هلال خاشان/جيوبوليتكال فيوتشرز -
في مايو/أيار الماضي، حذر وزير الطاقة السعودي "عبدالعزيز بن سلمان" من "نفاد الطاقة في العالم على جميع المستويات".
وورد مؤخرا أن الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" تحدث إلى نظيره الأمريكي "جو بايدن" ليطلعه على ما قاله رئيس الإمارات "محمد بن زايد" الذي أكد أن بلاده وصلت إلى طاقتها الإنتاجية القصوى من النفط، مضيفا أن السعوديين يمكن أن يرفعوا مستويات إنتاجهم بمقدار 150 ألف برميل فقط في اليوم وأن زيادة الإنتاج تتطلب 6 أشهر إضافية.
وفاجأت هذه الأخبار المسؤولين الأمريكيين الذين اعتقدوا أن السعوديين والإماراتيين يرفضون زيادة الإنتاج انتقاما من قرار "بايدن" بخصوص صفقة طائرات "إف35" مع الإمارات، وعدم استعداده للتواصل مع ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان".
وفي حين أن السعودية والإمارات لديهما شكاوى من "بايدن"، فإن عدم رغبتهما في زيادة الإمدادات يرجع فعلا إلى حقيقة أنهما لا يمتلكان طاقة فائضة.
ومنذ سبعينيات القرن الماضي، بالغ أفراد العائلة المالكة السعودية باستمرار في تقدير احتياطياتهم من الهيدروكربونات وقدراتهم الإنتاجية الفائضة، مما أكسب السعودية سمعة كمنتج متأرجح، بمعنى أنها قادرة على تخفيض الإنتاج إذا انخفضت الأسعار عن المستوى المطلوب، أو زيادة الإنتاج إذا ارتفعت الأسعار عن هذا المستوى.
ولأن السعودية لديها أكبر طاقة إنتاجية فائضة في العالم، ولأنها تستطيع تخفيض الإنتاج ضمن حدود معينة دون التأثير على أدائها الاقتصادي، من الطبيعي أن تكون حصتها في التخفيض أو زيادة الإنتاج أكبر من أي دولة أخرى في "أوبك" أو "أوبك+". وأعطت هذه القدرة السعودية أهمية سياسية واستراتيجية لا تتمتع بها دول النفط الأخرى.
ولطالما أبدى خبراء النفط السعوديون ثقتهم في قدرة المملكة على تلبية الطلب المتزايد ومعالجة عدم اليقين في السوق. وعلى مدى سنوات، حث خبراء الطاقة السوق العالمية على الثقة في "قدرة السعودية على زيادة الإنتاج لتلبية الطلب المتزايد".
وفي عام 2008، عندما بلغ سعر النفط ذروته عند 147 دولارًا للبرميل، قال المسؤولين السعوديون إنهم سيعززون الإنتاج على الفور بمقدار 1.3 مليون برميل في اليوم، وهو ادعاء قبلته وكالة الطاقة الدولية وخبراء النفط بسهولة. وفي عام 2020، ادعى الرئيس التنفيذي لشركة بترول أبوظبي الوطنية أن شركته يمكن أن تنتج 4 ملايين برميل يوميًا في غضون وقت قصير.
وحتى بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، أكدت المملكة أن طاقتها الإنتاجية الاحتياطية قصيرة الأجل تبلغ 1.2 مليون برميل يوميًا وقدرتها طويلة الأجل عند 2.5 مليون برميل يوميًا، وهي مستدامة لمدة 90 يومًا على الأقل. وبذلك يوجد لدى دول "أوبك +" طاقة فائضة تبلغ 6.9 مليون برميل في اليوم، نصفها من السعودية والإمارات.
لكن الواقع أن السعودية والإمارات لم تقولا الحقيقة بشأن طاقتهما الإنتاجية، ولم يتم اختبار مزاعمهما على الإطلاق. وقدرت شركة "أرامكو" الواقع السعودي في عام 1989 وقالت إن احتياطي النفط السعودي بلغ 170 مليار برميل. ومنذ ذلك الحين، لم يتم الإبلاغ عن أي اكتشافات نفطية جديدة مهمة.
ومع ذلك، عدلت "أرامكو" تقديراتها للاحتياطات في عام 2017 إلى 268 مليار برميل، بالرغم أنها استخرجت 96 مليار برميل خلال تلك الفترة. وبافتراض أن رقم عام 1989 أكثر دقة من تقديرات عام 2017، فإن ذلك يعني أن السعودية استنفدت بالفعل 57% من احتياطياتها المؤكدة.
وبالرغم من حملة العلاقات العامة التي قام بها المسؤولون السعوديون، توقع مراقبون مستقلون في وقت مبكر من عام 2011 أن "أرامكو" ستفقد الطاقة الإنتاجية الفائضة قريبًا.
وفي عام 2013، بدأت المملكة في استخدام ثاني أكسيد الكربون لتعويض نضوب الإنتاج من حقل الغوار، أكبر حقل نفط في العالم تم اكتشافه في عام 1948 ويمثل 25% من إجمالي الإنتاج السعودي. وفي عام 2017، خفض بعض المحللين الماليين تقييم "أرامكو" المثير للجدل من 2 تريليون دولار إلى 1.1 تريليون دولار.
وفي سبتمبر/أيلول 2019، خفض السعوديون الإنتاج بمقدار 5.7 مليون برميل يوميًا بعد الهجمات التي استهدف منشآت أرامكو في بقيق وخريص. وأكدت وزارة الطاقة السعودية للمستهلكين أن "أرامكو" ستستعيد إنتاج 12 مليون برميل يوميا بحلول نهاية هذا العام. وتجاهل الإعلان حقيقة أن الأمر سيستغرق عدة أسابيع لتقييم الضرر، ناهيك عن إصلاحه.
وللوفاء بالتزاماتها التصديرية، اشترت "أرامكو" نفطًا عراقيًا له مواصفات مماثلة لتلك الخاصة بها. لكن يبدو أن هذه الإمدادات أتت من إيران، التي تهرب نفطها إلى منطقة البصرة وتعيد تسميته على أنه نفط عراقي - مما يعني أن السعوديين ربما كافئوا طهران على الهجمات ضد المنشآت النفطية السعودية.
وفي الربع الثاني من عام 2020، رفعت أرامكو إنتاجها إلى 12.1 مليون برميل يوميًا، وكادت تنفد صهاريج تخزين النفط. ومنذ أكثر من عامين، أعلنت أنها ستزيد طاقتها الإنتاجية القصوى من 12 مليون برميل في اليوم إلى 13 مليون برميل في اليوم دون تحديد موعد مستهدف بالرغم أنه من غير المحتمل أن يحدث ذلك قبل عام 2027.
والمشكلة هي أن الإنتاج المستدام الحالي لأرامكو أقل بكثير من 12 مليون برميل في اليوم، ربما أقل من 10 ملايين برميل في اليوم، لأن طاقتها الفائضة اختفت فعليًا حتى قبل أن يطلق ولي العهد الأمير "محمد بن سلمان" في عام 2016 مبادرته لرؤية 2030 التي تسعى إلى تنويع الاقتصاد السعودي.
ويسعى البرنامج الوطني للطاقة المتجددة إلى إعداد السعودية لمرحلة ما بعد النفط من خلال ضمان أن تمثل مصادر الطاقة المتجددة ما لا يقل عن 50% من الاستهلاك المحلي.
وفي عام 2016، أنهى تشكيل "أوبك+" التنافس بين المنتجين وأوقف تخمة النفط - التي تسببت في انخفاض الأسعار بنسبة 57% بين عامي 2014 و 2016 - مما أدى إلى ارتفاع الأسعار الذي بدأ في عام 2017، والذي من المفترض أنه عزز قدرة المملكة على تجديد وتوسيع مواردها النفطية.
ومع ذلك، ضخ السعوديون 10.42 مليون برميل يوميًا الشهر الماضي، وهو ما يمثل زيادة قدرها 60 ألف برميل فقط عن مايو/أيار، بالرغم من الضغوط الأمريكية المتزايدة لزيادة الطاقة الإنتاجية.
وعلى مدى الأشهر الستة المقبلة، سيرتفع الإنتاج السعودي إلى 11 مليون برميل في اليوم، وهي زيادة طفيفة تمثل أقصى ما يمكن أن تفعله الرياض لتحقيق الاستقرار في السوق وتأتي على حساب استنزاف احتياطياتها الاستراتيجية في الداخل والخارج.
وبالنظر إلى حالة عدم اليقين في سوق النفط، فإن السعودية ليست حريصة على زيادة إنتاجها إلى ما يزيد عن 12.5 مليون برميل يوميًا. وتريد المملكة حلا وسطا بين الإنفاق المكثف على زيادة السعة النفطية (لتجنب الخسارة في حال فقد النفط قيمته الاستراتيجية) وتراجع الإنتاج بشكل قد يضر بأهميتها الجيواستراتيجية.
وتستثمر "أرامكو" المزيد من الموارد المالية في صيانة البنية التحتية وإضافة المزيد من الآبار الجانبية مقارنة بحفر آبار جديدة باهظة الثمن. وتخطط الإمارات، التي تعمل على تنويع اقتصادها بسرعة، لزيادة طاقتها الإنتاجية القصوى من النفط إلى 5 ملايين برميل في اليوم بحلول عام 2030، بشرط استثمار 30 مليار دولار في البنية التحتية.
ولم ترفض السعودية مطالب "بايدن" بزيادة الإنتاج لأنه انتقد المملكة خلال حملة الانتخابات الرئاسية ورفض التواصل مع ولي العهد بسبب مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي". وكان سبب رفضها لهذه الدعوات هو أنها لا تستطيع زيادة الإنتاج دون استنزاف مخزونها.
وحتى إذا كانت السعودية تمتلك طاقة إنتاجية فائضة كبيرة، كما تدعي، فهي ملزمة بالامتثال لاتفاق "أوبك+" الذي ينظم إنتاج النفط ويمنح الرياض مزايا أكثر أهمية مما ستحصل عليه إذا تجاوبت مع مطالب الولايات المتحدة.
ووصل "بايدن" في 15 يوليو/تموز إلى جدة قادما من إسرائيل، ويأمل أن تحقق زيارته انفراجة في العلاقات الشرق أوسطية من خلال تسريع اندماج إسرائيل الكامل في الشؤون الإقليمية، وإنشاء تحالف دفاعي جماعي، وزيادة شحنات النفط من دول مجلس التعاون الخليجي، لا سيما السعودية والإمارات، لكن هذه التوقعات تواجه واقعا قاتما.
لقد أسس الاجتماع التاريخي الذي عقد عام 1945 بين الرئيس الأمريكي "فرانكلين روزفلت" والملك السعودي "عبد العزيز" على متن السفينة "يو إس إس كوينسي" في قناة السويس شراكة فريدة مبنية على صادرات النفط، لكن الحظر النفطي العربي عام 1973 صدم الولايات المتحدة وأدى إلى ارتفاع أسعار النفط.
ومنذ ذلك الحين، قام جميع الرؤساء الأمريكيين الحريصين على استمرار تدفق النفط السعودي بزيارة المملكة للحفاظ على هذه العلاقة المحفوفة بالمخاطر، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول وصعود التوسع الإيراني، لكن زيارة "بايدن" من غير المرجح أن تغير بشكل جوهري الحقائق الحالية لسوق النفط أو العلاقات في الشرق الأوسط.
وقبل بضعة أشهر، رد "بن سلمان" على سؤال حول ما إذا كان "بايدن" قد أساء فهمه بالقول "إن الأمر متروك له للتفكير في مصالح أمريكا". ويعتقد المراقبون أنه كان يشير إلى اعتماد الولايات المتحدة على إنتاج النفط السعودي. وعلى الأرجح، كان يشير إلى العلاقات الاقتصادية والتعاون العسكري ومشتريات الأسلحة، نظرًا لأن الرياض ليس لديها نفط لتقدمه أكثر مما تنتجه بالفعل.
ويدرك "بايدن" ذلك، لكنه لا يزال يأمل أن تساعد السعودية والإمارات في تخفيف الضغط على سوق النفط، لأن العقوبات على روسيا ستستمر في المستقبل المنظور. ويتوقع "بايدن" الحصول على تعهد بزيادة شحنات النفط بدءًا من يناير/كانون الثاني، وفي ذلك الوقت ستكون دول "أوبك +" قد أوفت بالتزاماتها ويمكنها البدء في إعادة بناء طاقتها الإنتاجية.