صحيفة “واشنطن بوست”-
ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” أن الزيارة غير المريحة التي قام بها الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى السعودية هذا الصيف أصبحت موضع تمحيص من نقادها، وسط قرار أوبك+ تخفيض مستويات إنتاج النفط بمعدل مليوني برميل في اليوم، مما أغضب البيت الأبيض الذي بدأ بالبحث عن طرق للرد على القرار الذي اتخذه كارتل النفط في مقره بفيينا، الأربعاء.
وبرر بايدن في حينه الزيارة بأنها ضرورية لتعزيز العلاقات مع المملكة. وفي التقرير الذي أعده جون هدسون وتيلر بيجر قالا إن قرار السعودية الانضمام إلى الشركاء وتخفيض معدلات إنتاج النفط أدى لتبادل الاتهامات بين المسؤولين حول زيارة الرئيس بايدن إلى السعودية التي أمل من خلالها إعادة ضبط العلاقات معها وتحسين التعاون في مجموعة من القضايا بما فيها إمدادات النفط العالمية.
وأعرب عدد من الديمقراطيين عن غضبهم من قرار الأربعاء الذي رأوا فيه إهانة مباشرة للرئيس الأمريكي ومحاولة لتقويض حظوظ الحزب في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر النصفية نظرا لارتفاع أسعار الوقود أمريكا. ووجد المسؤولون الأمريكيون أنفسهم أمام معضلة حول كيفية الرد على احتمال ارتفاع أسعار النفط العالمية والتي قد تسهم في دعم آلة الحرب الروسية في أوكرانيا، ومنح الجمهوريين جدالا قويا حول التضخم. ووصف مسؤول في البيت الأبيض قرار أوبك بأنه “كارثة”، وقال آخر إن المسؤولين في الإدارة رأوا في التحرك استفزازا مقصودا صمم لتعزيز حظوظ الجمهوريين قبل الانتخابات. وقال مسؤولون آخرون إنهم لم يروا تحركا شريرا في القرار السعودي ولكنهم يعتبرونه ضيق نظر لزيادة أرباح النفط رغم التداعيات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية.
وقال بايدن يوم الخميس إن قرارات الكارتل لم تقوض معنى زيارته للسعودية في تموز/يوليو ولكنه كان مخيبا للأمل. وأخبر الصحافيين “لم تكن الزيارة بالضرورة عن النفط، وكانت الزيارة حول الشرق الأوسط وعن إسرائيل ومواقف التطبيع” و”لكنها كانت مخيبة”. وقالت أدريان واتسون، المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي إن مستشاري بايدن كلهم وافقوا على الزيارة في الصيف “وهناك إجماع بين مستشاري الأمن القومي البارزين لبايدن على أهمية الرحلة وتعزيز مصالح الأمن القومي”.
إلا أن التصريحات لم تكن كافية لكي تخفف من مستوى النقد للحكومة السعودية. وقال دين بيكر، الحليف للبيت الأبيض والاقتصادي في مركز أبحاث السياسة والاقتصاد “إنهم يبصقون في وجه بايدن” مضيفا أن “على كل شخص اعتقد أن الزيارة جيدة شرح هذا”. وكان يعرف المسؤولون في البيت الأبيض وحتى قبل زيارة بايدن للسعودية وسلام القبضة مع ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي محمد بن سلمان، أنها ستثير انتقادات. وأعلن بايدن أن حقوق الإنسان ستكون في مركز سياسته الخارجية وقال إنه سيجعل الدولة الغنية بالنفط “منبوذة”، إلا أن الرئيس كان واعيا حول أعباء زيادة أسعار النفط على أبناء الطبقة المتوسطة في أمريكا.
ودفع مستشارو بايدن لشؤون الشرق الأوسط والطاقة، بريت ماكغريك وعاموس هوشتسين باتجاه الرحلة كوسيلة لتقوية علاقات واشنطن وتحسين قدرتها على حماية تأثيرها في الشرق الأوسط والحد من استغلال الدولة الخليجية النفطية علاقاتها مع موسكو وبيجين، وذلك حسب مسؤولين ومساعدين في الكونغرس طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم. وطالما انقسم المسؤولون الأمريكيون حول كيفية التعامل مع العائلة المالكة. ومن فضل التعامل معها بطريقة باردة، تحدثوا عن الحرب غير الشعبية في اليمن وسجل الرياض في حقوق الإنسان ومقتل صحافي “واشنطن بوست” جمال خاشقجي. ودعوا لإعادة النظر في العلاقات بشكل كامل.
وبالمقابل شعر الكثيرون في وزارة الخارجية ووكالة التنمية الدولية أن هناك مساحة للمناورة، في ضوء نمو القدرة الإنتاجية للولايات المتحدة وكونها قوة عظمى في مجال الطاقة. وكانت محاولات بناء علاقة جديدة بعيدا عن تقارب دونالد ترامب مع السعودية أمرا جذابا للمعينين سياسيا في إدارة بايدن. وقال بعض المسؤولين إن مظاهر القلق بشأن زيارة السعودية شارك فيها وزير الخارجية أنطوني بلينيكن، رغم أن أكبر دبلوماسي أمريكي دعم الزيارة وشارك فيها بالنهاية. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس إن “وزير الخارجية بلينكن كان داعما لتواصل الإدارة مع شركائنا الإقليميين وعلى مستوى متعدد من المصالح”.
وبدأ الزخم الداعم لزيارة بايدن للسعودية بالتزايد في البيت الأبيض في أيلول/سبتمبر 2021 عندما بدأت أسعار النفط بالصعود، وفي الوقت الذي رفضت فيه السعودية والإمارات المطالب الأمريكية المتكررة بزيادة مستويات إنتاج النفط، وذلك حسب مسؤولين ومساعدين في الكونغرس على معرفة بالأمر. وجاءت اللحظة الحاسمة للدفع باتجاه الزيارة عندما غزت روسيا أوكرانيا في 24 شباط/فبراير، بشكل رفع من أسعار النفط العالمية، والتي أصبحت عبئا سياسيا محليا لبايدن ونكسة جيوسياسية. وانتهز ديمقراطيون متشككون من جدوى العلاقة الأمريكية- السعودية قرار أوبك+ لانتقاد الزيارة. وقال كريس ميرفي، السناتور الديمقراطي عن ولاية كونيكتيكت “أعتقد أن الوقت قد حان لعملية تقييم شامل للتحالف الأمريكي مع السعودية”. وقال مساعد ديمقراطي في الكونغرس قريب من مسؤولي الإدارة إن “نقاشا حادا جرى للزيارة داخل الإدارة، ولا أعرف الآن كيف يمكن لأي شخص النقاش أنها لم تكن خطأ”.
ونفى المسؤولون في البيت الأبيض أهداف الزيارة وأنها من أجل دفع السعوديين لزيادة معدلات الإنتاج، مضيفين أن النقاد أساءوا تقدير قدرة السعوديين على تخفيض أسعار النفط بالنسبة للمواطن الأمريكي العادي. وأشاروا إلى أن السعودية تضخ في كل يوم 11.1 مليون برميل وهو معدل لم تحافظ عليه في الماضي. إلا أن قرار أوبك+ عنى أن الزيادة في الإنتاج انتهت أسرع مما توقعت الولايات المتحدة. وقال المحللون إن السعودية واجهت ضغوطا لتخفيض مستويات الإنتاج بعد انخفاض سعر البرميل إلى 80 دولارا لأسبوعين بالشهر الماضي. وحاول المسؤولون الأمريكيون إقناع نظرائهم السعوديين أن مخاطر انخفاض سعر النفط أدنى من هذا السعر محدودة، لكن السعوديين لم يقتنعوا، وذلك حسب مسؤولين على معرفة بالنقاش. ولم يرد السعوديون للتعليق.
وبرر المدافعون عن الزيارة أن أهدافها الأخرى قد تحققت، مثل الهدنة في اليمن التي قالت جماعات الإغاثة إنها خففت العنف بمعدل 60% عند الإعلان عنها في نيسان/إبريل. لكن المبعوث الأمريكي الخاص تيم ليندركينغ عبر عن مخاوفه من “العودة إلى الحرب” بعد فشل الطرفين في تمديدها لفترة أخرى. وحتى أكبر المدافعين عن السعودية اعترفوا أن توقيت السعودية لتخفيض الإنتاج يعتبر ضربة قوية للولايات المتحدة وأنه جاء رغم المعارضة القوية للدبلوماسيين الأمريكيين الذين ضغطوا على نظرائهم حتى الساعات الأولى من صباح الأربعاء لتأجيل القرار.
وسارع المسؤولون في الوزارات الحكومية من الطاقة إلى وزارة الخارجية والمجلس الاقتصادي القومي للرد على الإعلان. ولم تظهر حلول، وبدأ المسؤولون بالنظر إلى إمكانية حظر أمريكي على تصدير النفط. وبحث المسؤولون إمكانية تخفيف العقوبات عن فنزويلا لتعويض النقص من تخفيض أوبك. وهي محاولة بعيدة، لأن الولايات المتحدة ترى ضرورة تفاوض نيكولاس مادورو مع المعارضة الفنزويلية قبل أي رفع للعقوبات. وفي بيان لمستشار الأمن القومي جيك سوليفان ورئيس المجلس الاقتصادي القومي قالا إن الإدارة تبحث عن آليات مع المشرعين لتخفيض سيطرة أوبك على أسعار الطاقة.