الأناضول- الخليج الجديد-
أظهرت تقديرات صندوق النقد الدولي أن اقتصاديات دول الخليج تكبدت خسائر تبلغ 500 مليار دولار خلال عام 2015؛ جراء انهيار أسعار النفط، حسب تقرير لوكالة «الأناضول» للأنباء. التقرير أوضح أن عام 2015 مضى دون أن تتحقق أحلام الدول النفطية في تحسن الأسعار، خاصة في النصف الثاني منه، كما توقعوا نهاية عام 2014.
ولفت إلى منطقة الشرق الأوسط تضررت بشكل كبير بسبب انهيار أسعار النفط، باستثناء تركيا التي جنت ثمارًا إيجابيةً من هذا الانهيار، لكونها مستورد صاف للنفط. وقال التقرير إنه «على الرغم من أن الدول المنتجة للنفط بمنطقة الشرق الأوسط تضمهم منظمة واحدة، وهي منظمة (أوبك)، إلا أنهم يخوضون حرباً ضد أنفسهم بسبب إصرارهم على سقوف الإنتاج المرتفعة، التي تؤدي إلى زيادة المعروض، وانخفاض الأسعار؛ ما تسبب في العديد من المشكلات الاقتصادية بهذه البلدان، مثل عودة عجز الموازنات، واتجاه بعضها لتخفيض الدعم، بل والاقتراض من الداخل والخارج».
وبخلاف أزمة النفط، تطرق التقرير إلى تحديات أخرى واجهت دول الخليج في عام 2015.
ومن هذه التحديات ما يلي:
تدمير الاقتصاد
أدت الأحداث السياسية في العديد من الدول العربية، إلى تواجد قوات أجنبية على الأراضي العربية في أكثر من دولة؛ فروسيا تكثف من وجودها في سوريا، وأمريكا والغرب يفعلان نفس الشيء في العراق.
كما أن مواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية» أسست لوجود أحلاف تنتمي للمنطقة، وغير دول المنطقة؛ للحشد والتواجد في كل من سوريا والعراق، وبعضها يفكر في التوجه إلى ليبيا.
هذه الأحداث تعكس حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني بالمنطقة؛ ما أدى إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية، وتصنيف المنطقة على أنها منطقة نزاع، وبالتالي لا يأمن فيها رأس المال على التواجد أو التفكير في التوسع لما هو موجود منذ فترة.
رفع العقوبات وتوريط إيران
مثل نجاح مفاوضات إيران مع مجموعة (5+1) حول البرنامج النووي الإيراني، مرحلة جديدة في المنطقة.
إذ شكل نجاح المفاوضات مفاجأة على الصعيد السياسي والاقتصادي، لكنه كرس لتعميق الصراع على الصعيد الإقليمي؛ حيث شعرت دول الخليج أن نفوذ إيران في ازدياد، وأنها ستتمكن من زيادة قوتها العسكرية والاقتصادية بعد رفع العقوبات، وبخاصة أن لديها قوة بشرية تصل لنحو 75 مليون نسمة، تمكنها بشكل جيد من سيطرة اقتصادية.
تمدد إيران بعض الدول العربي، وتدخلها المباشر في مكونات السلطة بهذه البلدان، زاد من قلق دول الخليج؛ ما أدى إلى شن حرب خليجية، بقيادة السعودية، على الحوثيين باليمن، الذين تدعمهم طهران بشكل مباشر وصريح.
بدأت حرب الخليج على الحوثيين في مارس/آذار 2015، ولا يعلم أحد لها نهاية، وبخاصة أن الحرب تلعب فيها إيران دوراً بارزاً، ولا تخفي دعمها، وحتى لو نجحت قوات التحالف الخليجي في حسم عسكري على مستوى القوات النظامية؛ فإن حرب العصابات ستستمر لفترة طويلة.
دفع الثمن في الحرب، المواطن اليمني؛ حيث زادت معدلات البطالة والفقر، وتصاعدت وتيرة نزوح اليمنيين إلى دول الجوار، وفقد اليمن جزءًا كبيرًا من احتياطياته من النقد الأجنبي، بل وتفككت الدولة، ولم يعد يمثل اقتصاد اليمن مؤسسات يمكن أن نطلق عليها بنية اقتصادية لدولة.
ومن هنا بدأت إيران تفقد مزايا نجاح مفاوضاتها مع الغرب حول برنامجها النووي؛ فما ستجنيها من فوائد اقتصادية، سوف تخسره في ظل مشاركتها في الصراع المفتوح في سوريا والعراق واليمن ولبنان.
ومن جانب آخر، لا يخفى على أحد الصراع النفطي بين السعودية وإيران، وكلاهما يخوض حرباً تستنزف ثروته النفطية؛ فإيران التي كانت ترجو «أوبك» من قبل بالالتزام بحصص الإنتاج، وتدعوها لخفض الإنتاج من أجل الحفاظ على الأسعار، أصبحت تعلن أنها غير ملزمة بقرارات «أوبك»، وأنها سوف تزيد حصتها من الإنتاج النفطي اليومي بمعدل 500 ألف برميل.
نسطيع القول بأن نجاح مفاوضات رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران منتصف عام 2015، فرغ من مضمونه، وأن إيران ستستمر في استنزاف ثرواتها واقتصادها في عام 2016، طالما استمرت في نهجها التوسعي، وعدم الالتفاف لتلبية احتياجات مواطنيها، الذين عانوا من ويلات العقوبات الاقتصادية على مدار سنوات.
الصراع الروسي التركي
مثلت حادثة إسقاط تركيا للطائرة الروسية، محطة بارزة في تصدع العلاقات الاقتصادية التركية الروسية، والتي تضمنت إمداد روسيا لتركيا بنحو 20% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي، فضلاً عن السياح الروس الذين يصل عددهم لنحو مليوني سائح سنوياً.
ومن جانب آخر، تصدر تركيا لروسيا عدداً وآلات، وكذلك الملابس الجاهزة والمواد الغذائية من فواكه وخضروات.
وعلى الرغم من أن توتر العلاقات بين البلدين، اقتصر على التصريحات الإعلامية، وتخوفات من التأثير السلبي على اقتصاد البلدين، إلا أن الأمور ستزداد وضوحاً خلال عام 2016، لنرى مدى جدية التصريحات التي صدرت من الطرفين، حول العقوبات الاقتصادية التي أعلنت عنها روسيا، وكذلك البدائل التي تحدثت عنها الحكومة التركية.
مصر ومزيد من القروض والدعم
انتهى عام 2015 ليمر على الانقلاب العسكري بمصر نحو عامين ونصف العام، ولم تتحسن الأوضاع الاقتصادية بعد؛ فمع نهاية عام 2015، تعلن الحكومة المصرية نجاحها في الحصول على قروض من البنك الدولي بحوالي 3 مليارات دولار، ومن بنك التنمية الافريقي بنحو 1.5 مليار دولار.
كما وعدت الرياض القاهرة بدفعة جديدة من الدعم خلال الفترة القادمة، بنحو 30 مليار ريال سعودي (حوالي 8 مليارات دولار أمريكي)، وهي عبارة عن تسهيلات نفطية وزيادة في الاستثمارات السعودية بمصر.
وفسر مراقبون سبب هذا الدعم بقبول مصر المشاركة في «التحالف العسكري الإسلامي» لمحاربة «الإرهاب».
وإذا كانت مصر تودع عام 2015 وهي تتلقى المزيد من القروض والدعم الخارجي، فإن مواطنيها ما زالوا يعانون الفقر، فحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والعامة والإحصاء في مصر فإن نسبة الفقر في منطقة الصعيد (الشطر الجنوبي من البلاد) أكثر من 50%، وأن هناك 26% من الأسر المصرية تعيش بدخل شهري أقل من 350 جنيهًا مصريًا (44 دولارا تقريبا).
تعلق المصريون كثيراً بالمشروعات الكبرى التي أعلنت عنها حكومات مصر التي أعقبت الانقلاب العسكري على الرئيس «محمد مرسي»، ولم يجنوا منها شئ؛ فقناة السويس بعد توسعتها تتراجع إيراداتها للشهر الرابع على التوالي، بعد الإعلان عن افتتاح التفريعة الجديدة، وكذلك العاصمة الجديدة ومشروع المليون وحدة سكانية، واكتشاف بئر الغاز الجديد، ومع ذلك تعلن مصر عن استيرادها للغاز الطبيعي من دولة الاحتلال الإسرائيلي.