم تستخدم أي من هذه الدول الآسيوية احتياطياتها الاستراتيجية كجزء من حرب أسعار عالمية منسقة. ولا يزال لدى محللي السوق أسئلة حول تصميم هذه الدول على بيع الاحتياطيات فعليًا (حتى الآن أكدت اليابان فقط أنها فعلت ذلك) بالإضافة إلى قدرتهم على تنويع الموردين للحد من اعتمادهم على المنتجين الرئيسيين في "أوبك".
وبالنظر إلى دور آسيا في مستقبل سوق النفط، فإن الحفاظ على علاقات إيجابية طويلة الأمد مع هذه الدول سيكون ضروريًا للسعودية والإمارات والعراق والكويت، وربما إيران، في سعيها للحفاظ على مواقعها في السوق وسط التقلبات.
وفي ظل هذه الظروف، ليس من المستغرب أن يكون لعملية صنع القرار الأخير في "أوبك" نكهة سياسية. وقال خبير الطاقة "أنس الحاجي" إن تخفيض أو وقف زيادة الإنتاج في يناير/كانون الثاني لم يكن خيارًا لأنه سينظر إليه حتمًا على أنه رد سياسي على تصرفات "بايدن".
علاوة على ذلك، فإن المستهلكين كانوا سيفهمون هذه الخطوة باعتبارها إشارة إلى أن "أوبك+" قررت تصعيد المواجهة، حتى لو لم يكن التكتل يعني ذلك. وبالتالي، كان الحفاظ على معدلات الإنتاج المخطط لها هو الخيار الوحيد الذي يرضي جميع الأطراف.
ويعتمد قرار "أوبك+" باستمرار الزيادة التدريجية المخطط لها أيضًا على قدر معين من الخداع الضمني. فعلى مدار الـ11 شهرًا الماضية على الأقل، فشلت "أوبك" باستمرار في الوصول إلى حصة الإنتاج المقررة والبدء في المستوى التالي من الإنتاج.
وبحلول نوفمبر/تشرين الثاني 2021، كان الفارق بين حصة الإنتاج الاسمية والإنتاج الحقيقي في دول منظمة "أوبك" الأساسية هو 390 ألف برميل في اليوم. وفي معظم الحالات، يرجع نقص الإنتاج إلى أسباب طبيعية ومرتبط بقضايا فنية أو بالوضع الاقتصادي والسياسي في العديد من دول "أوبك" (خاصة في أنجولا ونيجيريا).
لكن هذه الفجوة يتم الحفاظ عليها بالتأكيد بطريقة مصطنعة. وبالرغم أن المنظمة قادرة على تعويضها على الأقل في أكتوبر/تشرين الأول – نوفمبر/تشرين الثاني 2021، امتنع منتجو "أوبك" الرئيسيون عن القيام بذلك بحجة احترام حصص الإنتاج ومصالح بعضهم البعض.
وهناك منطق وراء ذلك حيث إن نقص الإنتاج يدعم الأسعار المرتفعة، كما أنه يساعد أعضاء "أوبك+" على خداع المستهلكين دون القيام بذلك بطريقة علنية ومباشرة. ومن المفترض أن هذا النقص المصطنع في الإنتاج سهّل أيضًا على السعودية وأعضاء "أوبك" الآخرين قبول استمرار زيادة إنتاج النفط.
ومع ذلك لا نزال نتطلع إلى ظهور نموذج جديد لسوق النفط يجبر المنتجين على أخذ مصالح المستهلكين بالحسبان.