يتكرر مشهد النزوح العمالي وربما الهجرة نحو البحث عن فرص العمل والشواغر الوظيفية في العديد من بلدان العالم ذات النمو الاقتصادي المتصاعد، وتشكل دول مجلس التعاون مناطق جاذبة للعمل ووجهة لهؤلاء الّذين يسعون لكسب الرزق نظراً لما تتميز به دول المجلس من مستوى اقتصادي مرتفع، بالإضافة إلى ثقافة شعبها الترحابية والمضيافة.
ومنذ قديم الزمان يسعى البشر إلى الهجرة بحثاً عن حياة أفضل، ولا نبالغ بالقول بأن الولايات المتحدة الأمريكية – وهى أقوى دول العالم في وقتنا الحالي – تأسّست على أفواج من المهاجرين الذين تركوا بلادهم سعياً إلى فرص اقتصادية أفضل. وقد أصبح ضغط هجرة الأيدي العاملة إلى الولايات المتحدة الأمريكية ضخماً جداً؛ مما أدّى إلى قيام الحكومة الأمريكية بإغلاق حدودها، وتطبيق نظام معقّد من شأنه أن يحدّ من عمليّة هجرة الأيدي العاملة المتدفّقة إلى أمريكا.
وعلى الجانب الآخر، تقوم أنظمة هجرة الأيدي العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي بتسهيل الهجرة المؤقتة للأيدي العاملة، إذ من المفترض أن يعود الموظفون إلى بلادهم بعد انتهاء عقود عملهم. وتُعدّ أنظمة العمالة المؤقتة مميزة بالنسبة لدول الخليج؛ حيث تقوم بملء الفجوات الكبيرة الموجودة في سوق العمل دون أن تطلب أي التزامات طويلة المدى من قبل الدولة المضيفة، فيما يخصّ المساعدات الاجتماعية الحكومية. وتتميز أيضاً هذه الأنظمة بالمرونة أكثر من الأنظمة المستخدمة في الأنظمة الاقتصادية المتقدّمة الأخرى؛ ممّا يجعلها مرغوبة أكثر من غيرها؛ حيث إنّ نقص العمالة دائماً ما يكون غير متوقّع وعابر.
وعلى الرغم من مزايا أنظمة العمالة المؤقتة، إلا أنها تعانى من قصور ملاحظ في سهولة جعل الموظفين الضيوف البقاء في البلاد بعد انتهاء تأشيراتهم )المعروفة باسم تجاوز مدة الإقامة(. ويقوم سوق الظل الناتج بالتأثير سلباً على مجموعة متنوعة من أصحاب المصلحة، بما في ذلك الشركات والعمّال والمستهلكون. وتزداد هذه المشاكل في دول مجلس التعاون الخليجي بسبب الدور الموسّع الذى يلعبه العمّال الوافدون في سوق العمل: حيث تبلغ نسبة العمّال الوافدين حوالي 57 % من القوة العاملة، وهذا يعنى أنّه حتى نسبة صغيرة من تجاوز الإقامة سوف يؤدى بسرعة إلى تزايد عدد العمال المهاجرين غير الشرعيّين تراكمياً.
وبالإضافة إلى تجاوزات مدّة الإقامة غير الشرعيّة، يوجد في أسواق عمل مجلس التعاون الخليجي نوع آخر من عمّال سوق الظلّ، وهم العمال المهاجرون الذين يتقدمون بطلب تأشيرة سفر لشغل وظائف غير محدّدة أو غير متعاقد عليها من قبل، في مقابل رسوم معينة، وهم بالتالي يصبحون “أحراراً” لكسب ما بوسعهم في سوق الظلّ.
ويتمّ الإشارة إلى هذه المجموعة من العمال المهاجرين والذين يتجاوزون مدّة الإقامة معاً بمسمّى “العمالة السائبة”؛ حيث إنّ التأشيرة القانونية والتقليدية تقوم بربط الموظف بوظيفة محدّدة وصاحب عمل محدّد. وغالباً ما تقوم العمالة السائبة بالعمل في أكثر من جهة، حيث يؤدّون العديد من المهام التي لا يهمّ ما إذا كانت تتعلق بمجال عملهم الأساسي أم لا.
ونظراً لطبيعة سريّة هذا النشاط، من الصعوبة بمكان توفير معلومات دقيقة عن هذا الظاهرة، إذ يعتبر عدد كبير من أصحاب المصلحة ظاهرة العمالة السائبة ظاهرة مدمّرة. وتجد الأعمال التي يتم إدارتها بشكل شرعي صعوبة في المنافسة مع هؤلاء الذين يقومون بتوظيف العمالة السائبة عمداً، حيث يكون في استطاعتهم تجنّب الالتزام بقواعد سوق العمل. وبالطبع لا تتمتّع العمالة السائبة بالحماية التي يمنحها عقد العمل الشرعي؛ فإذا ما تم انتهاك حق من حقوقهم لا يستطيعون طلب المساعدة من أي جهة خوفاً من ترحيلهم.
وفيما تقوم الحكومات بإنفاق موارد كبيرة على التطبيق القانوني، فهي بطبيعة الحال تفقد عائدات الضرائب عند تشغيل العمّال في سوق الظلّ. كما أن المستهلكين لا يستطيعون أن يلقوا بالمسؤولية على صاحب العمل عندما يؤدى خدماتهم من قبل العمالة السائبة أو عمال سوق الظل، فهم غير مرتبطين رسمياً بصاحب العمل، ومن الصعب ملاحقتهم أو مطالبتهم.
غالبا ما يظن أصحاب المصلحة في الدول الخليجية أنّ حل مشكلة العمالة السائبة هو مجرّد مسألة تطبيق للقانون بشكل صحيح. ومع ذلك، إذا نظرنا إلى مختلف التجارب الخليجية من زاوية عملية نجد أنهم اجهوا صعوبات كثيرة تتعلق بتطبيق القانون بشكل صحيح.
ومن المؤمل أن تناقش هذه الندوة جميع هذه المشاكل مع إمكانية اقتراح حلول عملية تتعلق بتغيير السياسات المتبعة حالياً لحل مشكلة العمالة السائبة.
مركز دراسات-