سخرت المملكة ما يقارب 32 ملحقية ثقافية سعودية في عدد من الدول حول العالم تشرف على 126 ألف مبتعث، و78 ألف مرافق لإنجاح رؤيتها من برامج الابتعاث الخارجي التي اعتمدتها منذ أكثر من خمسين عاماً.
ووسط ازدياد أعداد المبتعثين المتخرجين من برامج الابتعاث التي تتيحها المملكة تزايدت نسبة البطالة للمبتعثين الذين لم يحظوا بفرصة التوظيف، وهو الأمر الذي دعا عدد من الجهات الحكومية إلى إعادة استراتيجياتها في برنامج الابتعاث التي تعتمدها، فاعتمدت الدولة برنامج وظيفتك بعثتك مثلاً للحد من زيادة نسبة البطالة. المبتعثون والمبتعثات طالبوا ومازالوا يطالبون بحلول عاجلة ومن هنا ذهب آخرون للمطالبة بسعودة 32 ملحقية ثقافية سعودية حول العالم ومطالبتها بالمشاركه في توظيف الشباب السعودي وخاصة العاطلين من المبتعثين الذين تسلحوا باللغات الأجنبية والخبرات في دول الابتعاث وتنطبق عليهم شروط التوظيف إلا أن نسبة السعودة في تلك الجهات قليلة جداً حيث تعتمد الملحقيات السعودية في الخارج على الكثير من الموظفين الأجانب لإدارة العمل والإشراف على الطلبة السعوديين هنالك. "الرياض" تلقت سيلاً من المطالب وبحثت القضية مع عدد من المراقبين.
الدكتور محمد بن سعيد الأحمدي والذي عمل في الملحقية الثقافية في لندن لمدة سبع سنوات من ٢٠٠٨ حتى ٢٠١٥ وفي الثلاث السنوات الأخيرة منها كان مساعداً للملحق الثقافي للشؤون التعليمية والأكاديمية يقول إن الاعتماد على الكوادر الوطنية مطلب مهم، فهم أكثر حرصاً من غيرهم، وكذلك إدراكاً للمسؤولية، لكن لدي رأي في المكان الذي يتم فيه قيام هؤلاء الشباب الوطني بدورهم في تحمل مسؤولية الإشراف، المكان هو مركز وطني في المملكة ينفذ كافة طلبات المبتعثين والمبتعثات ويتابع الأداء الدراسي والعلمي لكل واحد منهم فالخدمات الإلكترونية المتطورة التي تمتلكها وزارة التعليم تُغني عن ضرورة تقديم الخدمات من دول الابتعاث ويقتصر دور الملحقيات على التواصل الشخصي مع المبتعثين والجامعات التي يدرسون فيها، وهذا يُحد من إعداد الكوادر العاملة في الملحقيات مما يجعل عدد العاملين الوطنين فيها عدداً محدداً بكوادر وطنية محددة ذات صلاحيات تمكنهم من اتخاذ القرارات المناسبة في حالة ضرورة التواصل الشخصي وبالتالي تنتفي الحاجة إلى التعاقد مع الكوادر غير السعودية في دول الابتعاث.
وعن قلة الفرص المتاحة للشباب السعودي وكثرة الموظفين الأجانب في الملحقيات خارج المملكة يعلق الأحمدي قائلاً: شروط عمل السعوديين في دول الابتعاث يخضع لأنظمة تلك الدول وإعداد الموفدين من السعوديين للعمل في السفارات والمكاتب التابعة لها، تنظمها لوائح وأنظمة دبلوماسية يحد من العدد المسموح به، مما قد يشكل عدم تمكن الملحقيات من استيفاء إعداد الكوادر التي تحتاجها لتنفيذ أعمالها؛ لهذا إذا أخذ بفكرة المركز الوطني داخل المملكة لمتابعة المبتعثين يحقق الغاية من الاستغناء عن الكوادر غير السعودية والاعتماد على الكوادر الوطنية.
الدكتور طلاب المغربي يعلق قائلاً: "سعودة الملحقيات الثقافية السعودية خارج المملكة أمر صعب جداً كونه يخضع لعدة أمور منها الاتفاقيات بين الدول، والعدد المسموح به من تأشيرات العمل، كما هو معمول به في السفارات والملحقيات الأجنبية داخل المملكة، ولذلك تلجأ الكثير من الدول التي تقدم تسهيلات للمملكة للاستفادة أيضاً هي من وجود الملحقيات بتوظيف أبناء البلد، والمشاركة في تنمية اقتصادهم، وهو حق مشروع نظير التسهيلات، أيضاً وجود موظفين من تلك الدول في الملحقيات قد يسهل عمل الملحقية خاصة وأنهم لديهم الدراية بأمور دولهم أكثر من الموظفين السعوديين مثلاً مما يسهم في رفع جودة العمل".
ويضيف المغربي "تعود قضية توظيف الشاب السعودي في الملحقيات الأجنبية إلى عدة جهات متعلقة بذلك، وهو أمر ليس سهلاً، حيث التوظيف ليس لدى جهة معينه فمثلاً إذا أرادت الملحقية توظيف شخص يحتاج أن يمر ملفه بعدة جهات مثل وزارة التعليم، ووزارة الخارجية، وجهات أمنية، قبل اعتماده، علاوة على ذلك الدول تمنح الموظف جوازاً ودبلوماسياً ومميزات من إعفائه من الضرائب، ومميزات أخرى، ووجود العديد من الموظفين مكلف على بعض الدول، وهذا يجعل الدول تحد من منح تأشيرات العمل للملحقيات، كل هذه الأسباب مهمة للأخذ بها، وتحد من سعودة الملحقيات ".
ويؤكد الدكتور المغربي أن المعايير الدولية للتقييم تطالب بأن يكون التوظيف في الجامعات والمؤسسات مختلطاً من عدد من الجنسيات فمثلاً "EQUIS" واحد من أهم المراكز العالمية لتقييم الجامعات يشترط أن تكون الجامعة لديها نسبة معينة من التوظيف الدولي، وبالتالي لا يمكن تطبيق السعودة بشكل كامل على الجامعات السعودية حتى في الداخل لأنه أمر غير صحيح ولا ينطبق مع المعايير الدولية، فلا بد من مراعاة ذلك، وقبله يكون التوظيف في الجامعات من مختلف مناطق المملكة حتى نحقق اختلاف معايير الفكر وهو أمر مهم للتقييم.
ورغم هذا كله، مازال العديد من المبتعثين العاطلين يطالبون بأن تلعب الملحقيات الثقافية السعودية حول العالم دورها في التوظيف وزيادة أعداد السعوديين، وتمكينهم من خدمة الوطن بإتاحة الفرصة لهم.
الرياض السعودية-