متابعات-
من جديد يعود الحديث عن تحديد سقف لأسعار النفط والغاز، مع استمرار الحرب الأوكرانية الروسية، وسط مخاوف من تصاعد التوتر بين الأطراف المنتجة للنفط وأمريكا والدول الغربية.
ولعل تصريحات وزير الطاقة السعودي حول مخاطر تحديد سقف معين لسعر النفط السعودي، قد تجعل الحصول على الإمدادات أكثر صعوبة في الأسواق العالمية التنافسية، وهو ما قد يتسبب بأزمة سياسية واقتصادية جديدة على غرار تلك التي حدثت عقب تحديد سعر مماثل على الخام الروسي.
ومنذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير من العام الماضي، سعت الولايات المتحدة وأوروبا لفرض عقوبات على الإمدادات الروسية، ووضع حد أقصى لسعر النفط الروسي وأقرته نهاية العام الماضي، لكن هل سيطال الأمر النفط السعودي أيضاً، وما تأثيراته السياسية والاقتصادية إن حدث؟ يتساءل مراقبون.
تصريحات لافتة
على غير المتوقع خرجت تصريحات نارية من السعودية، تشير إلى خطوات أمريكية ودولية قد تتخذ ضد النفط السعودي، ما قد يوتر العلاقات بين الرياض ودول غربية.
هذه التصريحات جاءت على لسان وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، (15 مارس 2023)، الذي قال: إن بلاده "لن تبيع النفط لأي دولة تفرض سقف أسعار على إمداداتها".
وأضاف الوزير السعودي، في مقابلة مع منصة "إنرجي إنتلجنس" العالمية المتخصصة بمعلومات الطاقة، أنّ "وضع سقف لأسعار البترول سيؤدي لا محالة إلى عدم استقرار السوق".
وأشار إلى أن السعودية ستبقي على اتفاقية "أوبك+" لخفض إنتاج النفط الخام حتى نهاية العام الجاري.
وتابع: "هناك عديد من العوامل التي تؤثر في توجهات السوق، وتشير التقديرات إلى أن الاقتصاد العالمي سيواصل نموّه هذا العام والعام المقبل، لكن ما زال هناك عدم يقين حول وتيرة النمو".
وبخصوص إعادة طرح مشروع قانون "نوبك"، قال الأمير السعودي: إن "هناك اختلافاً كبيراً بين مشروع قانون نوبك والتوسع في فرض سقف الأسعار، ولكن تأثيرهما المحتمل على سوق البترول متشابه، إذ تضيف مثل هذه السياسات مخاطر جديدة وغموضاً أكبر في وقت تشتد فيه الحاجة إلى الوضوح والاستقرار".
قانون "نوبك"
وقانون "نوبك" رفضه المشرعون في الولايات المتحدة أكثر من مرة، لكنه عاد مجدداً ليطفو على السطح، بالتزامن مع توقعات بنوك استثمار أمريكية بارتفاع أسعار الخام عالمياً قرب 110 دولارات للبرميل خلال وقت لاحق من 2023.
ينص مشروع قانون "نوبك" على حظر أي دولة أو جهة أجنبية مثل "أوبك" من تحديد سقف الإنتاج أو السعر المستهدف للنفط، كما يمنع الانخراط في عمل فردي أو جماعي للتأثير على سوق النفط أو الغاز الطبيعي أو أي منتج بترولي آخر، سواء من حيث العرض أو السعر أو التوزيع في الولايات المتحدة على وجه التحديد، وسواء عن طريق التكتل الاحتكاري أو أي اتحاد آخر أو أي شكل من أشكال التعاون أو العمل المشترك.
ويحظر اتخاذ أي إجراء يقيد تجارة النفط والغاز، خصوصاً عندما يكون لهذه الإجراءات الفردية أو الجماعية تأثير مباشر وكبير على أسعار المنتجات البترولية وتوزيعها في الولايات المتحدة.
ويهدف قانون "نوبك" الذي يحظى بدعم نواب من الحزبين الديمقراطي والجمهوري بالكونغرس الأمريكي، إلى إلغاء الحصانة السيادية التي تحمي منظمة "أوبك" وشركات النفط الوطنية في دولها الأعضاء من الدعاوى القضائية.
ومنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) مجموعة دولية تضم 13 دولة، كل منها مصدر رئيس للنفط، وتسيطر المنظمة على ما يصل إلى 40% من إنتاج النفط العالمي و80% من احتياطيات النفط في العالم.
رد على خطوات أمريكية
يؤكد المؤسس والرئيس التنفيذي لمركز ريكونسنس للبحوث والدراسات عبد العزيز العنجري، أن تصريحات وزير الطاقة السعودي "جاءت كرد مباشر على الخطوات الأخيرة التي يتخذها الكونغرس الأمريكي لإقرار قانون نوبك لفرض عقوبات على أعضاء تحالف أوبك+ بحجة التواطؤ في رفع الأسعار".
ويعتقد أن هدف هذا المشروع أو القانون هو "الضغط على دول أوبك لدفعها إلى التراجع عن خفض الإنتاج، وهو الأمر الذي تم إقراره في أكتوبر، وأكده الوزير السعودي مجدداً في التصريحات ذاتها".
ويلفت في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن التصريحات "تؤكد أن السياسة السعودية تتجه نحو مزيد من الاستقلالية، وفي مجال الطاقة تحديداً إذ لم تعد تستجيب المملكة بشكل أوتوماتيكي للرغبات الأمريكية في زيادة الإنتاج أو خفض الأسعار، لاسيما خلال المواسم الانتخابية".
وأضاف: "إذا أضفنا ذلك إلى الاتفاق السعودي الإيراني الذي تم توقيعه برعاية صينيةٍ الأسبوع الماضي، يمكننا أن نستنتج أن الرياض تبتعد شيئاً فشيئاً عن الفلك الأمريكي لاسيما في ظل إدارة بايدن".
إلا أنه وعلى الرغم من ذلك، يرى العنجري، أن ما يحدث "لا يعني بتاتاً قطيعة سعودية مع واشنطن، بل هي خطوة من عدة خطوات واضحة في اتجاه إعادة رسم ملامح العلاقة بينهما كدولتين صديقتين ما يربطهما أكثر مما قد يفرق بينهما".
أزمة روسيا وأوبك بلس
تذكّر هذه الأزمة بالأزمة السابقة بين روسيا والدول الغربية، حين اتفقت الولايات المتحدة وحلفاؤها على معايير لتطبيق سقف سعر على الخام الروسي قبل دخوله حيز التنفيذ في 5 ديسمبر 2022.
ووفقاً لتلك الخطة، ستخضع كل شحنة من النفط الروسي المنقول بحراً فقط لسقف الأسعار عند بيعها لأول مرة إلى مشترٍ على البر، موضحةً ضرورة أن تظل التجارة الوسيطة للنفط الروسي التي تجري في البحر خاضعة لسقف الأسعار.
وكانت العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة الأمريكية توترت كثيراً نهاية العام الماضي على خلفية إعلان تحالف "أوبك+"، في أكتوبر الماضي، خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يومياً، بدءاً من نوفمبر الماضي؛ حيث اتهمت واشنطن السعوديين بإجبار أعضاء التحالف على هذا القرار كنوع من الاصطفاف مع روسيا.
وتوعد الرئيس الأمريكي بمعاقبة الرياض على هذا السلوك، الذي قال إنه يقلل من فعالية العقوبات الغربية على موسكو، ويمنحها مزيداً من الأموال التي تساعدها على مواصلة حربها المستمرة في أوكرانيا منذ 24 فبراير 2022.
في المقابل استخدم السعوديون لغة دبلوماسية، لكنها كانت قوية وواضحة، حيث أكدوا أنهم لا يقبلون تسييس القرارات الاقتصادية، وأنهم لا يقبلون إملاءات من أي كان، إلى جانب تأكيدهم أن أسلحة واشنطن وقواتها العسكرية تدافع عن مصالح أمريكا بالدرجة الأولى.
ولم تبدِ الرياض ليونة في مسألة النفط، وقال وزير الطاقة الأمير عبد العزيز بن سلمان، في أكثر من لقاء، إن بلاده لا تسيطر على "أوبك+" كما يروج البعض، وإن قرارات الإنتاج تتخذ بحذر ووفق معطيات السوق وحفاظاً على توازنه.