المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية - ترجمة الخليج الجديد-
تُعتبر عُمان بالمقارنة مع جيرانها المضطربين مستقرة نسبيًا في بيئة متقلبة وشريكة موثوقة للوساطة في الخليج، ولكن في أواخر مايو/أيار، اهتزت هذه الصورة القوية عندما خرجت أعداد كبيرة من العمانيين إلى الشوارع للاحتجاج على الفقر والبطالة.
نشأت الاضطرابات في مدينة صحار الساحلية الشمالية في 23 مايو/أيار 2021، وانتشرت بسرعة في العديد من البلدات والمدن في جميع أنحاء البلاد، حيث طالب المتظاهرون -ومعظمهم من الشباب والنساء- بإصلاحات اجتماعية وسياسية، وفرص عمل أفضل، والقضاء على الفساد، وتحسين ظروفهم المعيشية.
وعلى الرغم من السيطرة على المظاهرات بسرعة نسبية وإطلاق سراح معظم المعتقلين بحلول 2 يونيو/حزيران، فلا شك في أن هذه الموجة من الاضطرابات تعد أكبر تحدٍ حتى الآن يواجه السلطان الجديد "هيثم بن طارق آل سعيد"، الذي اعتلى العرش في يناير/كانون الثاني 2020.
كشف نقاط الهشاشة
وعلاوة على ذلك، فقد سلطت الضوء أيضًا على العديد من نقاط الهشاشة الهيكلية الكامنة في النظام الاجتماعي والاقتصادي العماني، والتي تفاقمت بفعل مزيج من صدمات الجائحة العالمية وانخفاض أسعار النفط.
اندلعت الاحتجاجات الشهر الماضي في أعقاب إدخال ضريبة القيمة المضافة، وهي الأولى من نوعها في عمان، والتي تعد جزءً من سلسلة من الإصلاحات لضمان الاستدامة المالية للسلطنة.
وعلى هذه الخلفية، أمر السلطان "هيثم" الحكومة بتسريع خطط توفير 32 ألف وظيفة جديدة في القطاع العام وتشجيع الشركات الخاصة على تعيين عمانيين بدلاً من الموظفين الأجانب.
ولكن عُمان قد تكافح لاحتواء عجز الدولة وفرض تدابير تقشفية، في ظل المعارضة التي تواجهها، وتأخر خطط الحكومة لتنويع الإيرادات بعيدًا عن النفط وتقليل الإنفاق على قطاعها العام المتضخم.
وفي هذا الإطار، تحدث الباحثون في شبكة المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، عن آرائهم بشأن موجة الاحتجاجات التي صدمت عُمان.
السياسة مرهونة بالاستقرار الاقتصادي
يرى الباحث "كليمنس تشاي"، من معهد الشرق الأوسط في جامعة سنغافورة الوطنية، أن دور عُمان الدبلوماسي مرهون باستقرارها الاقتصادي.
فقد قال: "لا يزال الاستقرار الاقتصادي يمثل أولوية محلية عليا لدى سلطنة عمان، ورغم أن عُمان كانت قد نظرت في طلب حزمة إنقاذ من دول مجلس التعاون الخليجي قبل عام والاحتجاجات الأخيرة في صلالة، فإنها لم تطبق إصلاحات اقتصادية بشكل فعال حتى الآن".
وأضاف: "تعتبر تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشرة المرتفعة إلى عمان، مقارنة بدول الخليج الأخرى، أمرًا حيويًا في الحفاظ على تنافسية اقتصادها، وبالتالي، فإلى جانب تحقيق رؤية عمان 2040، تعتبر الاستثمارات من جيران مسقط ضرورية لمرونتها، وهو موضوع تم التطرق إليه في الاجتماع الأخير بين المسؤولين السعوديين والعمانيين."
واختتم كلامه قائلًا: "إذا حققت سلطنة عمان الاستقرار على الجبهة الاقتصادية، فيمكن لها بعد ذلك الاحتفاظ بسياسة خارجية مستقلة لها تداعيات إقليمية، بما في ذلك الأزمة اليمنية حيث يمكن أن تساعد مسقط الرياض على فك نفسها عن المشهد".
البطالة أزمة مستمرة
أما الأستاذ الزائر في جامعة واسيدا "عبد الله باعبود"، ، فهو يرى أن البطالة ما تزال تمثل مشكلة عمان الجوهرية، بعد عقد من الربيع العربي.
وأوضح قائلًا: "هناك أوجه تشابه بين الاحتجاجات الأخيرة في عمان وانتفاضات 2011، لا سيما فيما يتعلق بالدوافع الأولية التي أشعلت الاحتجاجات، أي قلة فرص العمل التي دفعت العديد من الشباب إلى النزول إلى الشوارع للمطالبة بالتوظيف."
إلا إنه استدرك قائلًا "إن احتجاجات 2011 حدثت في سياق مختلف -الربيع العربي- امتد بعد ذلك إلى مطالب الإصلاح السياسي أيضًا، في حين يبدو أن الانتفاضات الأخيرة كانت تفتقر إلى المطالب السياسية. وبالإضافة إلى ذلك، شملت اضطرابات 2011 أناسًا من خلفيات اجتماعية مختلفة، في حين اقتصرت الحركة الأخيرة بشكل أساسي على الباحثين عن عمل، الذين لم تتجاوز مطالبهم مجال البطالة، وأخيرًا، كانت احتجاجات 2011 أكثر انتشارًا في جميع أنحاء عمان، بينما تركزت الاحتجاجات الأخيرة إلى حد ما في المدن الساحلية نظرًا لكبر عدد سكانها".
ناقوس خطر على الاستقرار
ويرى المحلل المستقل "نبيل نويره"، أن الأحداث تدق ناقوس الخطر فيما يتعلق بالاستقرار في السلطنة، حيث أوضح قائلًا: "على عكس احتجاجات 2011، التي كررت الانتفاضات في البلدان العربية الأخرى، فقد نبعت احتجاجات 2021 من الداخل، وجاءت استجابة لتدهور الأوضاع الاقتصادية، ولا سيما البطالة بين الشباب."
وأضاف: "منذ وصول السلطان هيثم إلى السلطة في يناير/كانون الثاني 2020، كان الشعب العُماني ينتظر بفارغ الصبر المراسيم الملكية والقرارات الحكومية التي يمكن أن تُجري إصلاحات اقتصادية كبيرة وتستوعب العديد من العمانيين العاطلين عن العمل، وعلى الرغم من وجود لوائح حديثة لتعمين الوظائف في القطاع الخاص، إلا أن هناك العديد من الشركات التي لم تلتزم بهذه اللوائح وفقًا للعديد من العمانيين."
واختتم كلامه قائلًا: "مع أن الاحتجاجات بدأت في صحار، على الساحل الشمالي لعمان، فقد امتدت إلى أجزاء أخرى من البلاد، ودقت ناقوس الخطر على الاستقرار في هذه الدولة الخليجية".
تدابير لكسب الوقت
ويرى الباحث "روبرت موجيلنيكي"، من معهد دول الخليج العربي، أن الشعور بالظلم ينبع من الإصلاح الاقتصادي غير المتكافئ، حيث أوضح قائلًا: "تجدد المظالم الاجتماعية والاقتصادية في عمان من أعراض الطبيعة غير المتكافئة وغير الخطية للإصلاحات الاقتصادية في البلاد، وإذا لم يحدث انتعاش اقتصادي حاد في 2021 و 2022، فإن ظهور ضرائب أو رسوم جديدة أو تخفيضات دعم أو غيرها من التدابير التقشفية سيحفز التوترات أكثر."
ويرى الباحث أن هناك أشياء ستوفر لصانعي السياسات العمانيين مساحة للمناورة على المدى القصير، مثل زيادة أسعار النفط والقدرة على الوصول إلى أسواق رأس المال من خلال عروض السندات.
لكن آجال سداد الديون الخارجية التي تلوح في الأفق والحاجة المتزايدة لاستيعاب الباحثين العمانيين عن عمل في القطاع الخاص، تشكل تحديات أكبر على المدى الطويل، وفق ما يراه الباحث.
وأضاف: "من المحتمل أن تتبع حكومة عمان العديد من التدابير الوسطية مثل إعادة هيكلة الديون أو دعم وظائف في القطاع الخاص، وسط هذه البيئة المالية المقيدة".
اللجوء للتوظيف في الجيش
أما الباحثة "إيليونورا أرديماجني"، من المعهد الإيطالي للدراسات السياسية العالمية، فهي ترى أن إخفاق الحكومة في إيجاد حلول للبطالة قد يدفعها للسياسات القديمة في عمان، ومحاولة إرضاء العاطلين بالتوظيف في الجيش، لكن ذلك قد يفاقم الأزمة المالية.
فقد قالت: "مع عودة الاحتجاجات، ما تزال الحكومة غير قادرة على توفير حلول مقنعة للبطالة، ونظرا لأن التنويع الاقتصادي يتطلب وقتا لتوليد ثروة من مصادر غير النفط، فإن السلطان قد يلجأ للسياسات السريعة والقديمة لإخماد السخط الشعبي، وأولها توظيف العمانيين العاطلين في قطاع الدفاع."
وأضافت مستدركة: "لكن السلطنة لا تحتاج إلى مزيد من الجنود في وقت يقدر فيه إنفاقها العسكري بـ 10.9% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2020، ويتناقض هذا الاختيار الطارئ أيضا مع استراتيجية الحكومة للترشيد، حيث كان يفترض بالإنفاق الدفاعي والأمن أن ينخفض بنسبة 9% في عام 2020 وفقا لميزانية 2021."
وترى الباحثة أن مثل هذا التوظيف يعكس نظرة للجيش كأداة للتماسك الوطني، لكنها قد لا تكون كافية للتعامل مع تحديات ما بعد "قابوس".
أهمية الاستماع للشباب
ونوّهت الباحثة "رفيعة الطالعي" من مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، لضرورة الاستماع إلى الشباب قائلة: "يجب على حكومة عمان اتخاذ قرار صارم بشأن ما إذا كنت تريد الاستماع إلى شبابها والقيام بالإصلاحات الاقتصادية والسياسية أم مواصلة تجاهل الأصوات العالية، التي رفعها منذ عام 2011 شباب ونساء يطالبون بالوظائف ومكافحة الفساد، و نهاية التحالف بين المسؤولين الحكوميين والشركات القوية التي تضع مصلحتها الذاتية قبل المصالح العامة."
وأضافت: "لقد شدد العمانيون على أن تمكين مجلس الشورى المنتخب مع الأدوات البرلمانية لرصد أداء الحكومة والتشريع أمر ضروري لعملية الإصلاح الناجحة، وقد حان الوقت لكي تستجيب حكومة عمان لمطالب الشباب وأن تكون شفافة حول خطواتها وخططها القادمة."
واختتمت كلامها قائلة: "إن إشراك رؤى الناس والخبراء المحليين والوطنيين في هذه العملية سيمثل نقاط قوة جنبا إلى جنب مع السلطان الجديد والحكومة الجديدة".