شؤون خليجية -
موجة مفزعة من الخسائر والأضرار الاقتصادية بدول الخليج، بسبب استمرار تراجع أسعار النفط، مما اضطرها لاتخاذ سياسات تقشفية تتضمن تحرير أسعار الوقود ورفع الدعم الحكومي عن المنتجات النفطية، وتقليص الدعم بشكل عام، وتأجيل أو تجميد أو إلغاء بعض المشاريع التنموية المهمة.. فهل يتجه الأمر إلى الأسوأ؟. هذا ما أجاب عليه تقرير حديث لصندوق النقد الدولي تضمن تحذيراً جدياً للدول النفطية في الشرق الأوسط، بما فيها الأعضاء الكبار في منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، المملكة العربية السعودية، وسلطنة عُمان، ومملكة البحرين.
وبحسب التقرير، الذي خيمت عليه حالة من "التشاؤم"، فإنه حتى كبار المصدرين في الشرق الأوسط لن يمكنهم احتمال تراجع أسعار النفط إلى الأبد، فإذا ما ظل السعر يتراوح حول 50 دولارًا للبرميل، فإن غالبية دول المنطقة سوف تفقد كل احتياطاتها النقدية خلال خمس سنوات أو أقل. وأشار إلى أن التراجع المستمر في سعر النفط، منذ منتصف العام الماضي، سوف يكبد دول المنطقة خسائر تقدر بنحو 360 مليار دولار، خلال العام الحالي فقط.
كما خفّض صندوق النقد الدولي توقعاته في مطلع العام الحالي، في شأن الفوائض المالية للبلدان الخليجية مجتمعة من 275 بليون دولار إلى نحو 100 بليون دولار، وحذّر من أن بعضها سيواجه عجزاً مالياً إذا استمر الإنفاق الحكومي وفق المستويات الحالية.
كما سبق وأن كشفت وكالة "ستاندرد آند بورز" لخدمات التصنيف الائتماني، الشهر الماضي، أن استمرار تراجع أسعار النفط قد يؤدي إلى تأجيل بعض مشاريع البنية التحتية أو إلغائها في دول مجلس التعاون الخليجي.
وأضافت الوكالة، في تقرير وزعته في دبي، أن مؤسسات وشركات البنية التحتية في دول مجلس التعاون تواجه بيئة تشغيل ضعيفة في الوقت الحالي، على خلفية انخفاض أسعار النفط منذ يونيو 2014.
وأوضح التقرير، أن دول مجلس التعاون الستة تقع تحت ضغط، بسبب تخفيض الإنفاق في مواجهة تراجع الإيرادات النفطية، وهو ما يتسبب في تباطؤ تلك المشروعات نتيجة لذلك، وأضاف أن هذا المناخ الاقتصادي الضعيف أدى أيضاً إلى تراجع إصدارات الديون للشركات الخليجية بنسبة 58 %، على مدار الاثني عشر شهراً الماضية، لتصل إلى نحو 7 مليارات دولار، ومن أكثر أدوات الدين المتراجعة كانت السندات والصكوك.
فما الذي يمكن أن تفعله دول الخليج لمواجهة هذه الأزمة التي تعصف باقتصادها، في ظل أخطار خارجية محدقة بها، وعدم استقرار المنطقة دفعها للتورط في بعض الحروب بالوكالة. وأجمع مراقبون وخبراء اقتصاد أنه يمكن الخروج من تلك الأزمة من خلال إعادة هيكلة لأبواب الإنفاق لتلك الدول، تنويع مصادر الدخل، ووقف سباق التسلح فيما بينها، ووقف دعم الانقلابات بالمنطقة، وضرورة تفعيل الدور الاقتصادي الموحد لدول مجلس التعاون الخليجي، وضمان تماسك الجبهة الداخلية، وضمان ولاء الشعوب لحكوماتهم.
تنويع مصادر الدخل
ما ضاعف الأزمة التي تواجهها دول الخليج الآن، أن النفط لا يزال العامل الرئيس في تحريك الأداء الاقتصادي لتلك الدول، لذلك قال "الصندوق الدولي" في تقرير له في بداية العام الحالي: "أن اعتماد هذه الدول على صادرات النفط سيظل يشكل خطراً على المدى البعيد. وأكد على أهمية التوسع في التنويع الاقتصادي، وتعزيز القطاعات غير النفطية في دول التعاون للحفاظ على النمو والفوائض المالية في المستقبل البعيد.
ولفت إلى أن التنويع الاقتصادي عنصر أساس أمام بلدان المنطقة كي تضمن نمواً قوياً في المستقبل. وشدد على ضرورة تنويع الحكومات مصادر دخلها بعيداً من الإيرادات النفطية، مشيراً إلى أن عليها مواصلة تحسين أطر العمل القانونية والضريبية، وضمان وجود إطار عمل سياسي مستقر. كما أكد على ضرورة تهيئة السلطات الخليجية الظروف المناسبة لمشاركة القطاع الخاص، باعتباره الوحيد القادر على معالجة التحديات المقبلة المتمثلة بالضغوط الديموغرافية والبطالة
وأشار التقرير إلى أن البلدان التي لا ترتقي إلى مستوى النمو لا تستغل مواردها بما يكفي. وعادة ما تنتج اقتصاداتها معدلات بطالة، وقدرة غير مستغلة على التصنيع، وتضخماً منخفضاً. أما البلدان التي تزيد فيها معدلات النمو عن المتوقع، فتعاني من التضخم.
ويتراجع النمو الاقتصادي، أساساً إلى ضعف الصادرات، وتراجع الاستثمار والاستهلاك الخاص. أما المؤشرات الرئيسة مثل النمو الائتماني والسيولة فتشير إلى أن تراجع النشاط الاقتصادي قد يستمر لفترة أطول، فتشهد عمان وقطر مرحلة مبكرة من الانكماش، كما تشهد الكويت والسعودية تباطؤاً أيضاً، لكنهما ضمن مرحلة أخيرة من الانكماش.
إعادة هيكلة أبواب الإنفاق
طالب مراقبون دول الخليج بإعادة هيكلة أبواب الإنفاق، وذلك من خلال تخفيض فاتورة دعم الانقلابات من خلال الهبات والمساعدات والاستثمارات.. وتجميد المشاركة في التحالف الدولي للحرب على داعش، وتقليص ميزانية صفقات التسليح التي باتت دول الخليج تتسابق فيما بينها من خلالها.
وقف دعم الانقلابات
وتساءل مراقبون هل: تعلن دول الخليج قريبًا توقفها عن تقديم أي دعم مالي للانقلاب في مصر؟، وتعيد ضخ أموالها إلى الداخل، لإعادة تشغيل المشروعات المتوقفة، وتوفير فرص عمل وتقليل نسب البطالة.. حيث تشير تقديرات غير رسمية إلى أن دول خليجية قدمت الدعم المالي والنفطي والاقتصادي بأكثر من 51 مليار دولار، وبخاصة من قبل السعودية والإمارات تليهما الكويت.
كما قدمت كل أشكال الدعم لقائد الانقلاب المصري عبد الفتاح السيسي، منها الدعم السياسي وحشد التأييد الدولي والإقليمي، ودعمت الأذرع الإعلامية للانقلاب، وحملات تجميل صورته وتسويقه دوليًا، وأفادت مصادر دبلوماسية إماراتية عن أن لقاء جمع بين دبلوماسيين إماراتيين ونظراء ليبيين من مؤيدي قائد الثورة المضادة في ليبيا «خليفة حفتر»، أقر فيه الجانبان بإرسال الإمارات أسلحة وذخيرة ثقيلة إلى ليبيا، كذلك كشف دبلوماسيون غربيون العام الماضي، أن مقاتلات إماراتية شاركت في قصف أهداف في طرابلس في إطار إسناد عسكري لميليشيات «حفتر».
في 13 إبريل 2014، كشف الباحث الأمريكي «نفيز أحمد»، عن أن الإمارات دعمت ميليشيات الحوثيين في اليمن بمبلغ مليار دولار، وذلك عن طريق نجل الرئيس المخلوع «علي عبد الله صالح».
تجميد المشاركة بالحرب (داعش)
وبالرغم من عدم جدواها بنتائج ملموسة تفيد تحجيم تنظيم الدولة "داعش"، أو تجنب دول الخليج ويلات هجماتها.. تدفع دول خليجية تكلفة مضاعفة بمساهمتها في التحالف الدولي ضد "داعش"، حيث استطاعت الولايات المتحدة حشد تحالف دولي يضم 40 دولة، ضده، لتخوض حرباً باهظة ممولة من دول عربية وغربية، يدفع فاتورتها بالأساس دول خليجية، على رأسها السعودية والإمارات كحرب مفتوحة، بينما أعلن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، أنها ستكون على مراحل وتستمر لنحو ثلاث سنوات، والتي تحتاج بحسب خبراء إلى 30 مليار دولار.
وقف سباق التسلح
قفزت صادرات الأسلحة إلى الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي بنسبة بلغت نحو 70 % خلال الفترة من 2005 - 2009 وحتى 2010 - 2014، ما يمثل 54 % من إجمالي واردات الأسلحة إلى الدول في منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة من 2010 – 2014. بحسب معهد "ستوكهولم" الدولي لبحوث السلام (SIPRI).
فيما خصصت السعودية أكثر من ٢٥ % من ميزانيتها السنوية عام ٢٠١٤ لشراء الأسلحة، أي ما يعادل أكثر من ٨٠ مليار دولار، وهي الميزانية العسكرية الأعلى بين جميع دول المنطقة، وتأتي بعدها الإمارات في المرتبة الثانية والتي خصصت ٢٣ مليار دولار لهذا الغرض.
وكشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية مؤخرًا، نقلًا عن مسؤولين بإدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أن البنتاجون ينتهي حاليًا من الإعداد لإرسال أسلحة إلى السعودية بقيمة مليار دولار، لتمويل حرب المملكة ضد "داعش" والحوثيين.
إلى جانب الصفقات السعودية هناك سلسلة من صفقات الأسلحة لدول خليجية عديدة، منها الإمارات والكويت وقطر، تثري خزينة شركات السلاح، فيما تعاني خزينة الخليج من أزمة صارت مفزعة ومقلقة للغاية.
مما يستوجب من تلك الدول إعادة توجيه الأموال للخدمات والمشاريع، وبخاصة في ظل تجميد استخدامات هذه الأسلحة، والتي تصب بالأساس لصالح شركات السلاح ودولها.
ضرورة الاتحاد الخليجي
يطول الحديث عن حلم الاتحاد بين دول مجلس التعاون وأهميته الحاسمة في ضوء ما تشهده المنطقة والعالم. والجميع يرى الطريقة التي تتعامل بها الدول الأوروبية هذه الأيام مع اليونان، ودعمها لها للخروج من أزمتها الاقتصادية، وكي تتأكد أنها ستبقى عضواً في الاتحاد الأوروبي. حث تفعل الدول الأوروبية هذا إدراكاً منها أن انسحاب أي عضو من الاتحاد سوف يضعفه وسوف تكون له نتائج سلبية تطول الجميع.
وهناك مثال آخر هو حلف الناتو، الذي تقوم عقيدته على اعتبار أن أي اعتداء على عضو من أعضائه، هو اعتداء على كل الأعضاء يجب أن يتصدوا له ويواجهوه بشكل جماعي.
وفي ظل ما تشهده المنطقة من توترات وصراعات وأخطاراً كبرى، فإن دول مجلس التعاون الخليجي التي يجمعها الحاضر والمصير المشترك ليس أمامها من خيار سوى الاتحاد، كضرورة تاريخية حاسمة.
توسيع المشاركة المجتمعية
يرى مراقبون أن هناك ضرورة لضمان ولاء الشعوب لحكوماتها في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به المنطقة؛ ليتحمل مع حكومته وبلاده تبعات الأزمة الاقتصادية والمخاطر الخارجية.
وقال الكاتب الصحفي والنائب الكويتي مبارك الدويلة، في مقاله بالقبس اليوم الأربعاء: "اليوم المواطن الخليجي يصرخ بأعلى صوته: أيتها الحكومات ثقوا أن قرارنا أن لا بديل عنكم، ولكن كونوا على قدر هذه الثقة وعند حسن ظننا بكم!! أيتها الحكومات.. تصالحوا مع شعوبكم وأعطوهم حقوقهم بالعيش الكريم كاملة غير منقوصة، ليشعر كل خليجي انه عزيز في بلده، لا كما بدأ بعضنا يشعر أنه ملاحق بكثرة قضايا الرأي في وطنه! المواطن الخليجي اليوم هو صمام الأمان لاستقراركم، بعد ان تخلى عنكم أقرب الحلفاء وأعز الأصدقاء، فاحرصوا على كرامته من أن تُهان، وعلى حريته من أن تُقمع! ثم بعد ذلك تصافوا فيما بينكم وتكتكوا كما يحلو لكم".
كما يرى الكاتب الكويتي د. بدر الديحاني، في مقاله بالجريدة: "إن الترتيبات السياسية الجديدة في المنطقة الناتجة عن الأزمة الاقتصادية الرأسمالية سيكون لها انعكاسات سلبية على دول مجلس التعاون الخليجي، وهو الأمر الذي يتطلب صلابة الجبهات الداخلية وتماسكها، عن طريق توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في صنع السياسات واتخاذ القرارات".