أربعة عقود مضت على توجه السعودية إلى توطين المهن، نجحت حيناً، وأخفقت أخرى، فيما تنتشر البطالة بين السعوديين، واعترفت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بهذا الإخفاق رسمياً.
وجاء الاعتراف بـ«الفشل» في قطاعات عدة، منها أسواق الخضراوات وسائقي الأجرة على لسان وزيرها السابق مفرج الحقباني، وقال العام الماضي: «هناك تجارب لم تكن ناجحة للوزارة في توطين بعض الأنشطة»، عازيا ذلك إلى «فقدان المشاركة بين الأجهزة الحكومية وبين إدارة المشروع، ولم تستطع الوزارة العمل بمفردها التنفيذ، فيما لم تبادر آنذاك بطلب المشاركة في صوغ القرار وتطبيقه».
وقررت وزارة العمل قبل أكثر من عشرة أعوام سعودة قطاع الأجرة بالكامل، وهو ما لم يتحقق حتى الآن، ويوفر القرار حوالى 60 ألف وظيفة. ويعزى ذلك إلى «نفور» أسر سعودية من سائق التاكسي المواطن، والذي يعتبر «ضيف شرف» على المهنة.
وإن كانت الوزارة سعودة مهنة حراس الأمن بالكامل، لكنها عجزت عن تطبيق الأمر نفسه في المقاولات، إذ واجه القطاع على مدار سنوات صعوبات عدة، زاد منها فرض عقوبات «صارمة» على شركات لا تلتزم بحصص التوطين، قدرتها بـ2400 ريال لكل عامل أجنبي يزيد على عدد العاملين من السعوديين.
وخلال السنوات الأخيرة فشل تطبيق «سعودة» في محال الذهب، إذ ما زال الوافدون يحتكرن نسبة كبيرة منها، في حين كشف تجار أن السعودة تسببت في خروج أكثر من 60 في المئة من المستثمرين من القطاع في الرياض والشرقية، وتعد المملكة الرابعة عالمياً في استهلاك الذهب.
ويبدو أن الطريق ما يزال طويلاً أمام توطين القطاع الصحي، بحسب تأكيد وزير الصحة السابق خالد الفالح، إذ تقدر نسبة السعودة في المستشفيات الحكومية بحوالى 60 في المئة، فيما تصل في الخاصة إلى ثمانية في المئة، وتقدر نسبة الأطباء السعوديين في القطاع الحكومي بحوالى 29 في المئة.
ونحو توطين أكثر للمرأة، قصرت الوزارة العمل في المستلزمات النسائية على السعوديات، فيما تتجه إلى تطبيقها على المشاغل، بعدما تجاوزت 70 ألف مشغل، وتصل السعودة فيها إلى 10 في المئة فقط، وحددت لها خمسة أعوام لرفع نسبتها إلى 50 في المئة، ولكن اعترضتها مشاكل عدة، أهمها تدني الأجور وساعات العمل الطويلة، وعدم وجود عطلات كثيرة.
ووطنت الوزارة العام الماضي قطاع الاتصالات وقصرت العمل فيه على السعوديين والسعوديات، بالتعاون مع وزارات عدة، بعدما أمهلت المنشآت والعاملين في النشاط ستة أشهر لتصحيح أوضاعهم.
ولم يخل القرار من انتقادات، كون غالبية المحال تعتمد على البيع فقط، وليس الصيانة، مؤكدين أن الوزارة تعجلت في التطبيق، وكان لا بد من إمهال السعوديين فرصة أطول للتعلم وامتلاك الخبرة.
واضطرت الوزارة في العام 2015، أمام الصعوبات التي تواجه السعودة إلى دراسة مقترحات بخفض نسبها في مهن عدة، أبرزها النظافة والصيانة والتشغيل، التي تشهد عزوفاً لتقلل نسبتها إلى إثنين في المئة، إضافة إلى البناء والتشييد ثلاثة في المئة.
وألزمت وزارة العمل العام الماضي جميع منشآت الأعمال بتوطين 75 في المئة من وظائفها، وفي حال عدم توافر السعوديين يحق للوزارة خفض السعودة موقتاً. وحددت 18 مهنة لا يجوز لغير السعوديين العمل فيها، من بينها: كبير إداريي الموارد البشرية، ومدير شؤون الموظفين، ومدير شؤون العمل والعمال، واختصاصي شؤون الأفراد، وكاتب شؤون الأفراد، ومصلح المفاتيح.
وشهدت السعودة عمليات تحايل عدة، إذ أوقفت الخدمات عن 14 شركة لمدد تراوح بين عام إلى عامين، بعد استغلالها هويات مواطنين في الحصول على حوافز نقل الخدمات وتجديد رخص العمل.
وفي واقعة أخرى، ضبطت وزارة العمل 500 حالة «سعودة وهمية» لفتيات تحايلن مع مُلاك مؤسسات وشركات، تفادياً للوقوع في النطاق الأحمر في التوطين، حرمن إثرها من دعم صندوق تنمية الموارد البشرية (هدف) لمدة ثلاثة أعوام، وفرضت غرامات على أصحاب المؤسسات، وأنذر آخرون.
ويحمل المهتمون فشل «السعودة» في قطاعات عدة إلى استمرار سياسة استقدم المزيد من العمال الأجانب، الذين فاقوا عشرة ملايين عامل أجنبي، في بلد بلغت نسبة البطالة فيه 11.7 في المئة.
وحذرت تقارير اقتصادية في العام 2014، من مخاطر زيادة وتيرة سعودة العمال، إذ ستترك آثاراً سلبية على الاقتصاد وستزيد من الكلف التشغيلية على القطاع الخاص، وستؤدي إلى تأخير تنفيذ المشاريع نتيجة القيود المفروضة على العمال.
وكالات-