متابعات-
تفاجأ الوسط السياسي اليمني والشارع اليمني بشكل عام، صباح الخميس، بإصدار الرئيس عبدربه منصور هادي قرارا جمهوريا بتشكيل مجلس قيادة رئاسي مكون من 8 أعضاء برئاسة الدكتور رشاد محمد علي راجح العليمي، وسلّم كافة صلاحياته الرئاسية لهذا المجلس الذي مثّل كافة القوى اليمنية ما عدا جماعة الحوثي.
وجاء هذا القرار بعد لحظات من قرار رئاسي سابق قضى بإعفاء نائبه علي محسن الأحمر من منصبه، لتشكل هذه القرارات نهاية لـ(شرعية) الحكومة اليمنية وفي ذات الوقت تنهي المبرر لوجود التحالف العربي في اليمن بقيادة السعودية، الذي يقود عملياته العسكرية الضخمة هناك ضد جماعة الحوثي الانقلابية منذ آذار/ مارس 2015 تحت غطاء استعادة سلطة الرئيس هادي الشرعية إلى اليمن.
وذكر مصدر قانوني لـ”القدس العربي” أنه في الوقت الذي طوت هذه القرارات صفحة الرئيس هادي من المشهد السياسي اليمني، قدمت المجلس الرئاسي الجديد كـ”طرف خال من الشرعية” مواجه لـ”طرف غير شرعي” وهو جماعة الحوثي، ووضعت الطرفين في خانة واحدة في الصراع اليمني “المجلس القيادي الرئاسي” الحكومي مقابل “المجلس السياسي الأعلى” للحوثيين، بدلا من التوصيف القانوني السابق لملف الصراع اليمني بأنه صراع بين (سلطة شرعية) و(قوة انقلابية) ممثلة بالحوثيين، وهو ما يخدم الطرف الأخير دبلوماسيا في المحافل الدولية، مع فارق سيطرته على العاصمة صنعاء والجزء الأكبر من المحافظات اليمنية في الشمال ذات الأغلبية السكانية.
وبدا هذا القرار الرئاسي اليمني بلغة “إملاءات سعودية” واضحة وفقا للعديد من الخبراء القانونيين، الذين أشاروا إلى انكشافها وراء عبارة “لا رجعة عنها”، في قرار هادي تفويض صلاحياته الرئاسية للمجلس القيادي الرئاسي الذي أعلنه خلفا له، رغم أنه قرار مخالف للدستور والقانون اليمني وللشرعية الدستورية، مستغلين بذلك استياء الشارع اليمني من الفشل الذريع للرئيس هادي في إدارة دفة الحكم ودخول البلاد في عهده أتون حرب ضارية مع الانقلابيين الحوثيين التي تشارف على إكمال عامها الثامن.
وتزامنت هذه القرارات الرئاسية مع انتهاء مؤتمر المشاورات اليمنية – اليمنية في الرياض الذي انعقد برعاية مجلس التعاون الخليجي، دون معرفة الغايات والأهداف لهذا المؤتمر، إلا عقب صدور هذه القرارات، التي أظهرت “مؤتمر الرياض 2” وكأنه “مسرحية” لإضفاء الشرعية على هذه المخرجات المرسومة سلفا من قبل السلطات السعودية في اليمن، كما حاولت إضفاء الشرعية على تدخل قوات التحالف العربي في اليمن عبر “مؤتمر الرياض 1” عام 2015.
وكان الرئيس هادي أصدر قرارا جمهوريا أطلق عليه تسمية “إعلان” نقل السلطة وتضمّن الإشارة لتفاصيله اللاحقة عبارة “ما هو آت”، وهما عبارتان غريبتان عن الاستخدام القانوني في اليمن، وهو ما يوحي بأن صياغة هذا القرار كانت سعودية بامتياز، وسُلّم جاهزا للرئيس هادي في اللحظات الأخيرة لقراءته أمام الكاميرا، حيث بدا مرتبكا أثناء وعلامات الاستياء بادية على تقاسيم وجهه.
وتضمنت المادة الأولى من هذا القرار الرئاسي تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، وتنص على أنه “ينشأ بموجب هذا الإعلان مجلس قيادة رئاسي لاستكمال تنفيذ مهام المرحلة الانتقالية، وأفوّض مجلس القيادة الرئاسي بموجب هذا الإعلان تفويضاً (لا رجعة فيه) بكامل صلاحياتي وفق الدستور والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية”.
وتنص هذه المادة على أن “مجلس القيادة الرئاسي، بالإضافة لصلاحياته الواردة أعلاه، يختص بكافة صلاحيات نائب الرئيس”. وتضمن قرار هادي أن “يكون مجلس القيادة الرئاسي برئاسة رشاد محمد العليمي، وبعضوية سبعة أعضاء هم، سلطان علي العرادة، طارق محمد صالح، عبد الرحمن أبو زرعة، عبدالله العليمي باوزير، عثمان حسين مجلي، عيدروس قاسم الزبيدي، وفرج سالمين البحسني”، نصفهم من الشمال، بما فيهم رئيس المجلس، والنصف الآخر من الجنوب.
وكلّف قرار هادي مجلس القيادة الرئاسي باختصاصات إدارة الدولة سياسياً وعسكرياً وأمنياً طوال المرحلة الانتقالية واعتماد سياسة خارجية متوازنة تحقق المصالح الوطنية العليا للدولة وبنائها على أسس الاستقلالية والمصالح المشتركة بما يحفظ سيادة الدولة وأمنها وحدودها، وتيسير ممارسة الحكومة لاختصاصاتها بكامل صلاحياتها طوال المرحلة الانتقالية واعتماد السياسات اللازمة لتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب في جميع أنحاء الجمهورية اليمنية.
كما تضمن تشكيل اللجنة الأمنية والعسكرية المشتركة لتحقيق الأمن والاستقرار من خلال اعتماد السياسات التي من شأنها أن تمنع حدوث أي مواجهات مسلحة في كافة أنحاء الجمهورية، وتهيئة الظروف واتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق تكامل القوات المسلحة تحت هيكل قيادة وطنية موحدة في إطار سيادة القانون، وإنهاء الانقسام في القوات المسلحة ومعالجة أسبابه، وإنهاء جميع النزاعات المسلحة، ووضع عقيدة وطنية لمنتسبي الجيش والأجهزة الأمنية، وأي مهام يراها المجلس لتعزيز الاستقرار والأمن، وتعزيز المساواة بين المواطنين في كافة الحقوق والواجبات وتحقيق الشراكة الواسعة.
وجعل القرار الرئاسي في مقدمة أولويات مهام مجلس القيادة الرئاسي مهمة “التفاوض مع (أنصار الله) الحوثيين لوقف إطلاق نار دائم في كافة أنحاء الجمهورية والجلوس على طاولة المفاوضات للتوصل إلى حل سياسي نهائي وشامل يتضمن مرحلة انتقالية تنقل اليمن من حالة الحرب إلى حالة السلام”، وهي المرة الأولى منذ الانقلاب الحوثي على السلطة الشرعية عام 2014 التي يسمى فيها الحوثيون بـ”أنصار الله” في الخطاب الحكومي، وهو مؤشر آخر على أن من قام بصياغة هذا القرار الرئاسي طرف غير يمني، والذي بدت فيه مفردات الحياد السياسي، لكسب ود الحوثيين من أجل قبولهم الدخول في مباحثات مقبلة لوقف إطلاق النار وإنهاء العمليات العسكرية لقوات التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.
وخصّ القرار الرئاسي رئيس مجلس القيادة الرئاسي حصراً بالصلاحيات والاختصاصات التالية:
القيادة العليا للقوات المسلحة، تمثيل الجمهورية في الداخل والخارج، تعيين محافظي المحافظات ومدراء الأمن وقضاة المحكمة العليا ومحافظ البنك المركزي، بعد التشاور مع رئيس مجلس الوزراء، على أن يتم التوافق على الأسماء مع أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، بالاضافة إلى المصادقة على الاتفاقيات التي لا تحتاج إلى تصديق مجلس النواب بعد موافقة مجلس الوزراء وكذا إنشاء البعثات الدبلوماسية وتعيين واستدعاء السفراء طبقاً للقانون، ودعوة مجلس الوزراء إلى اجتماع مشترك مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي كلما دعت الحاجة إلى ذلك، وإعلان حالة الطوارئ والتعبئة العامة وفقاً للدستور والقانون مالم ير مجلس القيادة الرئاسي بأغلبية الثلثين عدم الإعلان، والدعوة إلى انعقاد الجلسات الاعتيادية وغير الاعتيادية لمجلس القيادة الرئاسي.
وبدت تفاصيل هذه الصلاحيات وكأنها نص دستوري جديد تنسف الصلاحيات الدستورية المخوّلة لرئيس الجمهورية، وهو ما يعد نسفا للشرعية التي كانت تتحلى بها الحكومة اليمنية منذ انقلاب جماعة الحوثي عليها نهاية العام 2014، والتي أسفرت عن اندلاع هذه الحرب الراهنة.