سايمون هندرسون- معهد واشنطن للدراسات-
قد يؤدي قرار السعودية بإلغاء خطتها لزيادة إنتاج النفط إلى مزيد من التخفيضات في الإنفاق في المملكة.
إن إعلان الرياض في 30 كانون الثاني/يناير عن إلغاء خطتها لزيادة طاقتها الإنتاجية المستدامة القصوى من 12 إلى 13 مليون برميل يومياً بحلول عام 2027، فاجأ المحللين. ويبرر إنتاج المملكة الحالي البالغ حوالي 9 ملايين برميل يومياً هذا القرار، ولكنه مع ذلك كان غير متوقع. ووصفت صحيفة "فاينانشال تايمز" هذه الخطوة بأنها "تحول كبير في السياسة"، بينما وصفتها وكالة "رويترز" بأنها "تحول عكسي"، والنشرة الإخبارية للطاقة "ميس" (MEES) بأنها "إعلان صادم".
ونقلت وكالة "رويترز" عن "مصادر مطلعة" لم تُحدَّد هويتها أن القرار كان "قيد الإعداد منذ ستة أشهر على الأقل" وزعمت أنه "ليس له أي تأثير على آفاق الطلب على المدى الطويل". وأشارت المصادر إلى أن "القرار جاء من الأعلى"، في إشارة إلى أن الزعيم الفعلي للمملكة، ولي العهد محمد بن سلمان، قد اتخذه.
ويعني التخفيض في جوهره أن المملكة أعادت النظر في رؤيتها المتعلقة بنمو الطلب على المدى المتوسط، نظراً لتباطؤ الاقتصاد العالمي، ولا سيما في الصين. فحقول النفط تحتاج إلى استثمار مستمر للحفاظ على مستويات الإنتاج، ولا بد من تطوير حقول جديدة لتعويض الانخفاض في المخزون الحالي. وسيتم إنفاق مليارات الدولارات بغض النظر عن هذا التخفيض، لكن إجمالي الإنفاق سيكون أقل بكثير.
وعلى المدى الطويل، ستحتفظ السعودية بميزة إنتاج النفط بتكلفة أقل من معظم دول العالم الأخرى، لكن إجمالي الطلب المستقبلي سيتأثر بتوفر أنواع الوقود الأخرى منخفضة الكربون مثل الغاز الطبيعي أو المصادر غير الهيدروكربونية لإنتاج الكهرباء مثل الرياح والطاقة الشمسية والنووية. ومع انخفاض عرض "أوبك بلس"، كارتل إنتاج النفط بقيادة السعودية وروسيا، حالياً إلى أقل من نصف إجمالي الطلب العالمي - ويرجع ذلك جزئياً إلى الزيادة الكبيرة في الإنتاج الأمريكي - تخسر الرياض دورها التاريخي كـ"البنك المركزي للنفط".
وفي الأسبوع الذي انتهى في 2 شباط/فبراير، انخفضت أسعار النفط بنحو 5 في المائة، مع انخفاض خام برنت، الخام الرئيسي المتداول عالمياً، إلى ما يزيد قليلاً عن 77 دولاراً للبرميل. وعلى الرغم من أن تغيرات الأسعار قصيرة الأمد هذه ليست مؤشرات موثوقة عن الاتجاهات طويلة الأمد، إلّا أن الانخفاض يشير على وجع التحديد بالنسبة للمملكة إلى أن ميزانيات أخرى قد تتعرض للضغط. وتعتمد "الرؤية 2030"، أو خطة محمد بن سلمان الكبرى للتحول الاقتصادي، على عائدات النفط والاستثمار الأجنبي. وحتى الآن، كان الاستثمار الأجنبي أبطأ من الاهتمام الأجنبي بمشاريعه، ومن بينها مدينة نيوم المستقبلية الطموحة بشكل ملحوظ. ويبدو أن احتمال تباطؤ تطوير هذه المشاريع مرجح بنظر الكثيرين من المعلقين في الخارج. وعلى الرغم من الطموح طويل الأمد المتمثل بالابتعاد عن الاعتماد على عائدات النفط، إلّا أن اعتماد المملكة على هذا الدخل تزايد في الواقع.
وفي 31 كانون الثاني/يناير، استُهل عمود "ليكس" التحليلي في صحيفة "فاينانشال تايمز" بالعنوان "النفط: ولت أيام أسعار المائة دولار". وجاء فيه: "سيبقى النفط جزءاً من حياتنا لعقود. لكن قيمته بالنسبة إلى المستهلك قد بلغت ذروتها بالفعل". وتابع: "لا تشير أسواق النفط الآجلة إلى قلق كبير بشأن العرض منذ بدء التوترات الأخيرة في الشرق الأوسط في تشرين الأول/أكتوبر". ووصف العمود، الاقتصاد الصيني الذي لم يعد ينمو بسرعة، بأنه أساسي للتوقعات، مشيراً إلى تطور البلاد. ولفت بشكل خاص إلى تحليلٍ توقع أن نصف مبيعات السيارات الجديدة في البلاد ستكون من السيارات الكهربائية بحلول عام 2025.
وبالنسبة للولايات المتحدة، قد تؤدي أسعار النفط المنخفضة إلى الفوز بأصوات محلياً، لكن لديها تأثير سلبي على حلفائها في الخليج مثل السعودية والإمارات، اللتين قد يكون دعمهما الدبلوماسي أساسياً لحسم مستقبل غزة فضلاً عن احتواء التوترات المستمرة مع إيران.