ناشيونال إنترست- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-
قام نائب ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» بعمل مقابلة رائعة لمجلة «إيكونوميست» في 4 يناير/كانون الثاني. من بين المواضيع التي غطتها المقابلة، كان هناك موضوع حظي باهتمام خبراء الطاقة، وهو المتعلق بخصخصة شركة «أرامكو» السعودية.
وقد نوقش هذا الموضوع في المملكة منذ سنوات، لكنه لم يبارح مكانه، وربما لأن خصخصة «أرامكو» السعودية سوف تجبرها على نشر قوائم مالية مدققة. ومع ذلك، فإن المزيد من الشفافية لـ«أرامكو» سوف يتيح للجمهور معرفة كمية المال التي يتم تحويله إلى العائلة المالكة السعودية من مبيعات النفط قبل أن يذهب إلى وزارة المالية. هذا من الممكن أن يمثل حرجا بالغا للمملكة العربية السعودية التي ستكون مطالبة أن تشرح للسعوديين لماذا يحق لها الاستئثار بمليارات الدولارات في الوقت الذي يجري في رفع الدعم ويدفع فيه السكان إلى دفع المزيد من أجل البنزين، والمياه، والكهرباء.
قد لا يعترض المواطنون السعوديون بشكل كبير على دفع رواتب مناسبة لصالح الأمراء والأميرات الذين يعملون في الوزارات المختلفة كما في الأجهزة الأمنية والقوات والمسلحة. ولكنه قد يعرض بشدة على دفع رواتب إلى الأمراء والأميرات الذين لا يعملون بشكل مباشر داخل أجهزة الدولة، أو الذين يتقاضون رواتب إضافية إضافة إلى رواتبهم العادية كموظفين في الخدمة المدنية.
بالتأكيد فإن إدارة «أرامكو» السعودية لا تملك سلطة على تدفقات الأموال المرسلة إلى الديوان الملكي، وهو المكتب الإداري التنفيذي الخاص بالملك، والذي يتولى الدفع إلى كل عضو من أعضاء العائلة المالكة. ربما يتم نقل المدفوعات إلى الديوان قبل أن يدخل المال حسابات «أرامكو» السعودية. بعض البنوك الأمريكية التي تملك حسابات ائتمان خاصة بشركة «أرامكو» السعودية لديهم تعليمات دائمة لتحويل الأموال إلى الديوان الملكي قبل أن يتم دفع الأموال إلى حسابات شركة «أرامكو» السعودية. حيث يقوم الديوان بتوزيع الأموال بين العديد من الأمراء والأميرات المنتمين إلى آل سعود.
هناك عدد قليل من الأمراء ومستشاري الملك الموثوقين هم الذين يتولون تقرير مسألة من يحصل على ماذا.
مسألة مدفوعات الديوان لأعضاء العائلة المالكة هي أحد الأمور الحساسة. وقد تكون أحد أسباب تأجيل خصخصة شركة «أرامكو» السعودية طالما أن الشفافية يمكن أن تؤدي إلى المزيد من التساؤلات حول من يحق له الحصول على الأموال. في وقت تنخفض فيه أسعار النفط بشكل كبير جدا، فإن المال أقل من أن يكفي للتوزيع بين العائلة المالكة وبين وزارة المالية من أجل متطلبات إدارة الحكومة والاستثمار في العديد من المشاريع اللازمة لتطوير المملكة.
وكما ألمح نائب ولي العهد، فإن خصخصة شركة «أرامكو» السعودية قد تبدأ من الأفرع التابعة للشركة. كثير من الأفرع مثل صدارة وساتورب وبترو رابغ، أو المصافي الخارجية مثل موتيفا، هي شركات كبيرة للغاية ومنظمة بشكل أكثر شفافية من الشركة الأم. إذا تمت خصخصة هذه المشاريع فسوف تحافظ «أرامكو» في الأغلب على حصة مسيطرة ويمكن أن يتم تصميم أشكال الملكية المختلفة لهذه الفروع كي تؤتي بعض ثمارها لصالح العائلة المالكة بشكل شفاف. ومن شأن نموذج لهذا أن يكون مشابها للنموذج الذي تستخدمه العائلة المالكة البريطانية في إدارة حيازاتها الكبيرة في المملكة المتحدة.
ويتولى «بن سلمان» مهمة تحديث الاقتصاد. وكما ذكر في مقابلته مع «إيكونوميست»، فإنه يريد أن يرى إذا ما كان هناك أي فساد في مدفوعات النفط، وهي الطريقة التي تميز مدفوعات العائلة المالكة اليوم. بعبارة أخرى، فإن «بن سلمان» يريد أن يضع حدا لتلك الضرائب بحكم الواقع التي تفرضها الدولة والعائلة المالكة على مدخولات «أرامكو» السعودية. وهذا يعني أن الدولة قد تكون في طريقها لفرض ضرائب على الدخل في وقت لا توجد فيه حاليا أي ضريبة للدخل. سوف يعارض أصحاب المصالح في القطاع الخاص والعديد من أمراء العائلة المالكة فرض أي ضرائب على الدخل.
ومع ذلك، فإن «بن سلمان» نفسه ليس بعيدا عن المعارك السياسية والمالية. ربما يكون لديه فرصة جيدة في الفوز نظرا لكونه يحظى بدعم والده الملك «سلمان»، وأيضا بدعم الفئة العمرية دون الثلاثين والتي تمثل سبعين في المائة من سكان المملكة العربية السعودية. ويسعى نائب ولي العهد إلى تجذير شعبيته في هذه الدائرة الكبيرة ما يعطيه قوة للضغط من أجل دفع الإصلاحات اللازمة إلى الأمام.
وسيكون لخصخصة شركة «أرامكو» السعودية والشركات التابعة لها، في حال تنفيذه، أثر في مساعدة المملكة في الانضمام إلى مصاف الدول الحديثة ذات الحكم الرشيد. زيادة الشفافية في أكبر شركات المملكة، فضلا عن وجود أشكال جديدة لتمويل الدولة، يمكن أن يسهم في دفع البلاد بعيدا عن الاعتماد على عائدات النفط نحو اقتصاد حديث أكثر مماثلة لدول مجموعة الـ20 التي تنتمي إليها المملكة العربية السعودية.