عبدالله النيباري- الخليج الجديد-
انفردت جريدة «الجريدة» بتسليط الضوء على تدخل وزراء، لإحياء مناقصة نفطية، قيمتها تزيد على 250 مليون دينار (875 مليون دولار)، سبق أن ألغتها لجنة المناقصات، بناءً على توصية من شركة نفط الكويت، صاحبة المشروع.
وذكرت في عددها الصادر في 15 أكتوبر 2015، نقلاً عن مصدر مطلع في مجلس الوزراء، زوَّدها بمعلومات تفصيلية، أن مناقصة أنابيب النفط قيمتها أكثر من 250 مليون دينار، ووصفت الضغوط بالتحركات المريبة، وتحمل شبهة التنفيع، وقد تصل إلى شبهة فساد.
واستمرت «الجريدة» في تسليط الضوء على ما سمَّته تدخلات من أعلى السلطات من وزراء، لإلغاء المناقصة، وترسيتها على المناقص صاحب ثاني الأسعار.
وواصلت، وبجرأة تُحسب لها، ملاحقتها الدؤوبة، لكشف محاولات الضغوط الوزارية عبر ثمانية أعداد، الصادرة في 3 أغسطس الماضي، وفي 5 و16 و20 و26 و27 أكتوبر الماضي، وكان لما كشفته صدى في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث كتب الأخ وزير الكهرباء السابق عادل الصبيح في تغريدة له عبر حسابه على «تويتر»، جاء فيها «معلوم أن انسحاب الأول من وسائل التواطؤ على الدولة، بهدف الترسية على الثاني، بفارق عشرات الملايين»، وقال في تغريدة أخرى أيضاً: «استماتة أطراف متنفذة، لترسية المناقصة على خلاف توصية الشركة صاحبة المشروع، ورغم إلغاء المناقصة رسمياً.. تثير زوبعة من الشكوك».
هذه المحاولات المريبة، والضغوط والتدخلات، لتغيير قرارات لجنة المناقصات المركزية، وتوصيات الجهات المعنية، صاحبة المشاريع، تشير بوضوح إلى أن الفساد في الكويت، الذي أزكمت روائحه الأنوف، انتقل من مرحلة فساد في السر إلى العلن، من دون خجل أو حياء، والأهم من دون خوف، سيراً على قاعدة «من أمِن العقوبة استمرأ السرقة»، والأخطر من كل ذلك، أنه يمارس علناً من أعلى مراكز السلطة، من مجلس الوزراء، وهو ما يؤدي إلى تكسير مجاديف النزهاء، وزيادة إحباط وقهر المواطنين، وكأنهم يقولون «موتوا بقهركم».
تتلخص أحداث القضية، وفق ما جاء في متابعة «الجريدة» ومصادر أخرى موثوقة، في أن شركة نفط الكويت طرحت مناقصة في أواخر عام 2014 لمد خط أنابيب لنقل النفط الخام، لتغذية مشروع المصفاة الرابعة وهو تحت الإنشاء.
واستدرجت الشركة العروض من المتناقصين.. وبعد فضّ عطاءات الشركات المتنافسة، جاءت الأسعار كالتالي:
شركة لارسن آند توبرو 229 مليون دينار، وشركة دودسان 260 مليون دينار، وشركة سايبم 268 مليون دينار.
وعليه، تقدَّمت الشركة إلى لجنة المناقصات المركزية بتوصية، لترسية المناقصة على أقل الأسعار، وهي شركة لارسون، بمبلغ 229 مليون دينار، إلا أن الشركة اعتذرت، وطلبت الانسحاب، من دون تقديم أسباب مقنعة، لذا تقدمت شركة النفط بتوصية إلى لجنة المناقصات، بإلغاء المناقصة، وطرحها من جديد، بدلاً من ترسيتها على ثاني أقل الأسعار، وقدمت أسباباً لتوصيتها:
أولاً: نظراً لفارق الأسعار بين الأول والثاني يصل إلى 31 مليون دينار، ما يعادل 13 في المائة.
ثانياً: فرص الحصول على أسعار أقل نتيجة، لانخفاض أسعار الحديد والنحاس، بسبب انخفاض أسعار البترول، وهاتان المادتان تشكلان جزءاً كبيراً من تكلفة المشروع.
ثالثاً: ورود طلبات جديدة من وزارة الكهرباء والماء، لمد خطوط وقود لمحطاتها، ما يوفر على المال العام عند دمجها مع المناقصة الجديدة المطلوب إعادة طرحها.
رابعاً: التخوف من تعثر المتناقص الثاني، شركة دودسال، لوجود مشاريع ضخمة مسندة إليها، بقيمة 500 مليون دينار، تواجه تأخيراً في الإنجاز وفق مدة العقد.
وبعد أخذ وردّ، ومراسلات ومناقشات متبادلة، استغرقت ستة أشهر، من 11 نوفمبر 2014 إلى 11 مايو 2015، وافقت لجنة المناقصات على طلب الشركة، بإلغاء المناقصة وإعادة طرحها من جديد، ونشر القرار في الجريدة الرسمية.
في تاريخ 12 مايو 2015، تقدمت شركة الواحة، وكيل ثاني أقل الأسعار، بتظلم إلى لجنة المناقصات وفقاً للمادة 62 من قانونها.. وبعد بحث التظلم بين اللجنة والشركة، قررت اللجنة حفظ الموضوع، بمعنى رفضه.
وفي تاريخ 14 يوليو 2015، تقدمت شركة الواحة بتظلم ثانٍ، وبعد الدراسة ومناقشات مع الشركة، التي أصرَّت على التمسك بتوصيتها، وافقت اللجنة على حفظه لثاني مرة، بمعنى رفضه، وأعلنت قرارها رسمياً في جريدة «الكويت اليوم»، جريدة الدولة الرسمية.
إلى هنا، والإجراءات سليمة، وفق قانون لجنة المناقصات، فاللجنة استقر رأيها بعد البحث والتقصي، ووصلت إلى قرارها بقناعة واطمئنان.
المشكلة نشأت عندما بدأت محاولات التدخل من مجلس الوزراء، التي وصفتها «الجريدة» بتدخلات مريبة، ووصفها عادل الصبيح، بأنها محاولات مستميتة، لترسيتها على المناقص الثاني.
فبعد أن رفضت لجنة المناقصات تظلمين من شركة الواحة، وإعلان قرارات اللجنة في الجرvwيدة الرسمية، تقدمت شركة الواحة بتظلم إلى مجلس الوزراء، وهو إجراء يخالف ما جاء في المادة 62 من قانون المناقصات، التي نصَّت على «أن التظلم يقدم إلى لجنة المناقصات المركزية، ويعرض بصفة مستعجلة، فإن وجد نصف الأعضاء الحاضرين، من بينهم الرئيس، يرفع الأمر إلى مجلس الوزراء، الذي يفصل في التظلم ويكون قراره نهائياً» (مادة 62)، لكن ما حصل كان مخالفاً لذلك، فقد تقدم المناقص، ثاني أقل الأسعار (شركة الواحة) بتاريخ 8 أكتوبر2015 بتظلم إلى الأمين العام لمجلس الوزراء، الذي أحاله إلى وزير النفط، الذي طلب بدوره إيقاف إجراءات إلغاء المناقصة، وطرحها من جديد، وهو طلب مخالف للقانون، فقرارات لجنة المناقصات نهائية، ولا يجوز التدخل فيها، وهو يجرح استقلاليتها المفترضة.
وفي الوقت نفسه، أرسلت لجنة المناقصات كتاباً إلى الأمين العام بشأن كتابه بتاريخ 15 يوليو 2015، شرحت فيه تسلسل مراحل النظر في مناقصة الأنابيب، وأنها في اجتماعها بتاريخ 24 نوفمبر 2014، بعد دراسة وافية للموضوع، أن اللجنة وافقت على إلغاء مناقصة الأنابيب وإعادة طرحها، وأن المناقص ثاني أقل الأسعار قد تقدم بتظلمين إلى اللجنة، وقررت اللجنة حفظهما (رفضهما)، ونشرت قراراتها في الجريدة الرسمية، وبذلك يكون المتظلم قد استنفد فرصه.
المفاجأة أن لجنة المناقصات المركزية أعلنت أنها في اجتماعها بتاريخ 12 أكتوبر2015 قررت التراجع عن قرارها السابق، القاضي بإلغاء مناقصة الأنابيب وإعادة طرحها، وترسية المناقصة على شركة دودسال (وكيلها شركة الواحة)، وفي الوقت نفسه، اتخذت قراراً يناقض قرارها الأول، بإحالة الأمر إلى مجلس الوزراء، ليتخذ ما يراه مناسباً، أي أن هناك انقلاباً في موقف لجنة المناقصات، وتراجعاً يصعب فهمه، لكنه يشير بنجاح الجهود المستميتة، وفق ما جاء في تغريدة الأخ عادل الصبيح.
الآن، بعد تقديم النائب أحمد القضيبي أسئلة عن المناقصة تلقى وعداً من رئيس الوزراء، بإحالة الموضوع إلى ديوان المحاسبة، فهل ينقذ الديوان نزاهة الكويت ويحمي الأموال العامة؟