ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-
يتصاعد التذمر ضد المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأعضاء في أوبك بصوت أعلى مع تبخر نصف تريليون دولار من عائدات النفط، ومع كل شهر يمر دون أن تحدث الضربة القاتلة التي طال انتظارها لصناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة.
ويقول وزير الطاقة السابق في الجزائر، «نور الدين آيت لوزين» أنه قد حان الوقت للنظر في تعليق عضوية بلاده في أوبك إذا كانت المنظمة غير مستعدة للدفاع عن أسعار النفط، وإذا كان ستستمر كأداة لمتابعة مصالح النظام السعودي الخاصة. «لماذا نستمر في المنظمة إذا لم يعد مقدورها القيام بأي دور؟».
يمكن للمملكة العربية السعودية، بالطبع، أن تفعل ما تشاء في قمة أوبك في فيينا في 4 ديسمبر/ كانون الأول المقبل. وطالما أنها تهمين على المنظمة، فإن بإمكانها الاستمرار في إغراق السوق العالمي للنفط الخام والإبقاء على الأسعار أقل من 50 دولارا.
يمكن تجاهل النداءات اليائسة من فنزويلا والإكوادور والجزائر، من بين دول أخرى، لإجراء تخفيضات منسقة في الإنتاج لامتصاص فائض يبلغ 2 مليون برميل يوميا ورفع الأسعار إلى 75 دولارا للبرميل.
«المملكة العربية السعودية تعمل مباشرة ضد مصالح نصف الدول الأعضاء في المجموعة وتقود أوبك إلى الهاوية. هناك ثورة يمكن أن تحدث في اجتماع فيينا»، وفقا لـ«هيلما كروفت» وهي محلل النفط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.
«السعوديون بحاجة إلى أوبك، إنها الأداة التي يمكن من خلالها ممارسة القوة والنفوذ العالميين، بنفس الشكل الذي تمارس به ألمانيا تأثيرها على العالم من خلال الاتحاد الأوروبي».
نائب ولي العهد السعودي، الأمير «محمد بن سلمان»، البالغ من العمر 29 عاما والذي يدير المملكة الآن عليه أن يخطو بحذر. وقد قيل أنه ورث الإرادة الفولاذية والطموح الواثب عن جده، ولكنه لن يكون بمقدوره أن يغامر بتفجير أزمة داخل أوبك بعد أشهر قليلة من الحرب الكارثية في اليمن. «سوف يشعل ذلك السخط في المملكة ويعمق الشعور بالتخبط».
وتشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية أن انهيار أسعار النفط وانخفاض إيرادات أوبك من تريلليون دولار سنويا إلى 550 مليار دولار قد تسبب في الأزمة المالية التي استمرت لفترة طويلة بما فيه الكفاية لتتحول إلى أزمة جيوسياسية.
وقال «محمد بن حمد الرمحي»، وزير النفط العماني، أن السعوديين قد تورطوا في أزمة من صنع أيديهم، جدير بالذكر أن هذه وجهة نظر مشتركة بين الكثيرين داخل السعودية نفسها.
»إذا كان لديك مليون برميل يومية إضافية في السوق فهذا يعني أن السوق قد تحطم. نحن نشعر بالألم وننظر للأمر على أنها أزمة يحركها الله.. آسف، أنا لا أصدق هذا، وأعتقد أننا قمنا بإنشاء ذلك بأنفسنا».
اللعبة الخطرة
السعوديون يقولون بشكل صريح أنهم قد تركوا السوق ليحدد الأسعار، وهو الأمر الذي قوبل بما يشبه ابتسامة ساخرة من قبل كبار محاربي الطاقة. يمكن للمرء أن يشك في أن المملكة العربية السعودية سوف تكون قادرة على العودة للممارسة الطبيعية بعد تحطيم منافسيها. في حال نجحت في ذلك من الأصل.
يمكن للمرء أن يشك أيضا أن جزء من اللعبة موجه لكبح جماح الطفرة الكبيرة لاستخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في محاولة لتدمير طاغوت الطاقة المتجددة والفوز بالمزيد من الامتداد في الوضع الراهن. إذا كان الأمر كذلك، فإن الأمر قد جاء بعد فوات الأوان. حدث الخطأ قبل 4 أو 5 سنوات حين سمح لأسعار النفط بالارتفاع فوق 100 دولار طوال هذه الفترة من الوقت. وتكمن جذور ذلك في الفشل في عدم فهم مدى سرعة تحول الأرض بالفعل من تحت أقدام الأنظمة النفطية الريعية. أوبك تتوقع أن الطلب على النفط سوف يستمر في الارتفاع بلا هوادة، مضيفا 21 مليون برميل إضافية من النفط يوميا بحلول عام 2040 ليصبح إجمالي الطلب 111 مليون برميل يوميا وكأن شيئا لم يتغير. إنهم يدفنون رؤوسهم في الرمال.
التعهدات المناخية التي تم قطعها خلال قمة باريس (لمناقشة مواجهة انبعاث الكربون)، على سبيل المثال، من قبل الولايات المتحدة والصين والهند تعني تحولا جذريا في المشهد العالمي للطاقة. وتقول وكالة الطاقة الدولية أن الطلب على النفط سوف يبلغ 103 مليون برميل يوميا فقط بحلول عام 2040 حتى في ظل قيود متواضعة حول انبعاث الكربون. وسوف ينهار هذا الرقم إلى 83.4 مليون برميل يوميا إذا عزم قادة العالم أمرهم.
القفزة المقبلة سوف تكون في تكنولوجيا تخزين الطاقة. فرق من العلماء في جامعة هارفارد، معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، تخوض سباقا لخفض تكلفة البطاريات،الكبيرة والصغيرة، والتغلب على لعنة التقطع لطاقة الرياح والطاقة الشمسية.
ويقول فريق في كامبريدج أنه نجح في تطوير تقنية لبطاريات الليثيوم الهوائية بإمكانها خفض التكاليف بمعدل أربعة أخماس، وتمكين السيارة بقطع رحلة تبلغ مئات الأميال بشحنة بطارية واحدة. بحلول عام 2040، ربما تكون بقايا السيارات العاملة بالبنزين على الطرقات ليست سوى مجرد آثار.
«سوف تتم كهربة كل شيء. محركات الاحتراق الداخلي وصلت إلى طريق مسدود والجميع يعلم ذلك. ويجب على شركات السيارات أن تعي ذلك»، وفقا لتصريحات أحد المسؤولين في محادثات انبعاث الكربون.
ربما من الأفضل أن تنصح أوبك بمحاولة استهداف أسعار ما بين 75 إلى 80 دولار للبرميل وتعظيم إيراداتها مستغلة الوقت حيث لا يزال بالإمكان تحقيق ذلك. والاستفادة من نافذة الماضي لكسر الاعتماد على الطاقة وتنويع اقتصاداتها.
النفط الصخري لم ينهار
حرب الاستنزاف الحالية ضد النفط الصخري هي مناطحة للصخر، وقد انخفض إنتاج الولايات المتحدة بمعدل 500 ألف برميل يوميا منذ إبريل/ نيسان، ولكن معدل الانخفاض تباطأ في أكتوبر/ تشرين الأول إلى 40 ألف برميل يوميا/ فقط. إجمالي إنتاج 9.1 برميل يوميا هو تقريبا ما كان عليه الوضع قبل عام عندما بدأت حرب الأسعار.
«التوقعات بأن سياسة إخراج المنتجين سوف تعيد الأعلى تكلفة وتعيد التوازن سريعا إلى السوق أثبتت أنها غير دقيقية»، وفقا لوكالة الطاقة الدولية. تتجه التكاليف إل الهبوط من انخفاض الرسوم المعدات وتقليص الوقت اللازم للحفر. وزارة الطاقة الأمريكية تتوقع تراجعا جديدا بمعدل 600 ألف برميل/ يوميا في العام المقبل، ولكن هذا ليس انهيارا.
بحلول ذلك الوقت سوف تكون أوبك قد خسرت نصف تريليون دولار أخرى. «ما هو مفهوم الفوز عند السعوديين؟ هل بإمكانهم حقا تحمل سنة أخرى على هذه الأوضاع» وفقا لـ«كروفت».
بإمكان أوبك أن تفلس بالفعل إثر ارتفاع الديون قبل أن تنجح في إسقاط صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة. البنية التحتية والتكنولوجيا لا تزال قائمة. وحتى لو توقف الإنتاج فسوف يعود المنتجون إلى العمل من جديد بمجرد تخطي الأسعار حاجز الـ60 دولارا للبرميل.
ما هو واضح بالفعل أن ضغط أوبك قد قتل استثمارات بمبلغ 200 مليار دولار في التنقيب عن النفط معظمها في المشاريع البحرية ومشاريع الرمال النفطية الكندية ومشروعات القطب الشمالي. ربما يؤدي هذا إلى خفض الإنتاج المحتمل في المستقبل، ولكن تلك قصة مختلفة.
قيود جديدة
المملكة العربية السعودية استعادت بالتأكيد حصتها في السوق، ولكن التكلفة التي تحملتها الرياض تدفع حقا إلى التساؤل حول إذا ما كان الفريق الجديد في الرياض قد أجرى مفاضلاته بشكل جيد. ورغم أن المملكة العربية السعودية تمتلك محافظ ممتلئة إلا أن الأمر ليس بلا حدود. الكويت وقطر وأبو ظبي جميعا جميعها تمتلك احتياطيات أعلى من السعودية بالنظر لنصيب الفرد الواحد من السكان.
وقد خفضت «ستاندارد آند بروز» التصنيف الائتماني للسعودية إلى (A+) مع توقعات بوصول عجز الموازنة هذا العام إلى 100 مليار دولار، ما اضطر المملكة إلى السحب من الصناديق السيادية فضلا عن اللجوء لأسواق الدين.
وقد وصل التقشف إلى حدود المملكة أخيرا. وهي صدمة لم تكن على البال. أصدر الملك «سلمان» أمرا سريا تحت شعار «عاجل جدا» جمد خلاله جميع مشروعات التوظيف الجديد من قبل الدولة كما أوقف عقود الملكية وشراء السيارات لمؤسسات الدولة وتوقفت لائحة طويلة من المشاريع. المملكة سوف تضطر إلى تقليص حجم الدعم الصريح ونفقات الرعاية الاجتماعية التي تمثل غطاء ضد الاحتجاجات.
كما أنه ليس من الواضح إذا ما كانت المملكة العربية السعودية يمكن أن تستمر في دعم حلفائها في المنطقة وعلى رأسها مصر التي تكافح بالفعل في مواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية» في سيناء. والتي يشتبه في قيامها بتفجير طائرة الخطوط الجوية الروسية هذا الشهر.
المملكة العربية السعودية نفسها معرضة للهجمات. منذ مايو/ أيار، وقعت 5 هجمات داخل المملكة ارتبطت بتنظيم الدولة الإسلامية شمل أحدها الهجوم على منشأة أمنية قرب منشأة نفطية عملاقة في البقيق، حيث تجمعات الأنابيب الضخمة. سيكون الأمر مدعاة للسخرية حقا إذا ألهبت الاستراتيجية النفطية السعودية المزيد من التوتر في المنطقة التي تشهد بالفعل 4 حروب أهلية في اللحظة الراهنة.