نستبشر ببعض قرارات الدولة خيراً لأنها تلامس قضايانا الملحة، مثل قضايا الإسكان والبطالة والخدمات الصحية والتعليم، مثل هذه القرارات نستقبلها بفرح وتفاؤل، ولكن يبدو أن الانتقال من النظرية إلى التطبيق يأخذ وقتاً طويلاً، وحقيقة لا أعرف ما هي الأسباب التي تحول من دون ذلك والسرعة في مباشرة التعاطي الجدي مع مثل هذه الملفات.
فمثلاً هيئة توليد الوظائف ومكافحة البطالة أعلن إنشاؤها منذ نحو عام ولم نسمع عنها خبراً لا سلباً أو إيجاباً، وقد يكون هذا التأخير بسبب زوال أسباب إنشائها! أي أن البطالة زالت أو في تناقص في مجتمعنا الذي يوجد فيه 10 ملايين وافد يقومون بأعمال بسيطة ولا يحتاجون فيها إلى مهارات تعجيزية، عكس ما يُطلب من المتقدمين للوظائف من المواطنين بمثل شهادات الخبرة العملية وهم حديثي التخرج أو إلمام باللغات الأجنبية.
أعتقد أننا نمر بظروف اقتصادية استثنائية، والقطاع الخاص يعاني بشكل واضح بسبب ترشيد الإنفاق الحكومي، لارتباطه الوثيق واعتماده على هذا الإنفاق، مما أدى على سبيل المثال إلى حال ركود قوية في قطاع المقاولات، وهذا القطاع له ارتباطات بأنشطة تجارية أخرى في طريقها إلى الركود، مما ستفضي إلى تسريح بعض العمالة الوافدة في هذه الشركات، وكنا نسمع قبل سنوات عن أنظمة لـ«السعودة» و«نطاقات»، ولكن يبدو أن قضية توظيف الشباب في هذه القطاع مثلاً مطروحة الآن بسبب الأوضاع التي تمر بالسوق.
باعتقادي أن معدل البطالة مرشح للزيادة في السنوات المقبلة، وفي آخر تقرير للهيئة العامة للإحصاء وفي تقريرها الثاني للقوى العاملة 2016 ذكر التقرير أن نسبة البطالة في المملكة هي 11.6 في المئة نسبة الذكور منهم 5.4 في المئة وللإناث 33.7 في المئة، وأظهر التقرير أن البطالة تتركز في الفئة العمرية بين (20-30) عاماً، كما أن هناك تقارير دولية تقدر نسبة البطالة لدينا بأعلى من ذلك بكثير، وقرأت قبل أيام أن أعداد المتقدمات على الوظائف التعليمية على موقع جدارة وصل إلى 50 ألف متقدمة، والوظائف المعلنة نحو 5 آلاف وظيفة.
من هذه الأرقام وغيرها وقلة التوظيف في القطاع الحكومي بل العمل على تقليصه، نعرف حجم البطالة لدينا وأنها مرشحة للزيادة في الأمد القريب وهذه قنبلة موقوتة لنا جميعاً لما لها من آثار خطرة على جميع الأصعدة وخصوصاً الاجتماعية والأمنية، لذا على القائمين على التخطيط لإدارة الموارد البشرية في الدولة بالإسراع في تفعيل هيئة خلق الوظائف ومكافحة البطالة وإخراجها إلى حيز التنفيذ ومباشرتها لهذه القضية الوطنية الملحة.
وصلتني رسالة قبل أيام على «الواتساب» عن قرار صادر عن وزارة العمل بحصر عدد من الوظائف في السعوديين وهي في أغلبها وظائف لا تحتاج إلى تلك المهارات العالية، بل هي في الغالب وظائف مكتبية، مثل هذا القرار يصب في الاتجاه الصحيح للقضاء والحد من البطالة لدينا.
لكنني أؤمن أن تطبيق مثل هذه القرارات هو المحك الحقيقي حتى لو كان هناك اعتراضات غير واقعية من بعض رجال الأعمال بأن السعوديين ليسوا بتلك الجدية وثقافة العمل والإنتاجية المأمولة مقارنة بالأجانب.
ومن الوظائف المشمولة بالحصر على المواطنين وظيفة مدير الموارد البشرية وهذه من أهم مفاتيح باب التوظيف لشباننا وشاباتنا، فلا تتخيلوا أن يكون مدير الموارد البشرية وافد وسيفضل المواطن على أبناء بلده، وأنا هنا لا أحمل موقفاً رافضاً للأجنبي، ولكن هذا هو الوضع في كل بلدان العالم، فالمواطن فيها له الأولوية وإن كان يحتاج تدريب فالدولة كفيلة بذلك.
عقل العقل- الحياة السعودية-