عمير بن الماس العشيت- عمان اليوم-
تشكل مشكلة الباحثين عن عمل هاجسا كبيرا لدى الحكومة والمجتمع وتعد من المشاكل المؤثرة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية في السلطنة كونها تمثل إهدار لطاقات الشباب الذين يمثلون القوة الحقيقية في التنمية الوطنية. حيث تؤكد المؤشرات أن القطاع العام يواجه شحا في الوظائف الحكومية منذ عقدين من الزمن بعد أن وصل معدل التوظيف إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي تقريبا، ثم جاءت الأزمة المالية وعقدت الأمور، وارتفعت أعداد الباحثين عن عمل والخريجين من الطلبة إلى نسبة قد تشكل مخاطر بتنامي معنويات محبطة نتيجة حرمان الشباب من مصادر معيشتهم وحقوقهم الاجتماعية وشعورهم بعجز المشاركة في بناء وطنهم حتى أن البعض منهم لاسيما الحاصلين على الشهادات الجامعية وصلوا إلى مرحلة اليأس والقنوط بعد أن داهمتهم سنين العمر وهم في حالة انتظار الوظائف والبعض منهم ارتضوا اضطراريا القبول بوظائف صغيرة لا تتناسب مع مؤهلاتهم كي يحصلوا على لقمة العيش والبعض الآخر لا يزالون يأخذون مصروفاتهم اليومية من ذويهم ويواجهون ظروفا مادية صعبة فهم لا يستطيعون العمل ولا الحصول على مساعدات اجتماعية من الدولة، ناهيك عن الضغوطات الاجتماعية والخارجية وأوقات الفراع التي تستهدف سبر أغوار نفوسهم المحطمة فتهيئ لهم بيئة غير حسنة.
إن مشكلة الباحثين عن عمل تعتبر مشكلة وطنية حساسة ومهمة تدخل في صلب مهام المصالح الاستراتيجية للدولة، وثمة رهان على شركات القطاع الخاص التي ساهمت هي الأخرى في تفاقم مشكلة الباحثين عن عمل بعد أن نفضت يدها عنهم نتيجة تحيزها المباشر للأيدي العاملة الوافدة ومراوغتها للقوانين العمالية ومقايضة المسؤولين بتوظيف عشرة مواطنين مقابل مائة عامل وافد، مع أن الواجب الوطني يفرض وقوف الشركات بجانب الحكومة في كل الظروف والأزمات كما هو الحال في كثير من دول العالم ولو برد الجميل السخي الذي قدمته الحكومة لهذه الشركات منذ بداية تأسيسها، والغريب أن الخبراء الاقتصاديين يكادون لا يصدقون أن السلطنة التي تمتلك موارد طبيعية هائلة وطاقات بشرية لا يستهان بها تعاني من ارتفاع نسبة الباحثين عن عمل.
إذن فالمشكلة بعينها تتمثل في غياب المسؤولية الجماعية لدى القطاعين العام والخاص، من جانب آخر تقوم الحكومة بإبرام صفقات تجارية ضخمة تقدر بمليارات الريالات مع شركات عالمية سواء داخل السلطنة أو خارجها، ولكن في الواقع الأمر لا تستوعب هذه المشاريع سواء عدد ضئيل من المواطنين يعملون في وظائف محدودة وصغيرة الكثير منها لا تتناسب مع شهاداتهم بينما الوظائف العليا والمهمة تكون من نصيب الأيدي العاملة الوافدة، فلو تم توظيف جزء من هذه المبالغ الكبيرة في تمويل صناديق تنموية في المحافظات بهدف توفير وظائف حكومية جديدة للشباب لكان أفضل، وذلك من خلال سد نقص الموظفين في المدارس والمستشفيات والمؤسسات الحكومية الأخرى التي تعاني من فراغ في الوظائف، بيد أن المسؤولين يتحججون بالأزمة المالية في حالة توظيف العمالة الوطنية ويخلقون المبررات في حالة إنشاء مشاريع ضخمة قد تتأثر مع مرور الوقت بالمناخات العالمية وبعوامل الطلب والعرض رغم أن مشكلة الباحثين عن عمل تعتبرهم مشروعا وطنيا يفترض إنجازه كونه يخدم الوطن والمواطن.
لا شك أن جيل الشباب هو جيل العمل والإنتاج وليس جيل القعود والانتظار وانه يشكل مستقبل الأمة ولا يجوز التهاون في مشاكله أو تهميش طاقاته الجسدية، هناك عشرات الآلاف ينتظرون الوظائف بفارغ الصبر لتسد حوائجهم المادية والاجتماعية وتغنيهم عن طلب المساعدات أو الانجراف نحو عالم الجرائم والانحراف وهناك دفعات تقدر بالآلاف يتم تخريجها سنويا من الجامعات والكليات والمعاهد والأعداد تتراكم سنة بعد سنة .. إذا فلا بد من الإسراع لحل مشكلة الباحثين عن عمل، مثلا إنشاء هيئة حكومية خاصة تقوم بإنشاء وإدارة المصانع الوطنية التي تعتمد على الموارد المحلية المتوفرة بكميات تجارية في السلطنة كالتمور والنارجيل والأسماك وغيرها وهي موارد استهلاكية موروثة ومطلوبة في الأسواق ستوجد آلاف الوظائف.