القبس الكويتية-
انخفضت أسعار النفط إلى أدنى مستوى منذ 7 سنوات، والسيناريو الأشد وقعاً وأسوأ وطأة متوقع بقوة، بحيث تنخفض الأسعار أكثر في ظل حرب بين الدول النفطية على الحصص، ما دفع بالجميع تقريباً لزيادة الانتاج، حتى بتنا بلا سقوف واضحة، مما يؤدي الى مزيد من الإغراق.. لينخفض البرميل الى قاع جديد أشد إيلاماً.
وضع كارثي كهذا يفترض خطة طوارئ أو خلية أزمة حكومية، لأن الكويت تنفق تقريباً من مصدر واحد هو البرميل. لذا فعجز الموازنة سيكون بأرقام مخيفة اذا لم تهبُّ الحكومة لإجراء إصلاحات جذرية وفوراً.
أما الانتظار فيعني استنزاف الاحتياطيات بسرعة البرق، بما يهدد الاجيال القادمة والعملة الوطنية.. أي أغلى ما لدينا!
المتابع للتصريحات الحكومية ينتابه شعور بأن لا أحد يأخذ القضية على محمل الجد. فنجد وزراء يكررون كلاماً مستهلكاً ملَّه الناس، لأنه هو هو منذ التسعينات من القرن الماضي، أي إعلان نوايا الاصلاح بلا أي إجراء فعّال على ارض الواقع.
كلنا على يقين ان الاصلاحات المالية ليست شعبية، وهي كذلك في كل دول العالم. فإذا كانت حكومتنا تنتظر رضا الناس ونوابهم حتى تبدأ العمل.. فهي تضيّ.ع المزيد من الوقت، في حين ان «السكين يصل إلى العظم»، كما قال أحد الحكوميين.
لا إصلاح مالي بلا ألم، ولا تقشف بلا آثار جانبية على المواطنين تحمُّل جزء منها، ولا وقف للهدر بلا ضرب مصالح هذا وذاك، ولا مالية عامة رشيقة بلا شد حزام قاسٍ إذا أردنا الاستدامة، وكي لا نجد انفسنا صفر اليدين غداً أو بعد غد.
ما قامت به الحكومة من اجراءات حتى الآن لا يكاد يساوي عشرات الملايين من التوفير، في حين ان العجز بالمليارات. وما سمعنا عنه من اصلاحات قريبة يكاد يكون شبه معدوم الأثر ايضاً، وفقاً لما يمكن حسابه مسبقاً.
وهنا يطرح السؤال نفسه: هل الحكومة «نازلة» بوزرائها الى الانتخابات حتى نجد اعضاءها حريصين كل الحرص على عدم احراق انفسهم امام الناس؟ وهل الوزير اتى الى منصبه ليكون حكيما ورشيدا وفعالا، أم ليقف على خاطر كل من أراد خاطراً، حتى لا تهتز صورته الوردية؟!
ربَّ قائل ان المسألة بحاجة الى قرار سياسي جريء. وهذا ما ينتظره كل خائف على هذا الوطن وعلى شبابه.
ذلك القرار يكون الآن أو لا يكون، لأن الانتظار يعني مزيدا من النزف، والتريث يعني مزيدا من الهدر والضياع.
يا سادة: سعر برميل النفط الكويتي يقترب من حد لا نستطيع معه دفع الرواتب من هذا الايراد، فما بالك بالنفقات المليارية الأخرى.. التي بدأنا نحرق الاحتياطيات لأجلها ونقترب رويداً رويداً من حد الإملاق؟!
إذاً، لا بد من ايرادات غير نفطية، وبالسرعة القصوى، من الكهرباء والماء والبنزين وأملاك الدولة.. وعلينا سد كل ثغرات الانفاق الاستهلاكي والدعم الهادر للموارد بلا أي نفع أو مردود انتاجي.. حتى صنعنا اجيالا اتكالية بالكامل، ويتعين أيضا اطلاق يد القطاع الخاص في تنويع مصادر الدخل لتوظيف المواطنين بعيداً عن إثقال كاهل الدولة ببطالة مقنعة بعشرات آلاف الوظائف الوهمية.
نعتقد ان الناس مستعدون للتضحية إذا قامت الحكومة بما عليها من ضبط لهدرها وكبح للفساد المستشري في جنباتها، وإذا اقدمت بكل كفاءة ونزاهة على مصارحة الجميع بالوضع الذي هي عليه المالية العامة المرهقة، وطلبت بكل شفافية ما على كل طرف من مساهمة مطلوبة.
خلاف ذلك نكون أشبه بشهود زور كلنا.. وهذا ما لا نرضاه لأنفسنا، ولا نرضاه لأحد في الكويت.