وجه مجلس الشورى انتقادات قاسية لوزارة الخدمة المدنية، خصوصاً مع وجود 276 ألف وظيفة حكومية شاغرة، تمثل 28 في المئة من إجمالي الوظائف الحكومية المعتمدة، وحمل أعضاء المجلس الوزارة مسؤولية ضعف إنتاجية الموظف السعودي التي تعود إلى المحاباة وغياب المساواة والمحسوبية والوساطات.
وهاجم الأعضاء، خلال مناقشة التقرير السنوي لوزارة الخدمة المدنية للسنة المالية 1436 / 1437هـ في جلسة المجلس أمس، الوزارة لعدم تنفيذها أي قرار سابق للمجلس لتحسين عملها، مستغربين ردها ببرود على أنه لم يوجه لها شيء من مجلس الوزراء بشأن قرارات المجلس التي هي متحققة بحسب تقرير الوزارة.
كما انتقد الأعضاء عدم عدالة الوزارة في توظيف النساء والرجال، متسائلين عن ارتفاع نسبة التقاعد المبكر والاستقالة خلال هذا العام التي وصلت 24.814، وكيف سيتم تعويض ذلك.
وقال العضو سامي زيدان لـ«الحياة»: «إن تعميم الإحصاء الخاص بمتوسط إنتاجية الموظف السعودي لمدة ساعة أو ساعتان في اليوم غير منصف، لأن هناك من يعمل في الليل من الجوازات وفي المطارات وجنودنا في الحد الجنوبي، غير أن بطالة خفية، ويتضح ذلك عند زيارة عدد من المكاتب، إذ لا نجد بها موظفين والسبب توصيل الأبناء والبنات لمدراسهم في وقت الدوام».
وأضاف: «بعض الوظائف التي تحتاج 20 موظفاً يُعين عليها 30 موظفاً، ما يزيد أعداد الموظفين وتحدث البطالة المقنعة، وتقل إنتاجية الموظفين لعدم وجود عمل»، مطالباً القطاع العام والخاص باتخاذ حل جذري لهذه المشكلة من خلال تدريب الموظفين.
وطالب زيدان بتغيير الصورة السلبية عن وظائف الميكانيكيا والسباكة والكهرباء، إذ يفضل السعودي العمل سكرتيراً عن هذه الوظائف، وهذه النظرة الاجتماعية لهذه الوظائف يجب أن تتغير.
وعلق زيدان على توظيف الوزير لابنه، بضرورة أن تعزز المباحث الإدارية وهيئة مكافحة الفساد والجهات الرقابية جهودها في مكافحة هذه الممارسات.
بدوره، أشار الدكتور سعيد الشيخ إلى أن الوزارة عجزت عن توضيح أسباب عجزها شغل هذه الوظائف على رغم توافر الاعتمادات المالية بحسب الخطة التشغيلية، ووجود مئات الآلاف من المتقدمين في مختلف التخصصات على برنامج جدارة، الذي تديره الوزارة لاختيار الكفاءات المناسبة للوظائف الحكومية.
ولاحظ الشيخ أن إجمالي من تم ترشيحهم بلغ 20.033 مرشحاً في سنة التقرير، إذ لم يتم معرفة ما إذا تم تثبيتهم على هذه الوظائف، في الوقت الذي بلغ عدد تاركي الخدمة من منسوبي الدولة 24.814، وتساءل: «هل هذا مؤشر على توجه الدولة لتقليص أعداد الجهاز الحكومي؟ وإذا كان ذلك فكيف سيتم تعويض ذلك في نطاق الخدمات في ظل تدني الإنتاجية للموظف الحكومي».
وحول موضوع الإنتاجية، قال الشيخ: «وزارة الخدمة المدنية هي من صرحت بضعف أداء الموظف الحكومي في مناسبات عدة، في الوقت الذي فيه الوزارة تتحمل جزءاً كبيراً من مسؤولية أداء الموظف الحكومي، إلا أن تقرير الوزارة لم يشر إلى أداء الموظف الحكومي وما هي المبادرات والبرامج التي قدمتها الوزارة لرفع إنتاجيته».
وتابع: «بناءً على دراسات أكاديمية واستطلاعات الرأي حول الوظيفة الحكومية وأداء الموظف الحكومي، فإن أسباب ضعف الإنتاجية ترجع إلى غياب العدالة والمساواة والمحسوبية والوساطات والمحاباة في الترقيات وقلة المكافآت والحوافز التشجيعية، ما يؤدي إلى الشعور بالإحباط لدى الموظف».
وأعرب عن اعتقاده بأهمية أن تتولى وزارة الخدمة المدنية قياس أداء الموظف العام، وخصوصاً أن الوزارة هي من تقوم بتقويم الموظف عند الترشيح ومتابعة برامج التدريب والابتعاث، وأدعو إلى التأكيد على توصية سابقة صدرت من المجلس تنص على القيام بدراسات دورية لقياس أداء الموظف العام وإنتاجيته والاستفادة من النتائج في تطوير الأداء والإنتاجية في القطاع الحكومي».
واستغرب الدكتور عبدالله الحربي رد وزارة الخدمة المدنية على المجلس بشأن قراراته التي أصدرها الأعوام السابقة، بأن مجلس الوزراء لم يوجه لنا شيئاً، لأن المطلوب متحقق، مطالباً أن تبحث لجنة الإدارة والموارد البشرية في المجلس الخلل مع الوزارة، وتطبيق مؤشرات قياس الأداء التشغيلية على جميع نشاطات الوزارة وتطويرها، والعمل على تطوير معايير الجدارة، لرفع كفاءة الأداء في قطاع الخدمة المدنية.
وذكر الحربي أن هناك آلاف من طالبي الوظائف، إذ أشار التقرير إلى أن المرشحين للوظائف أكثر من ٢٠ ألفاً، منهم ١٧ ألفاً يحملون درجة البكالوريوس، والحقيقة أن المجلس اتخذ قراراً عام 1431هـ، نص على أن تقوم وزارة الخدمة المدنية بالتنسيق مع الجهات الحكومية الأخرى بوضع حلول جذرية للوظائف الشاغرة والعمل على إشغالها من هذه الجهات.
من ناحيته، وصف الدكتور أحمد الزيلعي نسب توظيف النساء بالنسبة للرجال بأنها غير عادلة، إذ إن عدد الموظفين من الرجال يبلغ 758 ألفاً، والنساء 470 ألفاً.
واقترح الدكتور مساعد الفريان أن تخاطب وزارة الخدمة المدنية الجهات الحكومية لأخذ مرئياتها بشأن لائحتي الإجازات وتقويم الأداء الوظيفي، في حين طالب الدكتور أيمن الفاضل الوزارة بدرس أسباب تزايد طالبي الاستقالة من العمل الحكومي، أو طالبي التقاعد المبكر في الفترة الأخيرة.
وأشار إلى أن نسبة المتقاعدين تقاعداً مبكراً تبلغ 50 في المئة، و20 في المئة تقاعدوا لأسباب خاصة، وبهذا تكون الدولة خسرت 70 في المئة من الموظفين القادرين على العمل، مستغرباً ظهور وظائف شاغرة بهذا الكم على رغم وجود بطالة نسبتها 11.5 في المئة، مطالباً بإعادة هيكلة الوظائف العامة.
وأشار الدكتور عبدالله الجغيمان إلى أن نسبة من تقاعد حتى بلوغ السن النظامية لا يصل إلى 30 في المئة، والبقية إما تقاعد مبكر أو ترك الخدمة لأسباب أخرى، متسائلاً: «ألا يستدعي ذلك تبريراً لهذه النسبة؟ ألا تخسر الدولة كفاءات من موظفيها أنفقت أموالاً طائلة على تعليمهم وتأهيلهم؟».
وأشار إلى أن وزارة الخدمة المدنية تمتنع عن إعطاء الجهات المرونة وسرعة التحرك إدارياً من خلال إصرارها على مركزية التوظيف وتحوير الوظائف ومسميات الوظائف، ويشير تقرير الوزارة إلى وجود شواغر تزيد على 276 ألف وظيفة، في حين أن كثيراً من مواطني المملكة يعانون من البطالة.
وتساءل: «أليس من شأن معالجة وضع الوظائف الشاغرة، التخفيف من وطأة هذه المعضلة على المجتمع؟ ولماذا تجعل الوزارة من زيادة أعداد الموظفين مشكلة وصعوبة»، لافتاً إلى أن لدى الوزارة ما يزيد على تسعة سلالم وظيفية بينها من الاختلافات والتضارب الشيء الكثير، بل قد تجد وظيفة بنفس المسمى في جهتين مختلفتين تختلفان في المميزات المادية والمعنوية على رغم تساويهما في طبيعة العمل والمسمى، ما تسبب في خلق نوع من الإحباط وشعور بعدم العدل.
وبين أن بعض السلالم الوظيفية يخضع لنظام التقاعد وبعضها الآخر لنظام التأمينات الاجتماعية، وليس هناك مبرر واضح لذلك، وأجدها فرصة هنا لأتساءل: ما الجدوى من وجود نظامين للعمل في المملكة؟ نظام العمل ونظام الخدمة المدنية، وبخاصة أن النظامين يتم من خلالهما التعامل مع السعوديين وغير السعوديين.
ورأى الجغيمان أن وزارة الخدمة المدنية هي المسؤولة عن تأخر الأداء الحكومي فيما يخص التوظيف وتوزيع الوظائف وتقويم الأداء.