ستراتفور- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-
قبيل اجتماع أوبك اليوم 4 ديسمبر/ كانون الأول، قال مندوب لم يرغب في الإفصاح عن اسمه أن المملكة العربية السعودية تدرس تنظيم خفض إنتاج النفط العالمي بالتعاون مع دول أوبك والدول المنتجة خارجها. وعلى الرغم من أن المسؤولين السعوديين قد نفوا هذا الادعاء، فقد كان هناك تحول طفيف في لهجة المملكة العربية السعودية بخصوص سياستها النفطية.
ووفقا للخطة التي تسربت، فإن الرياض ربما تبدي استعدادا لخفض إنتاجها النفطي بمعدل مليون برميل يوميا وفق ثلاثة شروط: أولها، أن يتضمن خفض الإنتاج المتفق عليه الدول خارج منظمة أوبك مثل المكسيك وروسيا وفنزويلا وسلطنة عمان وكازاخستان. وثانيها أن يتعهد العراق بتجميد إنتاجه النفطي عند المستويات الحالية (حوالي 4.3 ملين برميل يوميا)، أما الشرط الثالثة فهي مشاركة إيران أيضا في خفض الإنتاج.
تبدو هذه الخطة مثالية بالنسبة للمملكة العربية السعودية، وفي واقع الأمر، فإنها ليست فكرة جديدة تماما بالنسبة للرياض. كان السعوديون واضحين في إعلان موقفهم بأنهم ينوون ترك الأمور لحركة الأسواق وأنهم سوف يشاركون فقط في خفض الإنتاج إذا فعل الجميع في أوبك، وليست المملكة العربية السعودية وحدها، ذلك. التغيير الكبير على مدى الأشهر القليلة الماضية هو أن الخطاب السعودي يشير فيما يبدو إلى أن الرياض قد صارت أكثر انفتاحا على الفكرة، ويمكن أن تكون على وشك اتخاذ موقف أكثر نشاطا لتنظيم الإنتاج خلال العام أو العامين المقبلين.
سوف يكون العام القادم هو الوقت الأمثل بالنسبة للمملكة العربية السعودية وسائر دول أوبك من أجل تغيير مواقفهم. أسعار النفط تحوم الآن حول 40 دولارا للبرميل، بينما يبلغ متوسط الأسعار في سلة أوبك حوالي 38.5 دولارا. هذا السعر هو أقل بكثير من السعر اللازم لتغطية النفقات الاستثمارية للمنتجين مرتفعي التكلفة مثل الصخر الزيتي في أمريكا الشمالية. تختلف تكلفة تطوير النفط الصخري بشكل كبير من حوض إلى حوض لكن هذه العملية تبدأ في أن تصبح مجدية بداية من سعر 65 دولار للبرميل. انخفاض أسعار النفط إلى المعدلات الحالية يعني أن إنتاج النفط الأمريكي قد بدأ في التراجع ويمكن أن يسقط من ذروته البالغة 9.6 مليون برميل يوميا، التي وصل إليها في في وقت سابق من هذا العام، إلى 8.75 مليون برميل يوميا بحلول منتصف عام 2016.
إضافة ذلك فإن يناير/كانون الثاني المقبل هو بداية عام جديد وهو ما يعني أن العديد من تحوطات أسعار النفط التي تم إبرامها من قبل شركات النفط في أمريكا الشمالية قبل الانهيار الشديد للأسعار خلال هذا العام سوف تنتهي. على سبيل المثال فإن حوالي خمس إنتاج الولايات المتحدة النفطي يتم بيعه الآن بأسعار تتراوح ما بين 80-85 دولارا للبرميل في عام 2015 بسبب هذه التحوطات. سوف تنخفض كمية التحوطات للعام القادم إلى نصف المعدلات الحالية وسوف يكون الثمن أقرب إلى 60 دولارا. علاوة إلى ذلك فإن بعض الشركات الأمريكية قد بدأت تشرع في تقليل سقف الائتمان. وعلى الرغم من هذه القيود ليست ثابتة في كل مكان، فإن قطاع الطاقة الأمريكي ليس في وضع مالي يسمح له بالتجاوب بسرعة مع ارتفاع طفيف في الأسعار إلى 65 دولارا على سبيل المثال.
بمعنى من المعاني، فإن المملكة العربية السعودية تسعى إلى معرفة ما إذا كانت إستراتيجية السماح بانخفاض الأسعار من أجل التخلص من المنتجين مرتفعي التكلفة تأخذ مجراها، والآن هو الوقت الأنسب لأجل الشروع في خفض بطيء لإنتاج من أجل السماح للأسعار بالتعافي باعتدال. بالطبع، فإن المملكة العربية السعودية لا تريد أن تفعل هذا وحدها، لذا فإنها تفتح الأبواب أمام تنسيق هذه السياسة.
ليس بالأمر السهل
لكن ذلك ليس بالأمر السهل. تعرف المملكة العربية السعودية أن العديد من أعضاء أوبك مثل الجزائر ونيجيريا وفنزويلا وليبيا، واقعون تحت ضغوط مالية وأنهم لا يستطيعون التجاوب مع أي شيء يتجاوز تخفيضات رمزية في إنتاج النفط.
الأبعد من ذلك فإن التطبيق الفعلي للتخفيضات في أماكن مثل نيجريا، حيث تسيطر شركات النفط العالمية على كامل الإنتاج تقريبا، هو أمر صعب للغاية إن لم يكن مستحيلا. وقد كان ذلك دوما أحد التحديات الكبرى التي تواجه أوبك وهي حقيقة أنه، من الناحية الواقعية، فإن المملكة العربية السعودية ودول الخليج فقط هم الذين يمكنهم خفض الإنتاج بمعدلات كبيرة، كما أنهم الكتلة الأكثر قدرة على التعامل مع آثار انخفاض أسعار النفط.
وقد ردت إيران على الاقتراح بتسريبات أوضحت خلالها أنها لن تخفض الإنتاج بشكل طوعي. وعلاوة على ذلك فإنه لا أحد بإمكانه أن يمنع الإيرانيين من تصدير المزيد من النفط الخام حينما يتم تخفيف العقوبات الدولية مطلع العام المقبل. الرياض قد تضمن إبطاء إنتاجها النفطي من أجل دعم الأسعار فعلت إيران الشيء نفسه. السعودية لن تقوم بخفض إنتاجها من أجل أن ترى منافسيها الجيوسياسيين يزيدون إنتاجهم ويجنون الأرباح مع الاستفادة من آثار الخفض السعودي.
هذا قد يجعل المحادثة بين الرياض وطهران غير واعدة، كما يجعل الحديث عن تغير مواقف أوبك هو أمر سابق لأوانه. السعوديون قادرون على التعامل دون خفض الإنتاج. وقد واصلت الرياض تحضيرها إلى فترة ممتدة من الانخفاض في أسعار النفط دون 100 دولار للبرميل، وهو السعر الذي تتطلبه معادلة ميزانيتها. على سبيل المثال، فإن المملكة العربية السعودية قد بدأت في إصدار السندات كما تدرس تخفيض الإنفاق وإصلاح الإنفاق الاجتماعي. لن يخفض السعوديون ميزانيتهم بالطبع إلى القدر الذي يسمح بتحقيق التوازن مع معدلات الأسعار الحالية ولكنهم سوف يبدؤون في ضبط الإنفاق استعدادا لفترة طويلة من الأسعار المعتدلة نسبيا.
وبطبيعة الحال، إذا كان السعوديون يخططون لتنظيم خفض معلن للإنتاج، فإن السؤال يتعلق بإذا ما كانت هذه الخطة سوف تؤتي ثمارها. إذا خفضت أوبك إنتاجها بمقدار مليون برميل يوميا عن المعدل الحالي (33.1 مليون برميل يوميا) فإن ذلك سوف يعود بالإنتاج فقط إلى معدلاته مطلع عام 2015. هذا لن يقود إلى تنام هائل في الأسعار ولكنه ربما يصلح كمؤشر لرؤية انتعاش ربما يصل للنقطة التي تبدأ معها عملية إنتاج النفط الصخري لتصبح ذات جدوى اقتصادية.
وعلى الرغم من أن الاقتراح المسرب قد لا يكون حقيقيا تماما، فإن المملكة على ما يبدو تتحرك بعيدا عن سياستها شديدة الصلابة التي تبتها خلال اجتماع أوبك نهاية العام الماضي. نظرا للزيادة المحتملة في الصادرات الإيرانية خلال النصف الأول من العام 2016، فإن احتمالية الوصول إلى اتفاق خلال اجتماع أوبك اليوم ربما يعد أمرا سابقا لأوانه. ومع ذلك، يمكن أن تضع المملكة العربية السعودية الأساس لاتخاذ إجراءات بشأن هذه القضية في وقت لاحق في عام 2016.