صحيفة “نيويورك تايمز”-
علقت صحيفة “نيويورك تايمز” على قرار منظمة “أوبك +” بتخفيض إنتاج النفط، أنه يعبر عن “محدودية دبلوماسية قبضة اليد” مع السعوديين. وجاء في تقرير أعده ديفيد سانغر وبن هبارد، أن تحرك “أوبك +” لخفض مستويات الإنتاج النفطي، يؤثر وبشكل حاد على جهود الرئيس بايدن لتجنب زيادة في أسعار البترول قبل الانتخابات النصفية، ويدفع للوراء الجهود للحد من الموارد المالية للنفط الروسي وتمويل جهود الحرب في أوكرانيا، كما يعرّي الجهود الدبلوماسية التي قام بها بايدن خلال الصيف مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وسلطت الخطوة الضوء على أوبك وحلفائها من منتجي النفط، وأكدت التحديات التي تواجه الولايات المتحدة في إدارة سياستها الخارجية والاقتصادية، في وقت يواجه الاقتصاد العالمي خطر الركود، وأصبحت فيه سياسات الطاقة مكونا رئيسيا في النزاع بأوكرانيا. وجاء القرار خلال اللقاء الذي عقدته أوبك في مقرها بفيينا، بحضور نائب رئيس الوزراء الروسي، والذي فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات.
وأتى القرار أيضا بعد جهود حثيثة غير ناجحة من واشنطن لوقف عملية خفض إنتاج النفط، مما يعني أن تأثير بايدن على حلفائه في الخليج كان أقل مما توقع. وكشف القرار أن النفط رغم محاولات التخلي عنه لا يزال أداة قوية في يد أعضاء أوبك، يستخدمونها لمصالحهم الخاصة. وفي هذه الحالة، ظهر أن الحفاظ على أسعار النفط مرتفعة يتفوق على معاقبة روسيا على غزوها لأوكرانيا.
وشهد اجتماع كارتل النفط بقيادة السعودية وروسيا، مناقشة سلسلة من القضايا التي تؤثر على كل شيء من القضايا الأجنبية والاقتصادية التي تطال كل شيء من السياسة المحلية في الولايات المتحدة إلى الحرب في أوكرانيا. وحاول البيت الأبيض وعلى مدى عدة أيام، منع تخفيض معدلات الإنتاج بمليوني برميل في اليوم.
وقال المسؤولون الأمريكيون إن بايدن قرر المخاطرة ومعالجة سلسلة من الاهتمامات المتعلقة بالأمن القومي الأمريكي، وأهمها زيادة معدلات إنتاج النفط، حتى لو عنى كما قال النقاد، المساهمةَ في إعادة تأهيل محمد بن سلمان بعد جريمة قتل جمال خاشقجي عام 2018.
ووعد بايدن أثناء الحملة الانتخابية بجعل السعودية دولة منبوذة. وكان التفاهم الظاهر من زيارة بايدن، هي زيادة السعودية الإنتاج بمعدل 750 ألف برميل في اليوم، فيما ستزيد الإمارات الإنتاج بنحو 500 ألف برميل يوميا، بشكل يؤدي لخفض أسعار الغاز والنفط، وتعقيد وضع بوتين لتمويل الحرب في أوكرانيا والتي طالت وسقط فيها ضحايا أكثر مما توقع بايدن.
إلا أن الزيادة في الإنتاج كانت عابرة، ففي الوقت الذي زادت فيه السعودية معدلات الإنتاج في تموز/ يوليو، وآب/ أغسطس، إلا أنها تراجعت عن وعدها للحفاظ على معدلات الإنتاج لبقية عام 2022. وخاف قادة السعودية وبقية أعضاء أوبك من منظور الركود العالمي الذي سيخفض أسعار النفط من 120 دولارا للبرميل في الصيف إلى 80 دولارا، وأقل من المستوى الذي تحتاجه الرياض لتجنب العجز في ميزانيتها، ولهذا قرر السعوديون التحرك.
وسيؤدي قرار الأربعاء لتخفيض الإنتاج اليومي العالمي بنسبة 2% مع أن جزءا من التخفيض وهمي؛ لأن أعضاء الكارتل يقومون بتخفيض الإنتاج خدمة لأهدافهم الخاصة. إلا أن الأثر على الأسعار سيكون عظيما، وبزيادة ما بين 15- 30 سنتا للغالون في محطات الوقود، حسبما يقدر الخبراء. وبالنسبة لبايدن حيث لا تبتعد الانتخابات النصفية عنه سوى شهر، فإن الأوضاع لن تكون أسوأ من هذا.
وبعيدا عن التضخم والآثار السياسية، فتخفيض معدلات إنتاج النفط يحطم أي فكرة عن تبني الحلفاء العرب جعل روسيا تدفع الثمن. وإيران هي أيضا عضو في أوبك وهي قريبة من روسيا، حيث باعتها طائرات مسيرة لدعم حربها في أوكرانيا.
ومن بين الذين حضروا الاجتماعات كان نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، الذي فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات لدعمه الحرب في أوكرانيا. ويلعب نوفاك دورا مهما في التعاون مع الدول الأخرى المنتجة للنفط، ويحاول البحث عن طرق لمنع محاولات الولايات المتحدة وأوروبا تحديد سعر للنفط الروسي. ولم يكن حاضرا في المؤتمر الصحافي بعد اللقاء.
وتواجه خطوات الحد من معدلات تصدير النفط الروسي مخاطر. ويعطي قرار “أوبك+” روسيا فرصة لحصد ثمار أسعار النفط العالية وتعويض التخفضيات التي أُجبرت على منحها للصين وغيرها، مقابل استعدادها لغض النظر عن جهود عزل البلد. وفي الجوهر، فعملية خفض الإنتاج هي بمثابة زيادة موارد روسيا النفطية وغيرها من الدول الأعضاء في أوبك بما فيها إيران.
وفي بيان لمستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، وبريان ديز، الذي يترأس المجلس القومي الاقتصادي في البيت الأبيض، قالا فيه إن بايدن يشعر “بخيبة الأمل من القرار ضيق النظر من أوبك+ لتخفيض إنتاج النفط، في وقت يواجه فيه الاقتصاد العالمي الأثر السلبي لغزو بوتين أوكرانيا”. وقالا إن بايدن “سيشاور الكونغرس للبحث عن أدوات إضافية وسلطات لخفض سيطرة أوبك على أسعار الطاقة”.
من جانبهم، لم يعتذر السعوديون عن قرارهم. وقال الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير النفط السعودي: “نفضل الاستباق بدلا من الندم”، ولم يقل شيئا عن الاتفاق مع واشنطن في تموز/ يوليو. وكان مدى الغضب والدهشة في البيت الأبيض واضحا، ففي يوم الثلاثاء، قالت المتحدثة الإعلامية كارين جين بيير للصحافيين: “لا نفكر بضخ جديد”، من الاحتياطات الإستراتيجية أبعد مما فعله بايدن سابقا.
وفي يوم الأربعاء وبعد 24 ساعة، صدر بيان من البيت الأبيض جاء فيه أن بايدن سيواصل توجيهاته بالإفراج عن احتياطي النفط الإستراتيجي بطريقة مناسبة ولحماية الأمريكيين ودعم أمن الطاقة. وقالت جين بيير: “من الواضح أن أوبك + تصطف مع روسيا بإعلان اليوم”. ولم يقل المسؤولون الأمريكيون إن كان بايدن قد ندم على سلام القبضة مع محمد بن سلمان، والذي كان قراره للتحرك بعيدا عن هدفه المعلن لتدفيع السعودية ثمن قتل خاشقجي المروع.
وكان عدم ارتياح بايدن واضحا في اللقاء، ولم يذكر اسم خاشقجي، وظل بن سلمان صامتا عندما سأله صحافي إن كان سيعتذر لعائلة الصحافي الراحل. وقال بايدن لاحقا إن عملية القتل صارخة، وإنه واجه ولي العهد في لقاء خاص بالجريمة وجعل موقفه واضحا مثل عين الشمس.
وقال المسؤولون الأمريكيون، إنه في وقت حققت الولايات المتحدة والسعودية تقدما في وقف الحرب باليمن، واتخذت الرياض خطوات تدريجية نحو الاعتراف بإسرائيل، فإن قرار الوقوف مع روسيا في سياسة النفط، يمثل خطوة أخرى في التباعد الإستراتيجي بين البلدين. ولو كان هناك درس من التجربة المُرّة لبايدن، فهو أن الوقت الذي كان يطلب فيه رؤساء أمريكا امتيازات خاصة من السعوديين قد ولّى.
وأبعد محمد بن سلمان نفسه بشكل مقصود عن واشنطن، وأنشأ علاقات مع الصين وروسيا، ووضح أن السعودية ليست شريكا صغيرا للولايات المتحدة، وأنه مستعد لرفض أي طلب لا يتوافق مع مصالح بلاده. وبدت هذه الدينامية واضحة منذ بداية رئاسة بايدن، وظهرت في عدد من المواقف، ولكنها بدت بوضوح في ظل محاولات بايدن ومستشاريه إعادة ضبط العلاقات مع المملكة، وكانت “القبضة” رمزا لهذه المحاولات، إضافة لموافقة السعودية على زيادة معدلات النفط والتي كانت جزءا من المقايضة.
وقرار الأربعاء يعطي صورة أن عملية إعادة الضبط كانت قصيرة، أو أن السعودية لا تعتقد بوجود منفعة لمواصلة تقديم امتيازات لإدارة بايدن. ورأى بعض المحللين لأن القرار هو ضربة مباشرة لبايدن، و”هي بالتأكيد سياسية، ولا علاقة لها بالمال” كما تقول سيزينيا بيانكو من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
ويضيف الكاتب أن السعوديين شعروا بخيبة أمل مما تلقوه من الولايات المتحدة بعد زيارة بايدن للمملكة، ولهذا شعروا أن التراجع يعطي منطقا سياسيا كلما وجدوا لذلك سبيلا. ومن جانب آخر يرى المحللون السعوديون أن التوصيف هذا ليس صحيحا.