سايمون واتكينز/أويل برايس - ترجمة الخليج الجديد-
سلط المحلل الاقتصادي، سايمون واتكينز، الضوء على مستقبل سوق النفط والغاز في ضوء الاستراتيجية المعتمدة بالولايات المتحدة وعلاقتها بسياسات السعودية، مشيرا إلى أن التطورات لا تشي بمستقبل يصب في صالح المملكة الخليجية.
وذكر واتكينز، في مقال نشره بموقع "أويل برايس" وترجمه "الخليج الجديد"، أن تداعيات حرب غزة على سوق النفط تستدعي مشهد الحظر النفطي الذي قادتها السعودية إبان حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، في سياق منظمة "أوبك"، التي منعت تصدير النفط للدول المستهلكة الداعمة لإسرائيل، خاصة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان وكندا وهولندا.
وبحلول نهاية مارس/آذار 1974، ارتفع سعر النفط بنسبة 267% تقريبًا، من حوالي 3 دولارات أمريكية للبرميل إلى أكثر من 11 دولارًا أمريكيًا للبرميل، ما أدى إلى إشعال نار التباطؤ الاقتصادي العالمي، وخاصة في البلدان المستوردة للنفط في الغرب.
ومع ذلك، من منظور طويل المدى، فإن الأهم من كل هذا هو الطريقة التي غيرت بها سياسة الولايات المتحدة تجاه السعودية وأوبك منذ تلك النقطة. وانطلاقًا من التصريحات الأخيرة الصادرة عن الولايات المتحدة، ربما تكون الحرب الحالية بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية هي التي دفعت إلى المرحلة الأخيرة من تلك السياسة التي تم إجراؤها في عام 1974.
فمع انتهاء الحظر النفطي في عام 1974، وصفه البعض بأنه فاشل، لأنه لم يسفر عن إعادة إسرائيل لجميع الأراضي التي اكتسبتها في حرب عام 1967، لكن البعض الآخر وصفه، من منظور أوسع، بأنه نجاح للسعودية وأوبك ودول عربية أخرى في حرب أوسع لتحويل ميزان القوى في سوق النفط العالمية.
وهنا يستشهد واتكينز بأحد الشخصيات العملاقة في واشنطن، وهو الراحل، هنري كيسنجر، الذي كان استراتيجيًا مؤثرًا للغاية وعمل مستشارًا للأمن القومي الأمريكي من يناير/كانون الثاني 1969 إلى نوفمبر/تشرين الثاني 1975، ووزيرًا للخارجية من سبتمبر/أيلول 1973 إلى يناير/كانون الثاني 1977، ومستشارًا كبيرًا للعديد من رؤساء الولايات المتحدة بعد ذلك، مشيرا إلى أن الوزير الأمريكي الأسبق توصل إلى 3 استنتاجات رئيسية بناءً على ما حدث في أزمة الحظر النفطي عامي 1973/1973.
روزفلت-آل سعود
ويتمثل الاستنتاج الأول في أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تثق حقاً بالمملكة العربية السعودية مرة أخرى، لأنها كسرت الروح الأساسية لاتفاقية حجر الأساس بين البلدين والتي تم التوصل إليها في 14 فبراير/شباط 1945 بين الرئيس الأمريكي آنذاك، فرانكلين روزفلت، والملك السعودي، عبد العزيز آل سعود.
وأوضح أن هذه الصفقة سارت بسلاسة منذ تلك اللحظة وحتى بداية أزمة النفط 1973/1974، وكان الأمر ببساطة أن الولايات المتحدة ستحصل على جميع إمدادات النفط التي تحتاجها طالما كان لدى السعودية النفط المتوفر، وفي مقابل ذلك ستضمن الولايات المتحدة أمن المملكة العربية السعودية وآل سعود الحاكمين. واعتبر كيسنجر أن السعودية خرقت هذا العهد عندما قادت الحظر على إمدادات النفط ضد الولايات المتحدة.
الاستنتاج الثاني لكيسنجر تمثل في أن الولايات المتحدة بحاجة إلى تسريع جهودها لتحقيق الاكتفاء الذاتي في موارد الطاقة في أقرب وقت ممكن، مع التركيز على المدى القصير على إمدادات النفط، ولم تكن لديه أي فكرة واضحة في ذلك الوقت عن الموعد الذي قد يتحقق فيه هذا الاكتفاء الذاتي، حيث أن ثورة النفط والغاز الصخريين لم تكن حتى في مرحلة التطوير المهمة في تلك المرحلة.
وخلص الاستنتاج الثالث لكيسنجر إلى أن أفضل مسار لمواصلة الولايات المتحدة حصولها على كل ما تحتاجه من النفط والغاز للاحتفاظ بمركزها الاقتصادي والسياسي العالمي الأول هو "ضمان عدم توحد دول الشرق الأوسط معًا مرة أخرى في المستقبل ضد الغرب".
واعتبر كيسنجر أن الطريقة المثلى للولايات المتحدة لضمان ذلك، هي استخدام مبدأ "فرق تسد" بين منتجي النفط والغاز الرئيسيين في المنطقة، والذي كان بدوره شكلاً مختلفًا من "الدبلوماسية الثلاثية" التي دافع عنها، وكان لها تأثير كبير في تعاملات الولايات المتحدة مع روسيا والصين في ذلك الوقت.
وتقوم تلك الدبلوماسية على "اللعب ضد أي طرف آخر من خلال الاستفادة من أي خطوط صدع تمر عبر البلدان المستهدفة في أي وقت، سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو دينية، أو أي مزيج منها".
العراق وإيران
وهناك العديد من الأمثلة الرئيسية لهذه السياسة التي اعتمدتها الولايات المتحدة لاحقا، من أهمها: الاستفادة من الانقسام الديني بين الإسلام الشيعي والسني، كما تجسد على التوالي في إيران والسعودية، وتقويض الأفكار الصاعدة للوحدة العربية.
في الحالة الأولى، شملت الأمثلة البارزة الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، وانسحابها من جانب واحد من "الاتفاق النووي" مع إيران في عام 2018، وفي حالة الأخيرة، شملت الأمثلة البارزة رعاية الولايات المتحدة لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، التي اغتيل بعدها الرئيس المصري، أنور السادات، واتفاقات تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية خلال السنتين الماضيتين.
ومن عام 1974 إلى عام 2014، كانت هذه الاستراتيجية الأمريكية ناجحة على نطاق واسع في ضمان عدم تكرار إجراءات جماعية ذات معنى ضدها من قبل السعودية وأوبك، لكن بحلول أوائل عام 2014، أصبح من الواضح للسعوديين أن الولايات المتحدة وجدت طريقة قد تضمن استقلالها في مجال الطاقة في المستقبل، كما أرادت منذ فترة طويلة.
ويتمثل هذا الطريق في صعود نجم النفط الصخري في الولايات المتحدة، الذي ارتفع إنتاجه من بداية متواضعه بمتوسط أقل بقليل من 0.2 مليون برميل يوميا، لكنه ارتفع بشكل كبير حتى عام 2013، وبحلول عام 2014 بدا وحضا للسعوديين أن النفط والغاز الصخريين في الولايات المتحدة يشكلان تهديدًا وجوديًا لمكانة المملكة في العالم ولاستمرار حكم عائلة آل سعود المالكة.
ويرى واتكينز أن الإدراك السعودي على صواب، إذ أن القوة الحقيقية الوحيدة للمملكة في العالم تأتي من مواردها النفطية، وقوة العائلة المالكة في البلاد مستمدة بالكامل من الثروة التي تجلبها.
ولكن في ذلك الوقت، اعتقد السعوديون أنهم إذا دمروا، أو على الأقل أعاقوا، قطاع الصخر الزيتي في الولايات المتحدة الناشئ آنذاك، فإن قوتهم النفطية ستستمر لفترة أطول كثيرا، كما اعتقدوا أنهم قادرون على القيام بذلك من خلال شن حرب أسعار نفط شاملة، بحيث تعمل هي وأعضاء أوبك على زيادة المعروض في السوق، ما يدفع الأسعار إلى الانخفاض إلى مستويات من شأنها أن تؤدي إلى إفلاس منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة.
إخفاق سعودي
كان السعوديون واثقين من أن هذه الحرب ستكون ناجحة، كما انتصروا في أزمة النفط 1973/1974، واعتقدوا على نطاق واسع أن منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة لديهم نقطة تعادل في مكان ما فوق سعر خام برنت البالغ 70 دولارًا أمريكيًا.
لكلن الأمور لم تسر في صالح السعودية على الإطلاق، وكانت الكارثة الاقتصادية والسياسية التي نتجت عن ذلك سببًا رئيسيًا لانجراف المملكة نحو مجال نفوذ الصين وروسيا منذ ذلك الحين.
على العكس من ذلك، انتقلت الولايات المتحدة من قوة إلى قوة أكبر في قطاع النفط والغاز، فهي المنتج الأول للنفط الخام في العالم حاليا، والمنتج الأول للغاز الطبيعي أيضا.
وهنا يشير واتكينز إلى تواصل المرحلة الأخيرة من تهميش منتجي النفط والغاز الرئيسيين في الشرق الأوسط، مع أنباء عن توقيع وزارة الداخلية الأمريكية على 3 مزادات جديدة لتأجير النفط والغاز في خليج المكسيك، مشيرا إلى أن هذه المزادات من شأنها زيادة العديد من مشاريع التنقيب والتطوير التقليدية والصخر الزيتي التي أعلنت عنها شركات النفط والغاز الكبرى في الولايات المتحدة خلال العام الماضي.
ويشمل ذلك أيضًا الضوء الأخضر لمشروع التنقيب عن النفط والغاز في ألاسكا، التابع لشركة النفط الأمريكية "كونوكو فيليبس"، والذي تبلغ قيمته 8 مليارات دولار.
ويشير واتكينز إلى أن عودة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض، كما يبدو ممكنًا للغاية وفق استطلاعات الرأي، ترجح أن يرتفع عدد مشروعات النفط والغاز الصخريين أكثر.