أومود شكري- منتدى الخليج الدولي - ترجمة الخليج الجديد-
قبل زيارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" إلى جدة في منتصف يوليو/تموز الماضي، التزمت السعودية والإمارات بخطة "أوبك+" لتوسيع الإنتاج النفطي. وتشير التقديرات إلى أن الزيادات التي كان من المخطط إجراؤها في 3 أشهر تم تحقيقها في غضون شهرين فقط، وهو ما أدى إلى تراجع نسبي في سعر النفط بغض النظر عن الضغط الأمريكي.
لذلك لم ينظر كثير من خبراء سوق النفط بأهمية إلى زيارة "بايدن" باعتبار أنها لن تؤدي إلى تنازلات أخرى على الأرجح، حيث إن دول الخليج تهتم بزيادة طاقتها الاحتياطية أكثر من زيادة الإنتاج الفوري حاليا.
وكان مسؤولون أمريكيون قالوا سابقًا إن "بايدن" سيناقش أمن الطاقة مع منتجي النفط الخليجيين خلال زيارته للسعودية، على أمل في رؤية المزيد من خطوات "أوبك+" لزيادة الإنتاج. ووعد ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" في 23 يونيو/حزيران الماضي في اجتماع قمة بين مسؤولين أمريكيين وعرب بأن السعودية ستزيد طاقتها الإنتاجية من النفط من 12 مليون برميل حاليًا إلى 13 مليون برميل بمرور الوقت، لكنه أكد أن هذه الزيادة ستحدث على مدى السنوات الست المقبلة وليس على المدى القصير.
وشدد "بن سلمان" على أن "السعودية لن يكون لديها القدرة على زيادة طاقتها الإنتاجية لاحقا"، مستشهداً بوفورات الحجم والتوجهات المتراجعة في سوق النفط. وقال وزير خارجية السعودية "فيصل بن فرحان"، بعد الاجتماع مباشرة، إنه "لم تكن هناك مفاوضات نفطية في هذا الاجتماع". لذلك لم يصدر بيان مشترك من قبل الولايات المتحدة والسعودية والإمارات بشأن الاتفاق على زيادة إنتاج النفط.
وألقى ارتفاع أسعار النفط بظلال سلبية على اقتصاد الدول المستهلكة الرئيسية لا سيما في أوروبا. وأدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى زيادة المخاوف بشأن أمن الطاقة في أوروبا، خاصة بعد أن دعت وكالة الطاقة الدولية إلى ضرورة اتخاذ تدابير لتقليل الطلب على الطاقة في أوروبا إذا أرادت القارة عدم اللجوء للنفط الروسي خلال فصل الشتاء.
وبعد فشل الولايات المتحدة في إقناع "بن سلمان" بتوسيع إنتاج النفط السعودي لخفض أسعار النفط، تواجه أسواق متعددة قيودًا متعلقة بالطاقة. وأدت التوقعات بحدوث تراجع محتمل في الطلب إلى انخفاض أسعار النفط مؤخرًا، ومع ذلك لا تزال شحنات النفط تُباع عند أعلى مستوى لها منذ 14 عامًا بسبب نقص النفط الخام.
وتظهر البيانات الرسمية أنه بين 2019 وأوائل 2021، شهدت الولايات المتحدة انخفاضًا في إنتاج النفط بنحو 3 ملايين برميل يوميًا، وقد تضاعف هذا الرقم منذ ذلك الحين. وخفضت "ديفون إينرجي" وشركات أخرى عمليات الحفر بشكل مفاجئ أثناء الوباء ووفرة النفط آنذاك؛ وقد انخفض عدد منصات النفط النشطة من 1077 في أواخر عام 2018 إلى 250 في منتصف عام 2020.
وفي الوقت الحالي، تحقق الأسهم النفطية مكاسب كبيرة، ولا يرغب المستثمرون ولا الشركات في العودة إلى الوراء. وبالرغم أن إيران وفنزويلا قد تزيدان إنتاجهما إذا خفضت الولايات المتحدة العقوبات المفروضة على طهران وكاراكاس، إلا أن الأسواق المالية ظلت متشككة في هذه الاحتمالات. وبحسب بنك "جولدمان ساكس"، إذا تم رفع العقوبات يمكن أن تضيف فنزويلا حوالي 500 ألف برميل يوميًا فقط بينما لن يزيد إنتاج إيران بشكل كبير.
من ناحية أخرى، تعمل معظم شركات النفط الأمريكية حاليًا بأقصى مستوى إنتاجي لها. وقال "جيسون هيريك"، مالك شركة "بانتيرا" في تكساس، إنه يحاول استخراج المزيد من النفط بسبب الارتفاع التاريخي في الأسعار، لكن مثل العديد من الشركات الأخرى في الولايات المتحدة، شهدت شركته عوائق كبيرة تتعلق بالتداعيات المستمرة للوباء، الذي أدى إلى انخفاض أسعار النفط بشكل حاد مؤقتا وألحق أضرارًا بالغة بالتدفق النقدي.
وعلى الصعيد السياسي، أثارت عملية "إعادة التوازن" مخاوف في الولايات المتحدة لأن مكافحة تغير المناخ كانت جزءا أساسيًا من حملة "بايدن" الانتخابية، مما أدى إلى شكوك في أنه سيدفع باتجاه تشريع للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وتسريع التحول إلى الطاقة المتجددة.
تعويض النفط الروسي
تمتلك "أوبك+" هامشًا صغيرًا لإنتاج المزيد من النفط - ربما مليوني برميل يوميًا - وهو هامش غير كافٍ لاستبدال جميع واردات روسيا إلى أوروبا بين عشية وضحاها. ويأتي معظم فائض الإنتاج من السعودية والإمارات. وقد صرح "بن سلمان" بوضوح أنه لن يتم الإفراج عن المزيد من الإمدادات، بالرغم من مناشدات إدارة "بايدن" المتكررة.
وبالرغم من تعرض روسيا لعقوبات شديدة من قبل الولايات المتحدة وأوروبا، لكن صادراتها النفطية ظلت قوية خلال الأشهر الستة الماضية. وفي يونيو/حزيران الماضي، نقلت "بلومبرج" عن مسؤول كبير في مجموعة "فيتول"، أكبر شركة تجارية خاصة للنفط في العالم، أن الولايات المتحدة ربما تغض الطرف عن انتهاكات العقوبات الإيرانية للسيطرة على أسعار النفط العالمية.
ولاحظ "مايك مولر"، رئيس القسم الآسيوي في مجموعة "فيتول"، أن إدارة "بايدن" قررت بالفعل غض الطرف عن صادرات النفط الإيرانية غير المشروعة بهدف احتواء الأسعار قبل انتخابات الكونجرس النصفية في نوفمبر/تشرين الثاني 2022. ووفقًا لـ"مولر"، قد يسمح "بايدن" لإيران بزيادة صادراتها النفطية حتى لو لم يتم التوصل إلى اتفاق نووي.
ويعتقد البعض أنه مع رفع العقوبات وعودة إيران إلى السوق ستستقر الأسعار، لكن بالنظر إلى أن إيران تواصل بالفعل تصدير النفط إلى الصين وبعض العملاء الأوروبيين، لا يبدو أن السعر سينخفض مع عودة إيران رسميا إلى السوق.
وتكهن بعض المشرعين والمعلقين الأمريكيين بأن المسؤولين الإيرانيين قد لا يكونون مهتمين حقًا بإحياء الاتفاق النووي. وأشار "فيل فلين"، كبير محللي السوق في "برايس فيوتشرز جروب"، إلى أنه بالرغم من أن معظم التقديرات تشير إلى أن إنتاج النفط الإيراني اليومي يمكن أن يزيد بمقدار مليون برميل يوميًا، تشير تقديرات أخرى إلى أن زيادة الإنتاج ستكون أقرب إلى 800 ألف برميل يوميًا في حال تخفيف العقوبات خلال الأشهر المقبلة.
وفي مثل هذه الحالة، يمكن توقع انخفاض أسعار النفط نحو 80 دولارًا للبرميل مرة أخرى، بالرغم أن هذه الخطوة غير مؤكدة وتعتمد على النتيجة النهائية لمحادثات الاتفاق النووي.
وبالنظر إلى هذه القيود، من المرجح استمرار التقلبات في أسواق النفط العالمية في المدى القصير على الأقل. وقد تؤدي الحرب المستمرة في أوكرانيا، وعدم الاستقرار الذي يؤثر على إمدادات النفط الليبي، وفشل إيران وفنزويلا في العودة إلى سوق النفط، إلى ارتفاعات إضافية في أسعار النفط. وفي كل الأحوال يجب أن تستعد أوروبا لشتاء استثنائي بكل المقاييس.