عادل سعد- الوطن العمانية-
في الاقتصاد، وكذلك الحال في البرامج التنموية العامة، لا يصح أن ينظر إلى الصعوبات المتمثلة بهبوط الإيرادات المالية التي تواجه البلد، أي بلد، على أنه في ورطة أو مشكلة إذا كان هامش الهبوط ضمن المستوى الاعتيادي الشائع الذي يمكن السيطرة عليه، كما لا يجوز أن تؤخذ هذه الصعوبات على أنها نستدعي المزيد من المخاوف والتحذيرات، نقول لا يصح الانغلاق على هذا التشخيص إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن (المرونة) التي تتمتع بها بعض الاقتصادات تجعلها في موقع القدرة على (المناورة) التنموية المضمونة في مواجهة التأثيرات السلبية نتيجة الصعوبات المذكورة. الواقع أن ذلك ينطبق بدرجة معينة واضحة على الاقتصاد العماني الذي يصيب إيراداته المالية النفطية الانكماش بين الحين والآخر، شأنه في ذلك شأن عدد من الاقتصادات التي تحتل صادراتها النفطية الحيز الأكبر من نشاطاتها الاقتصادية في تأمين المال اللازم لخططها التنموية.
إن من مميزات الاقتصاد العماني الطبيعة المتحركة التي يتمتع بها، مع هامش واضح في توقع حصول تراجع في أسعار النفط بين الحين والآخر، وهذا التوقع يجعله في دائرة التحسب لاحتمالات من هذا النوع؛ ولذلك فهو في منأى من الوقوع في تأثيرات ما يسمى بالصدمة المالية النفطية، فضلا عن أنه يواصل تحركه للتحرر من الواقع الاقتصادي الأحادي المورد، وهو يحرص على هذه السياسة منذ الشروع في خططه التنموية عام1970، ولقياس هذا التوجه علينا بالمقارنة بين ما كان عليه الاقتصاد العماني خلال الخطط التنموية لعقد التسعينيات، والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وما يتميز به هذا الاقتصاد الآن، ثم إن الاقتصاد العماني في الوقت الحاضر هو أقل اعتمادا على الإيرادات النفطية من اقتصادات (نفطية) ضمن دول الإقليم، إن لم نقل على صعيد أكثر من منطقة أخرى، وما دمنا في أجواء هذا القياس، علينا أن ننظر إلى التحولات الواضحة التي حصلت لصالح التنمية البشرية المستدامة في السلطنة مع حيز واضح في إعطاء المزيد من الاهتمام لقطاعات تنموية ما زالت في حدود النمو المتواضع، ويكفينا للدلالة على ذلك، القرى الزراعية العصرية التي تم استحداثها لتطوير الريف العماني والنشاط الخدمي في تطوير شبكة اتصالات ومواصلات حديثة وتعضيد البنية اللوجستية للموانئ العمانية.
إن ما يحسب للاقتصاد العماني أيضا في عدم انفلات القلق إزاء انخفاض أسعار النفط يكمن في أنه لم يفقد البوصلة التنموية، التي تستمد صحتها من الرؤية الوطنية والأخلاقية والمجتمعية العمانية، وأن الأولويات لديه هي ما يعزز الأساسيات في ورش صناعية وزراعية وخدمية تكاملية، كما يحسب للاقتصاد العماني أيضا، أن هامش الدين العام الخارجي ليس بالحجم الذي يهدد الموازنة الاقتصادية لتأمين سداده.
وفي هذا السياق، أن الاقتصاد العماني يمتلك عددا من فرص تجعله في حصانة من أية تأثيرات سلبية خطيرة لانخفاض أسعار النفط تأسيسا على أن التنمية المستدامة في السلطنة تحمل الآن الكثير من بذور التنمية المتنوعة المرتبطة بتحويل الاقتصاد العماني من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد إنتاجي، يقوم على سعة التوظيف، حيث يتطلب الوضع ذلك. ومن المتوقع أن تكون هناك خطوات أخرى في هذا الشأن أكثر رسوخا في غضون السنوات العشر المقبلة، وتلك مساحة اطمئنان تنموي لا يمكن الاستهانة بها إذا كانت معدلات النمو على وفق الخطط التنموية ألمرسومه للبلاد. وانسجامًا مع هذا الحال نقول إن سلطنة عمان ليست بحاجة إلى نصيحة صندوق النقد الدولي التي أطلقها قبل أيام قليلة وشمل بها الاقتصاد العماني محذرًا الدول النفطية من مغبة المكوث في انتظار تحسن أسعار النفط، بل عليها العمل على إيجاد بدائل مالية تسد العجز.