ناصر التميمي- مركز الخليج لسياسات التنمية-
بـرزت قطـر على مـدى العقـد الماضي، كالدولة الرائـدة في مجـال تصدير الغـاز الطبيعـي المسال (LNG) في العالم. ومـع ذلـك، فهـي تواجـه الآن تحديـات هائلـة ومنافسـة مباشرة مـن طفـرة الغـاز الصخـري. أولاً، تغير المشهد في أسـواق الغـاز العالمية- مـع دخـول المزيد من المنافسين إلى المشهد وظهـور مراكز تصديـر جديدة للغـاز الطبيعي المسال - فـإن ذلـك يمكن أن يـؤدي إلى فقدان قطـر لمكانتها باعتبارها الملك المتوّج بلا منازع لسـوق الغاز الطبيعي المسال. ثانيـاً، إن الزيـادة في الإمدادات مـن دول مثـل الولايات المتحدة وأستراليا قـد يـؤدي إلى انخفاض اٍلأسعار لسـنوات قادمـة. ثالثـاً، سـوف يتيـح توفّـر إمـدادات بديلة للمشترين في الأسواق الآسيوية التفاوض بحـزم على أي صفقـات مسـتقبلية. والأهم، سـوف تُسـتخدم الإمدادت الجديـدة لا محالـة كأسـاس ٍ لسـوق فورية قويـة، وبذلك تقـوم بإنشـاء سـوق عامليـة للغـاز الطبيعي المسال أكبر حجماً وأكثر مرونـة وتنوعاً. وأخيراً، رمبا تفقد قطـر مكانتها بصفتهـا ”المنتج المرجّح“ الوحيـد، وهـي المكانة التي منحـت الدوحة أهميـة استراتيجية على المستوى الدولي.
لقـد تغيّرت آفـاق سـوق الغاز الطبيعي المسال العالمية بشـكل كبير، ومن المنتظر أن تسـتمر في التغيّر في المستقبل. وتتوقـع وكالـة الطاقـة الدوليـة حـدوث نمو غير مسـبوق في العـرض للغـاز الطبيعـي المسال ، مـع قدرة إنتـاج 150 مليـار متر مكعـب سـنويا مـن الغـاز الطبيعـي المسال(أي مـا يعـادل 40 بالمائة مـن إجمالي العالمي الحالي) إما تحـت الإنشاء أو مخطـط لهـا أن تبـدأ بين عامـي 2015 و2019. ومـن المتقرر أن تزيـد القـدرة التصديريـة للغـاز الطبيعـي المسال في أستراليا إلى أكثر مـن ثلاثة أضعاف لتصـل إلى 106,6 مليار متر مكعب/سـنوياً قبـل نهاية العقد الحالي، مما يجعـل البلاد أكبر مصدر للغـاز الطبيعـي المسال في العالم.
وإذا مـا ثبتـت صحـة هـذه التوقعـات، فسـوف تكـون لهـا انعكاسـات بعيـدة المدى على مكانـة قطر على خارطة الغـاز العالمية. وعلى الرغـم من أن صنـاع القرار في الدوحـة يدركون تماماً هـذه التطورات السريعة في أسـواق الغاز العامليـة، إلى أن خياراتهـم لا تـزال محـدودة. سـيبقى قـرار قطر حظر زيادة إنتـاج الغاز الطبيعي من حقلها الشمالي مسـتمراً حتـى العـام 2015، باسـتثناء مشروع غـاز بـرزان بتكلفـة 10,3 مليـار دولار، الـذي سـوف يغـذي الطلـب المحلّي المتنامي إلى حـد كبير، فلـم يتـم إقـرار أي مشـاريع غاز أخـرى. ولم تعلن قطـر كذلك عن أي خطط لتوسـيع قدرتهـا التصديرية للغـاز الطبيعـي المسال أكثر مـن منشـآتها الحاليـة ونتيجـة لذلك، سـتبقى استراتيجية الغاز في قطـر في حالـة جمـود، على الأاقل في المدى القصير.
ومـع ذلـك، أشـارت قطـر إلى أنهـا قـد تزيـد مـن إنتـاج الغـاز الطبيعـي المسال لديهـا عـن طريـق تحسين كفـاءة محطـات إنتـاج الغـاز الطبيعـي المسال. وعلى المديين المتوسط والطويـل، قـد تلجأ قطـر أيضـاً إلى توسـيع طاقتها الإنتاجية مـن تحويـل الغـاز إلى السوائل(GTL) ووقـود الغـاز الطبيعـي المسال اللّازم لقطاع الشـحن. كما تبنت قطـر خيـار ”شراء المنافسة“، وخصوصـاً مـن خلال مشروعها المشترك مـع شركة إكسـون موبيـل في محطـة غولدن بـاس للغـاز الطبيعـي المسال في ولاية تكسـاس، الولايات المتحدة الامريكية. ومـن المتوقع أن تصـل تكلفـة هـذا الاستثمار إلى أكثر مـن 10 مليـارات دولار بقـدرة تصديريـة تزيـد على 20 مليـار متر مكعـب سـنوياً. وعلى الرغم ّ مـن أن الانخفاض في أسـعار النفـط والغـاز الطبيعـي المسال والغـاز بالأنابيب يجعل مثـل هذه المشاريع تبدو أقل جاذبيـة مـن الناحيـة الاقتصادية، فقـد مضت قطـر قُدمـاً في المشروع باعتبـاره حجـر الزاويـة في استراتيجيتها للغاز الطبيعـي المسال على المدى الطويل.
وهنـاك أيضـاً فـرص واعـدة لتصدير الغاز الطبيعي المسال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيـا . ومن المتوقع أن يقفـز الطلـب السـنوي في منطقـة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مـن 5,4 مليار متر مكعب في العـام 2015 إلى 12,2 مليـار متر مكعـب بحلـول العـام 2020، ثـم لريتفـع إلى 31,3 مليـار متر مكعب بحلـول العـام 2025. والأهم، إذا مـا متكنـت دول مجلـس التعـاون الخليجـي مـن التغلـب على اختلافاتهم السياسـية واتفقـت على آليـة سـعر ُجامعيـة مرضيـة، فـإن بوسـع قطر تلبية معظـم، إن لم يكن كل، الطلـب المتوقع على الغاز في دولـة الإمارات العربية المتحدة وسـلطنة عمان والكويـت وربما المملكة العربية السـعودية عبر خـط أنابيب دولفين. وهناك أيضاً ٌ متسـع كبير لزيـادة صـادرات قطـر مـن الغـاز الطبيعـي المسال إلى الاتحاد الأوروبي، خاصة إذا قـررت المفوضية الأوروبية المضي قدمـاً في خطتهـا لتقليـل اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغـاز الروسي. ومـع ذلك، ينبغـي على قطـر أن تكون أكثر مرونـة في توقيع عقـود جديدة.
وعلى المدى الطويـل، فـإن المسؤولين القطريين متفائلـون بـأن الطلـب على الغـاز الطبيعـي المسال سـيكون قوياً ورمبـا يتجـاوز القـدرة الإجمالية للمشـاريع القائمة. ومـع ذلـك، يمكن لعـدة عوامـل أن تغيّر ديناميكيـات سـوق الغـاز الطبيعـي المسال مـرة أخرى في المستقبل. فالتقـدم التكنولوجـي السريع في مجال استكشـاف الطاقـة والحفر والإنتاج يمكن أن تزيـد مـن توافـر إمـدادات الغـاز في عـدة بلـدان. وعلى الرغـم من أنه مـن الصعب تكـرار تجربة الولايات المتحدة في مجـال تنميـة الغـاز الصخري على نطاق عالمي، إلى أن ّ تطور التكنولوجيا المستمر يشير إلى ان ذلـك لا يـزال ممكنـاً. وثانيـاً ، هنـاك رغبة قويـة لدى العديد مـن الدول المستهلكة للطاقة، وخاصة في آسـيا، للتقليل مـن اعتامدهـا على واردات الطاقـة في الشرق الأوسط. فٌتدابير مثل الكفـاءة في اسـتخدام الطاقة وتشـجيع البحث والابتكار وزيـادة الاستثمارات في مجـال الطاقـة النووية والبديلة قد تقلص مـن الزيادة في الطلب المستقبل. وأخيراً، فـإن سياسـة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لا تـزال في طـور التغّير، لذلـك يمكن أن تكـون كل الاحتمالات واردة، بما في ذلـك توقيـع اتفـاق نـووي نهـائي مـع إيـران، والانسحاب مـن افغانسـتان، والتوصل إلى حلٍّ سياسي في العـراق وسـوريا. ولـو أخذنا بالحسـبان هـذه العوامل مجتمعـة، فيمكن لها على المدى الطويل أن تضعـف تدريجياً الهيمنة الاستراتيجية لقطـر (والخليـج بشـكل عـام) بالنسـبة للولايات المتحدة وحلفائهـا. وعلى هـذا النحـو، فإن قطـر ودول الخليـج بحاجـة ماسـة إلى وضـع استراتيجية مشتركة تأخذ في الاعتبار جميع السـيناريوهات.