محمود جبار - الخليج أونلاين-
سعي حثيث تبذله السعودية للتغلب على ندرة المياه التي تعاني منها المملكة، لكنها في الوقت نفسه تتخذ مساراً بيئياً في خطتها للتغلب على هذه المشكلة.
وتصنف المملكة بأنها واحدة من أكثر الدول بالعالم في قلة المياه؛ حيث يبلغ مستوى ندرة المياه فيها 500 متر مكعب للفرد، في حين أن نصيب الفرد من المياه سنوياً في السعودية لا يتجاوز 89.5 متر مكعب.
ما نتج عن "مؤتمر الابتكار في صناعة التحلية" بدورته الثانية، التي أقيمت مؤخراً في محافظة جدة، يؤكد أن السعودية تعمل بجهود عالية للوصول إلى أقصى حدّ من الاكتفاء الذاتي بالمياه، حيث جرى توقيع اتفاقيات تبادلية بين المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، وعدد من الهيئات والشركات الكبرى.
الاتفاقيات شملت الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة (منشآت)، وجامعة تبوك وشركات "يو آي باث"، و"فيدكو" و"داو"، بحسب وكالة الأنباء السعودية (واس).
جاءت مذكرة التفاهم بين التحلية و"منشآت" لتمكين رواد الأعمال والمبتكرين في تقنيات المياه، من خلال دعم مركز الابتكار السعودي لتقنيات المياه التابع للتحلية؛ بهدف المساهمة في نمو الاقتصاد وتنوعه وتعزيز الابتكار في مجال تقنيات المياه.
وتضمنت مذكرة التفاهم بين "التحلية" وجامعة تبوك تطوير روبوت خاص بتنظيف وإزالة الترسبات الحيوية من خطوط أنابيب مآخذ المياه في منظومات الإنتاج.
أما مذكرة التفاهم بين "التحلية" وشركة "يو آي باث" فتضمنت استخدام أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي، واشتملت الاتفاقية المتبادلة بين "التحلية" وشركة "فيدكو" على تطوير المضخات وأجهزة استرداد الطاقة.
في حين شملت الاتفاقية بين "التحلية" وشركة "داو" دراسة كفاءة مواد التنظيف لأغشية التناضح العكسي في مياه الخليج العربي، المستخدمة في منع التلوث.
مواجهة نقص المياه
ليس جديداً القول إن السعودية تعاني من نقص المياه، فهذه المشكلة تعتبر أحد التحديات الرئيسة التي تواجه البلاد من ناحية إدارة الموارد المائية وتلبية احتياجات السكان والاقتصاد.
النقص في المياه بالسعودية يتعلق بعوامل عديدة، منها نقص المياه الجوفية؛ لاعتماد مناطق واسعة في المملكة عليها، ما تسبب بانخفاض مستوى المياه الجوفية بشكل ملحوظ.
وتبرز أيضاً مشكلة "التصحر" التي تتصل بنقص المياه في السعودية، إضافة إلى "التلوث"، وهو عامل آخر يؤثر في موارد المياه؛ إذ يتسبب التلوث الناتج عن الزراعة والصناعة والتخلص غير الصحيح من النفايات في تلويث المياه الجوفية والمسطحات المائية.
ومن بين العوامل البارزة التي تسبب نقص المياه، النمو السكاني والاقتصادي السريع في السعودية.
كل العوامل السابقة تزيد من ضغط استخدام المياه، وهو ما يدفع المملكة إلى التعامل معها بشكل علمي مدروس بوضع خطط داعمة للتنمية وليست فقط لعلاج المشكلة.
كان من أبرز هذه الخطوات تعزيز استخدام المياه البديلة مثل تحلية مياه البحر، وتوجيه الاستثمارات نحو تحسين إدارة المياه، والتوعية بأهمية الحفاظ على المياه، وتقليل الفاقد في الاستخدام.
دعم للاقتصاد
المشاريع التي جرى الاتفاق عليها في مؤتمر الابتكار والمتعلقة بصناعة التحلية، لم تكن الأولى في هذا الشأن، بل تأتي في سياق جملة من المبادرات والمشاريع السابقة التي تحاول من خلالها المملكة تحقيق اكتفاء ذاتي.
من بين أبرز المبادرات والتي أعلنها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في سبتمبر الماضي، إنشاء منظمة عالمية لمعالجة تحديات المياه مقرها الرياض.
وبحسب ما ذكرته وكالة "واس" الرسمية، تهدف المنظمة إلى "تطوير وتكامل جهود الدول والمنظمات لمعالجة تحديات المياه بشكلٍ شمولي (...) سعياً لضمان استدامة موارد المياه وتعزيزاً لفرص وصول الجميع إليها".
وأشار ولي العهد إلى أن "هذه المبادرة تأتي تأكيداً لدور المملكة في التصدي لتحديات المياه حول العالم والتزامها بقضايا الاستدامة البيئية، وانطلاقاً مما قدمته على مدار عقود، من تجربةٍ عالميةٍ رائدة في إنتاج ونقل وتوزيع المياه وابتكار الحلول التقنية لتحدياتها".
وسبق أن أطلقت المملكة 59 مبادرة في العام 2017، لتحقيق الأمن المائي والغذائي بالمملكة، ورفع كفاءة الخدمات المختلفة، والمحافظة على البيئة، وابتكار حلول لتعزيز استدامة هذين القطاعين، وصولاً إلى تجسيد رؤية المملكة التطويرية لعام 2030.
وفي عام 2021، أطلقت السعودية "مبادرة الشرق الأوسط الأخضر"، وتشمل إنشاء مجمع إقليمي "لاستخلاص الكربون واستخدامه وتخزينه، وتأسيس مركز إقليمي للإنذار المبكر بالعواصف؛ للإسهام في تقليل المخاطر الصحية الناتجة عن موجات الغبار".
من جانب آخر، فإن لتلك المشاريع، فضلاً عن مساهمتها البيئية وتوفير المياه للسكان، جانباً اقتصادياً، لا سيما من ناحية توفير فرص العمل.
وتسعى المملكة إلى خفض البطالة بين المواطنين إلى 7.5% بحلول 2030، وتطبِّق الحكومة إصلاحات اقتصادية منذ 2016 لتوفير ملايين الوظائف تنفيذاً لرؤية 2030.
وبموجب برنامج توطين الوظائف "السعودة"، تعمل السلطات من حين لآخر على حصر بعض المهن والوظائف في السعوديين فقط.
كما تعمل على تعديل اللوائح لمحاولة تعزيز ريادة الأعمال، وجذب مزيد من الاستثمار الأجنبي؛ أملاً في أن يؤدي ذلك في النهاية إلى خلق مزيد من فرص العمل للسعوديين.
لسلامة الإنسان والبيئة
يقول الخبير البيئي مروان السعيدي لـ"الخليج أونلاين"، إن الاستدامة البيئية من المواضيع الحديثة التي تهتم بحفظ البيئة في المجالات كافة، ومن ضمنها التجارة والاقتصاد والسياسة والزراعة والمناخ وغيرها.
ويشير السعيدي إلى أن التقنيات الحديثة التي تسعى السعودية لاعتمادها تحافظ على صحة الإنسان واستدامة البيئة على حدّ سواء، لافتاً إلى أن تقنيات عديدة تُعتمد اليوم من قبل الدول لغاية الحفاظ على المياه من الهدر واستخدام المياه بصورة مثالية.
ويؤكد أن عديداً من الطرق المستخدمة قديماً وما زالت تستخدم إلى اليوم في عديد من الدول "لها سلبيات مثل استخدامها مواد كيميائية".
ويضيف: "في التقنيات الحديثة يجري استخدام وسائل الذكاء الاصطناعي مثل الروبوت الآلي الذي يزيل المواد العالقة والترسبات والحصى والشوائب".
يقول السعيدي إن استخدام أجهزة الذكاء الاصطناعي جاء لكونها "صديقة للبيئة ولا تسهم في التلوث البيئي، ما يجعلها صديقة للبيئة وتشارك في الاستدامة البيئية".
من ضمن أهداف الاستدامة البيئية -بحسب السعيدي- استخدام الطرق المفيدة والنافعة للإنسان والبيئة على حد سواء؛ ما يساهم في وجود بيئة نظيفة ومناخ جيد.