ترجمة: علاء البشبيشي- ميدل إيست بريفنج-
السؤال الرئيسي الآن في سوق النفط هو: هل يؤدي التوتر بين السعودية وروسيا إلى عرقلة المحادثات الرامية إلى التنسيق بخصوص سياسات الإنتاج؟ والإجابة على هذا التساؤل قد تكون متاحة فقط على المدى القصير، لكن لا توجد إجابات واضحة على المدى البعيد، بل المزيد من الأسئلة.
وفقا للمعلومات المستمدة من شركات الاستثمار الرئيسية في المنطقة، لجأت الرياض إلى تسييل ما لا يقل عن 50 مليار دولار من محافظها الاستثمارية في الخارج، خلال الشهور الستة الماضية؛ لسد فجوة الميزانية، وتمويل العمليات العسكرية في اليمن. وبذلك انخفضت الاحتياطيات السعودية، المُستَثمَرَة في عدة أشكال وصناديق، بما يقارب 10% خلال السنة المالية المنتهية في أغسطس؛ وهي الاحتياطيات التي تقدر حاليا بـ660 مليار دولار.
وإذا أرادت المملكة الحفاظ على نفقات الرعاية الاجتماعية، فإن الجمود الهيكلي الذي يتسم به الاقتصاد السعودي لا يترك مجالا رحبًا لتعويض انخفاض عائدات النفط. من ناحية أخرى، سيكون تخفيض هذه النفقات في ظل البيئة الإقليمية الحالية اقتراحا محفوفا بالمخاطر. ذلك أن النفقات المتعلقة بالأمن لا يمكن تخفيضها في ضوء التحديات التي تواجه المملكة وفي ظل الاضطرابات الإقليمية الحالية.
ومع ذلك، تبقى الحالة المالية للمملكة بعيدة عن مستوى التهديد. فالسعودية لديها ما يكفي للاستمرار لسنوات. ومع ذلك، يسبب انخفاض الاحتياطيات درجة متفهمة للقلق لدى الرياض. هذا المستوى من القلق، وإن لم يكن حادا، إلا أنه يمهد الطريقة للنظر بجدية في سياسة الإنتاج الحالية، ويمارس ضغوطا من أجل التنسيق مع المنتجين الآخرين، وتحديدًا روسيا.
لكن هذا التنسيق يواجه تحديات خطيرة:
أولا، هناك الإنتاج العراقي والإيراني الذي يُتَوَقَّع أن يزيد بشكل مُطَّرِد في المدى القصير جدا.
ثانيا، يرى المنتجون الإقليميون أن تقديرات زيادة الطلب خلال العام المقبل متفائلة، وأنها ليست هامة بما يكفي لمواكبة الزيادة المحتملة في الإنتاج.
ثالثًا، التنافس المرير بين إيران، وبالتالي العراق، والمملكة العربية السعودية وصل إلى مستويات مرتفعة جدا لدرجة تحول دون التنسيق العقلاني بين البلدين.
رابعًا، هناك التدخل الروسي الأخير في الأزمة السورية. الذي تسبب في تفاقم المشاعر العدائية ضد روسيا في المملكة بوتيرة كبيرة، وهو ما يمكن أن ينعكس بدوره على المباحثات الجارية بين القوتين، أو التوصل إلى اتفاق بينهما.
وتعتمد أي فرص لنجاح المحادثات السعودية-الروسية الحالية بشكل رئيس على مدى الدافع الذاتي لدى الرياض. فإذا كان هذا العامل هو: تحقيق التوازن في العلاقة بين البلدين، في ظل المناخ المتوتر حاليًا بسبب سوريا، فإن المفاوضات الجارية بين وزارتي النفط في البلدين قد تتمخض عن نتيجة إيجابية. لكن الرياض، في هذه اللحظة الحرجة، لديها وجهات نظر مختلفة على طاولة النقاش داخل الدوائر النفطية الرسمية:
(1) ثمة رأي مفاده أن روسيا ينبغي أن تُمنَح عضوية منظمة أوبك. وهي الفكرة التي نوقشت خلال شهري أغسطس وسبتمبر من هذا العام، بحسب إيجور سيتشين، رئيس شركة النفط الحكومية الروسية "روسنفت".
(2) وهناك فكرة أخرى تقول: إن العلاقات مع روسيا ينبغي أن تقتصر على تنسيق الإنتاج لفترة محدودة. وثمة مخاوف من أن تفقد السعودية دورها المعتاد كمنتج موازِن إذا سُمَح لروسيا بدخول منظمة أوبك.
ويذهب معارضو هذه الفكرة إلى حد التحذير من أن هذه الخطوة سوف تضعف دور المنظمة، وتجبرها لاحقًا على التشطي بين مجموعة منتجين، زاعمين أن فتح أبواب أوبك أمام روسيا يُخرِج المنظمة عن سياقها.
(3) وجهة نظر ثالثة تحذر من أن الأسعار ستتعافى ببطء في كل الأحوال، وستنخفض فوائد التنسيق مع الروس تدريجيا. هذا الرأي لا يعارض التنسيق، لكنه يعارض الخروج بهذا التنسيق عن الحدود التي استُكشِفَت سابقا خلال فترات انخفاض الأسعار الأخرى.
(4) ويذهب الرأي الرابع إلى حدود رفض التنسيق مع الروس في هذه اللحظة. ذلك أن التأثير على منتجي النفط الصخري يحتاج إلى مزيد من الوقت، كما يقولون، والمملكة حاليا في وضع جيد ماليا لتحمُّل تَبِعات فترة إضافية من انخفاض الأسعار.
سيُحسَم هذا النقاش وفق مجموعة معقدة من العوامل. ورغم أن المملكة نجحت في الفصل النسبي بين السياسات الاقتصادية والاعتبارات السياسية والاستراتيجية، لم يحدث فصل تام بين الجانبين. ومن بين العوامل التي ستحدد الخطوة السعودية القادمة: (1) تأثير المخاوف بشأن استخدام الاحتياطيات، (2) ومستوى الاستقطاب الاستراتيجي، (3) وآفاق تأثر الأسعار بالتنسيق مع الروس، (4) وصمود قطاع النفط الصخري في الولايات المتحدة، (4) ومدى تأثير التوتر الإقليمي على المملكة.
أما الاقتراحان اللذان وصلا إلى خط النهاية فهما:
(1) إجراء محادثات مع روسيا،
(2) أو تأجيل هذه الخطوة حتى تصبح نوايا موسكو الإقليمية أكثر وضوحا.
الداعون للاقترح الأول يحتجون بتاريخ الفصل بين الاعتبارات السياسية والسياسات النفطية، ويؤكدون أن إجراء مثل هذا الحوار من مصلحة المملكة في الأساس.
بينما يحتج أنصار وجهة النظر الأخرى بحقيقة أن أي تحسن في الأسعار سيكون بطيئًا على كل حال. ويصفون المخاوف بشأن احتياطيات المملكة باعتبارها مبالغا فيها، ويقترحون الاقتراب من موسكو ببطء.
وهذا المعسكر الثاني هو الذي يكتسب زخما، على المدى القصير.