اقتصاد » مياه وطاقة

"تباشير حلّ يلوح في الأفق".. كيف تعزز دول الخليج أمنها المائي؟

في 2024/05/30

طه العاني - الخليج أونلاين-

يعد ملف الأمن المائي إحدى أبرز القضايا الاستراتيجية التي تشغل دول العالم؛ لكونه يمس حياة الشعوب ووجودها، حيث تعاني مناطق شاسعة من نقص حاد في المياه الصالحة للشرب.

وتعاني منطقة الخليج نقصاً حاداً في المياه، لكنها سعت بشكل دؤوب لإيجاد الحلول، ويبدو أن حلاً مهماً يلوح بالأفق، بحسب ما كشف عنه الباحث في علوم الأرض والفضاء بجامعة كاليفورنيا الجنوبية ووكالة ناسا الدكتور عصام حجي.

ووفق ما ذكرته "الجزيرة نت" الأربعاء (29 مايو 2024)، تحدث عصام حجي عن نجاح فريق بحثي بجامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة في تطوير تقنية جديدة لاستكشاف المياه الجوفية في صحراء المنطقة العربية، بهدف مواجهة النقص الحاد في المياه والتغلب على التغيرات المناخية وظروف الجفاف والتصحر.

وقال حجي إن هذه الدراسة تهدف إلى تطوير تكنولوجيا لرسم خرائط خزانات المياه الجوفية غير العميقة من الجو، من أجل معرفة كميات المياه الموجودة في هذه الخزانات التي يصل عمقها إلى ما بين 20 و30 متراً.

وأوضح أن هذه الخزانات تعد الدرع الأولى لمواجهة فترات الجفاف بالعالم العربي، وتتمثل في منطقة صحراء شمال أفريقيا وشرق الجزيرة العربية بالكامل.

ولفت إلى أن الدراسة تمت من خلال منحة قطرية تبرع بها رئيس مكتبة قطر الوطنية الدكتور حمد عبد العزيز الكواري لجامعة كاليفورنيا، أسهمت في إخراج الدراسة من التنظير إلى التطبيق الواقعي، موضحاً الخطوات التي جرى العمل عليها بالآتي:

خطط استراتيجية واعدة

دول الخليج كانت اتخذت عديداً من الإجراءات والخطط الاستراتيجية الواعدة لتأمين المياه، حيث كشفت مجلة ميد البريطانية، في فبراير 2023، أن دول مجلس التعاون خصصت 61.5 مليار دولار لاستثمارات جديدة في المشاريع المائية.

في السعودية تواصل الجهات الحكومية خططها نحو تعزيز الأمن المائي والاستفادة القصوى من الموارد المائية المتاحة، من خلال تنفيذ برامج وضوابط لترشيد الاستهلاك والمحافظة على المياه الجوفية.

وتشرف وزارة البيئة والمياه والزراعة على أكثر من 8700 بئر حفرتها لتأمين مياه الشرب في أنحاء المملكة، كما تشرف على تشغيل وإدارة 563 سداً.

وتسعى أيضاً إلى تعزيز الاستفادة من مياه الأمطار عبر التخطيط لتشييد حوالي 1000 سد جديد.

في قطر نجح البرنامج الوطني "ترشيد" في تحقيق الإدارة المتكاملة والمستدامة للموارد المائية بالدولة في خفض معدل استهلاك المياه للفرد بفارق كبير عن السابق.

وطوّرت قطر سعة مخزونها الاستراتيجي من المياه، ورفعت السعة التخزينية من 1000 إلى 2400 مليون غالون، أي ما يعادل زيادة بنسبة 140% في مخزونها من مياه الشرب.

ودشنت قطر شبكات مياه جديدة بأطوال تصل إلى 151 كيلومتراً، لتحسين أداء شبكة المياه وتوصيل المشتركين الجدد.

بدورها، وفي سعيها لمواجهة شحة المياه، تبنت الإمارات استراتيجية الأمن المائي 2036، وتتكون من 3 برامج، وهي:

إدارة جانب الطلب على المياه.
إدارة إمدادات المياه.
إنتاج وتوزيع المياه في حالات الطوارئ.

نظام الأمن المائي

لتعزيز الأمن المائي في الكويت شكّل مجلس الوزراء الكويتي، في 8 أغسطس 2022، "اللجنة الوطنية العليا لتعزيز نظام الأمن الغذائي والمائي؛ مهمتها وضع "خارطة طريق" موضع التنفيذ يتم اتباعها من أجل تطوير استراتيجية الأمن المائي والغذائي.

تؤكد الكويت إعداد الخطط اللازمة لضمان وصول مواطنيها إلى المياه العذبة رغم الضغوط وزيادة الطلب على الموارد المائية، حيث من المتوقع أن تزداد حاجة البلاد إلى المياه العذبة بنسبة 20 -30% من مستواها الحالي بحلول عام 2030.

أما البحرين فقد حققت العديد من الإنجازات في مواجهة التحديات المائية التي تواجهها من حيث قلة الموارد المائية، وارتفاع الكثافة السكانية من جهة، وتغير أنماط الاستهلاك والمتطلبات المائية للقطاعات المتنامية، من جهة أخرى.

ويصل إجمالي استخدام المياه في البحرين إلى حوالي 432 مليون متر مكعب في العام، ويتم الاعتماد على المياه المحلاة بشكل شبه كلي في إمداد القطاع البلدي بمتطلباته.

كما شهدت سلطنة عُمان خلال عام 2022 اكتمال الإنشاءات في 6 سدود للتغذية الجوفية في عدة محافظات بهدف دعم المخزون الجوفي وتحقيق الأمن المائي في البلاد.

وأولت مسقط اهتماماً بالغاً في الحفاظ على المياه من خلال إعداد الاستراتيجيات والأنظمة الهادفة لتنمية الموارد المائية وضمان ديمومتها، والمساهمة في زيادة المخزون المائي من خلال مختلف المشاريع الفنية.

تغييرات جذرية

ويرى خبير استراتيجيات المياه، رمضان حمزة، أن اعتماد دول مجلس التعاون بشكل كبير على مشاريع التحلية، ليست سليمة بشكل كامل في ظل الزيادة السكانية في المنطقة.

ويلفت، في حديثه مع "الخليج أونلاين"، إلى أن "مشاريع التحلية هي جزء من الحل، لكن لا يمكن الاعتماد عليها في حالة الحروب أو الكوارث الطبيعية لأنها تعتمد على الكهرباء المعرضة للانقطاع ما قد يترك هذه الدول بلا مياه".

ودعا حمزة "دول الخليج إلى تبني استراتيجيات غير تقليدية لخزن المياه، مثل الخزن الصفحي لمياه الأمطار في مستودعات كبيرة مماثلة لمستودعات النفط، فضلاً عن شحن مياه الصرف الصحي من المدن الكبيرة في دول الخليج إلى طبقات المياه الجوفية لتكوين احتياطي وخزين جوفي كبير، يتحول في المستقبل إلى مياه صالحة بسبب التفاعل ضمن الطبقات الجيولوجية، وفق الدراسات الحديثة".

وكشف خبير المياه عن "وجود مشروع تحت الدراسة لاستصلاح مياه الخليج بطرق أقل تكلفة من خلال تحويل المياه عبر أنفاق معيّنة وبطرق خاصة إلى أحواض أخرى، وفق تفاصيل دقيقة سيتم البوح بها عند الانتهاء من الدراسة بشكل كامل".

وأشار حمزة إلى أن "المنطقة عموماً تعاني من ارتفاع درجات الحرارة وينذر مستقبلها بمزيد من شح المياه، وهذا يتطلب تغييراً جذرياً في السياسات والاستراتيجيات المائية بما يتلاءم مع شعار هذا العام وهو تسريع الخطى نحو التغيير".

حلول مطروحة

من جهته يلفت الباحث حبيب الهادي إلى أن دول الخليج تقع في المنطقة المدارية الجافة شبه الصحراوية، ومن ثم فهي تفقد كثيراً من الماء بفعل التبخر، خاصة مع قلة الأمطار، ما تسبب بشح المياه في دول الخليج.

ويضيف "الهادي" في حديثه مع "الخليج أونلاين" أن هذا دعا دول الخليج لأن تنظر في تقنية جديدة من أجل الاستدامة المائية، خاصة أنها تشهد نقلة نوعية في النمو سكاني، وهذا يحتم عليها أن تضع استراتيجية منهجية في مواجهة شح المياه.

ويشير الهادي إلى عدة حلول مطروحة، من أهمها ضرورة الاستفادة من الطاقة الشمسية في تحلية مياه البحار مثلاً، فضلاً عن استغلال الطاقة المتجددة في التحلية، وكذلك زيادة عمليات استخراج المياه الجوفية، وغيرها من الحلول الممكنة.

بدوره يبين الكاتب والصحفي بدر العتيبي أن الأمن المائي يعد أحد أبرز التحديات التي تواجه دول مجلس التعاون في ظل ما تعانيه من ندرة في مواردها المائية العذبة، إذ تقع دول الخليج تحت خط الفقر المائي المدقع (أقل من 500 متر مكعب للفرد في العام)؛ بواقع 150 متراً مكعباً فقط للفرد.

ويضيف "العتيبي" في حديثه مع "الخليج أونلاين" أن ما يرفع من مستوى هذا التحدي الزيادة السكانية وارتفاع مستوى الاستهلاك، والذي يتوقع أن يخفض من نصيب الفرد من المياه في دول الخليج إلى نحو 50 متراً مكعباً بحلول 2050.

ويشير إلى أن هذا ما فرض عليها منح ترشيد استهلاك الموارد المائية أهمية كبيرة، مثل التوسع في بناء السدود للاستفادة من مياه الأمطار، والنهوض بقطاع الزراعة بالحد من الزراعات المكشوفة، واستخدام أحدث وسائل الري، إلى جانب إنشاء محطات تحلية المياه.

ويؤكد أن مستقبل الأمن المائي يواجه تحديات كبيرة، ولكن مساعي دول الخليج متواصلة لحل أزمتها المائية، باعتبار أن توفير المياه العذبة للشرب والزراعة هو قضية وجودية، حيث تتعاون فيما بينها بجهود مشتركة، من بينها التوجه لمعالجة مياه الصرف الصحي والزراعي والصناعي.

ويتابع: "استخدام تقنيات حديثة للحد من تبخر المياه، ودخول مجال استمطار السحب، فضلاً عن الاهتمام بأجهزة إدارة المياه وحمايتها، وزيادة الاعتمادات المالية لتنمية الموارد المائية، والبحث عن موارد جديدة، وغيرها، تعد خطوات مهمة من أجل الحفاظ على الأمن المائي الخليجي".

ويستدرك العتيبي بالقول إننا بحاجة إلى تحديث الخطط الاستراتيجية المائية لكل دولة، وإعداد مخططات مشتركة شاملة، وزيادة التوعية المجتمعية بهذه المسألة ومدى خطورتها.