طه العاني - الخليج أونلاين-
تتعرض إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لضغوط داخلية متزايدة من أجل خفض أسعار الوقود، خاصة بعد فشله في إقناع دول الخليج بزيادة كبيرة بإنتاج النفط وخفض أسعاره خلال زيارته إلى السعودية، في يوليو الماضي.
ومع اقتراب انتخابات التجديد النصفي الأمريكية، في 8 نوفمبر 2022، ومساعي الحزب الديمقراطي للاحتفاظ بالسيطرة على الكونغرس، يتجه بايدن إلى تفعيل قانون "نوبك"، في مناورة سياسية بهدف تخفيف نقمة الشارع الأمريكي الغاضب من استمرار ارتفاع أسعار الطاقة.
جدوى رفع الإنتاج
ورغم إعلان تحالف "أوبك+"، الأربعاء 3 أغسطس، زيادة إنتاج النفط بمقدار 100 ألف برميل يومياً، في سبتمبر المقبل، وسط ترحيب أمريكي بالخطوة، فإن تقارير تؤكد أن دول الخليج لا يمكنها حالياً رفع إنتاجها النفطي بشكل كبير يرضي واشنطن لتعويض الحظر الروسي وخفض أسعار المنتجات في الولايات المتحدة، حيث إن زيادة القدرة الإنتاجية لدول مجلس التعاون تتطلب ضخ استثمارات جديدة تحتاج إلى سنوات طويلة لتحقيق أهدافها.
وتشير صحيفة "الراي" الكويتية بتقرير نشرته، في 28 يوليو الماضي، إلى أن الهواجس لا تزال تراود الدول النفطية، سواء في الخليج أو غيرها، حول إمكانية تفعيل أمريكا لقانون "نوبك" واستخدامه على طريقة (العصا والجزرة) كوسيلة ضغط بفرض رسوم على تلك الدول، الأمر الذي سيبطئ ضخ الاستثمارات الجديدة في القطاع، في حين أن المطالبة الأمريكية برفع الإنتاج تعاكس تماماً تحركاتها على أرض الواقع وقرارات الدول الأوروبية بالتحول للسيارات الكهربائية خلال 13 عاماً من الآن.
السيناريو المتوقع
ويبيّن التقرير أن الدول النفطية ستكون أمام سيناريوهين؛ يتمثل الأول في اختلال التكتلات النفطية، سواء "أوبك" أو "أوبك+"، وهذا يعني انهيار أسعار النفط، مثلما حصل عام 2020 عندما وصلت إلى 16 دولاراً للبرميل، ولولا التكتلات النفطية التي قادتها السعودية، والثقة التي تم بناؤها بين الدول النفطية لأصبحت ميزانياتها بالسالب.
وأما السيناريو الثاني فهو تحرك الدول النفطية وتكتلاتها للحصول على ضمانات عالمية بعدم تهديدها بالقوانين التي يتم التحضير لها أو التلويح بالغرامات وفرض العقوبات عليها في حال لم تخضع للمطالبات الأمريكية أو الأوروبية في أي مرحلة ما.
ويلفت التقرير إلى أن انخفاض المخزون العالمي الاستراتيجي من النفط لنحو النصف يؤكد أن العالم الغربي أمام معضلة مقبلة ما لم يعد بناء مخزوناته الاستراتيجية مرة أخرى.
ومن المرجح أن تعزز واشنطن وجودها في المنطقة للحصول على امتيازات حقيقية، بعدما تأكدت من أن التكتلات الجديدة أصبحت أكثر صلابة وتأثيراً في العالم، في محاولة لتحييد المنطقة وعدم تركها لروسيا والصين.
تشريع "نوبك"
وكانت لجنة تابعة لمجلس الشيوخ الأمريكي أقرت، في 5 مايو الماضي، مشروع قانون من شأنه أن يعرض الدول الأعضاء في منظمة "أوبك" وشركاءها للمساءلة بموجب قوانين مكافحة الاحتكار، وذلك لتنسيقها خفضاً في الإمدادات بما يرفع أسعار النفط العالمية.
ويشير موقع قناة "الحرة" الأمريكية إلى أن مشروع قانون "لا لتكتلات إنتاج وتصدير النفط" المعروف اختصاراً باسم "نوبك"، هدفه حماية المستهلكين والشركات في الولايات المتحدة من الارتفاعات المتعمدة في أسعار البنزين وزيت التدفئة، لكن بعض المحللين يحذرون من أن تطبيقه قد يكون له بعض التداعيات الخطيرة غير المقصودة.
ولتفعيل العمل بهذا القانون فإنه يستوجب إجراء تعديلات على قانون مكافحة الاحتكار الأمريكي؛ لإلغاء الحصانة السيادية التي تحمي "أوبك" وشركات النفط الوطنية في دولها الأعضاء من الدعاوى القضائية.
وإذا أصبح "نوبك" قانوناً سارياً فسيكون بمقدور المدعي العام الأمريكي مقاضاة الدول الأعضاء في منظمة "أوبك"، والمتحالفين معها من الدول النفطية مثل روسيا وغيرها.
يهدد أمن الطاقة
من جانبه حذر معهد البترول الأمريكي، وهو أكبر تكتل في قطاع صناعة النفط بالولايات المتحدة، من أن مشروع قانون "نوبك" قد يضرّ بمنتجي النفط والغاز في الداخل الأمريكي.
ويتخوف خبراء القطاع النفطي في أمريكا من أن يؤدي "نوبك" إلى زيادة إنتاج "أوبك" عن حاجة السوق، وانخفاض الأسعار إلى درجة تجد معها شركات الطاقة الأمريكية صعوبة في تعزيز الإنتاج، خاصة أن السعودية ودولاً أخرى من "أوبك" لديها أرخص الاحتياطيات النفطية وأسهلها في الاستخراج.
وحول ذلك يقول مستشار شؤون الطاقة وتسويق النفط فيصل الفايق، بأن المشرّع الأمريكي فشل في إقرار قانون "نوبك" طوال 20 عاماً؛ لأنه يتضمن مخاطر مزدوجة على الولايات المتحدة، ويؤثر على الاقتصاد الأمريكي وقطاع الطاقة قبل حتى أن يصيب منتجي "أوبك" الذين يذهب غالبية إنتاجهم النفطي للسوق الآسيوية.
ويحذّر الفايق، في مقال نشرته صحيفة "المال" السعودية، في 16 مايو الماضي، من أن قانون "نوبك" يُهدّد أمن الطاقة العالمي، واستقرار أسواق النفط، واستقرار الاقتصاد الأمريكي قبل العالمي أكثر من تهديده لأعضاء "أوبك" أو أكبر منتجيها.
ودعا الفايق دول منتجي منظمة "أوبك" للابتعاد عن ذراع هذا القانون من خلال عدم التعاطي مع الأسواق الأمريكية، سواء في النفط الخام أو المنتجات البترولية، وهذا قد يكون العلاج الجذري للحد من تهديد قانون "نوبك" على صادرات نفط "أوبك"، سواء طبق القانون أم لم يطبق.
ورقة ضغط
ويرى الخبير النفطي أحمد صدام، أن مدى إمكانية تفعيل هذا القانون محتملة بشكل أكبر من المحاولات السابقة؛ بسبب ارتفاع مستويات التضخم وفشل محاولة بايدن لزيادة المعروض من النفط بشكل كبير بعد زيارته الأخيرة إلى الشرق الأوسط.
ويبين في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن فعالياتها تتمثل في خطورتها كورقة ضغط كبيرة، إذ يسمح القانون الجديد بمقاضاة "أوبك" أو دول محددة فيه، ومن ثم يمثل هذا القانون ضغطاً سياسياً كبيراً على حكومات الدول المنتجة للنفط والأعضاء في المنظمة.
ويشير صدام إلى أن تفعيل هذا القانون سيؤثر على طبيعة العلاقة بين واشنطن ودول الخليج، ويضع الحكومات في موقف محرج أمام شعوبها؛ "لأن الانصياع لتطبيق هذا القانون يعني السيطرة الخارجية على المقدرات الاقتصادات النفطية المهمة مثل دول الخليج".
كما أن عدم التماشي مع السياسة الأمريكية من خلال هذا القانون ربما يدفع واشنطن إلى اتخاذ إجراءات اقتصادية أخرى، وفق صدام، "لا سيما في مجال الاستثمار ونقل التكنولوجيا والدعم السياسي والحماية الأمريكية للمنطقة الخليجية من أجل أمن الطاقة".
ولا يعتقد صدام أن هناك إجراءات لمواجهة هذا القانون في حال تطبيقه، "فدول الخليج ترتبط بعلاقة تحالف استراتيجي مع واشنطن؛ ومن ثم فإن المصلحة الاقتصادية ستفرض على سياسات تلك الدول التماشي مع القانون تحاشياً لتدهور العلاقة في المستقبل".