سلمى حداد - الخليج أونلاين-
منذ سنوات تسعى السعودية إلى زيادة كفاءة وإنتاجية سوق العمل وتقليص الاعتماد على العمالة الوافدة ورفع معدلات توطين الوظائف ضمن استراتيجيتها للقضاء على البطالة وتنمية اقتصادها.
واصطدمت خطط المملكة لخفض البطالة وتوطين الوظائف بقلة الكادر المحلي الذي يمتلك إمكانيات ومهارات تتناسب مع احتياجات السوق، ما أعاق توطين العديد من القطاعات الصناعية والخدمية.
وفي محاولة جادة للتخلص من هذه العقبة، أعلنت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السعودية، في 14 يوليو 2022، أنها باشرت في تنفيذ مشروع يهدف إلى رفع كفاءة وإنتاجية سوق العمل.
ووفق ما أوردت صحيفة "المدينة" المحلية، فقد اتفقت الوزارة مع بيت خبرة متخصص لدراسة الفجوة بين العاملين السعوديين والوافدين وأسبابها والأثر المتوقع في حال تقليصها، لا سيما فيما يتعلق بالأجور والمزايا الوظيفية والاجتماعية.
وأكد التقرير أن هذه الخطوة ستسهم في رفع كفاءة وإنتاجية سوق العمل.
وأضاف أن الوزارة انتهت من دراسة الوضع الراهن لمبادرة استشراف العرض والطلب في سوق العمل، التي تهدف إلى تأسيس وحدة وطنية تعنى باستشراف العرض والطلب لسوق العمل، وتحديد التخصصات والمهارات المستقبلية المطلوبة لسوق العمل.
وستكون هذه الوحدة مصدراً لجميع الجهات الحكومية في تحديد الاحتياج المستقبلي لسوق العمل؛ لإعداد وتجهيز الكوادر الوطنية اللازمة لسد الاحتياج.
ثلاثة قطاعات
وفي الوقت الحالي تتوزع قوى العمل السعودية في ثلاثة قطاعات رئيسة من المهن، في مقدمتها الخدمات، وهي الأعلى بنسبة 28.69%، ثم المهن الفنية والعلمية بنسبة 27.98%، وأخيراً المهن الإدارية، وهي الأدنى بنسبة 3.56%.
ويشير تقرير نشرته صحيفة "مكة" المحلية في سبتمبر الماضي، إلى أنه من الناحية النوعية تتركز النساء بقوى العمل السعودية في المهن الفنية والعلمية.
أما قوى العمل غير السعودية فتتركز في قطاع الإنتاج والتشييد بنسبة 41.07%، ثم قطاع الخدمات، وتأتي المهن الإدارية الأدنى بنسبة 1.14%.
ووفقاً للنشاط الاقتصادي، تتركز القوى العاملة السعودية في أنشطة الإدارة العامة، والتعليم، كما تنشط القوى العاملة غير السعودية في مجالات تجارة الجملة والتجزئة، والعاملين مع الأسر، وصيد الأسماك.
وتبلغ القوى العاملة في المملكة نحو 9 ملايين فرد، أي ما نسبته 49.9% من إجمالي عدد السكان، 15 سنة فأكثر منهم (أكثر من 7 ملايين فرد من الذكور).
أما عدد المشتغلين منهم في المملكة فبلغ 8 ملايين فرد يشكلون 94.6% من إجمالي القوى العمل، يمثل الذكور منهم 86.8%.
توطين الوظائف
ومنذ العام 2016، تطبِّق السعودية إصلاحات اقتصادية لتوفير ملايين الوظائف، وتهدف إلى خفض البطالة إلى 7% بحلول عام 2030.
ويشير تقرير نشرته وكالة "بلومبيرغ" في أكتوبر الماضي، إلى أنه بموجب برنامج توطين الوظائف "السعودة"، تعمل السلطات السعودية من حين لآخر على حصر بعض المهن والوظائف في السعوديين فقط.
وتعمل المملكة على تعديل أنظمة العمل لتعزيز ريادة الأعمال، وجذب مزيد من الاستثمار الأجنبي، على أمل أن يؤدي ذلك في النهاية إلى خلق مزيد من فرص العمل للسعوديين.
وفي انعكاس لانتعاش قد يصل في النهاية إلى هدف السعودية بنسبة بطالة لا تتجاوز الـ7% بحلول العام 2030، أعلنت الهيئة العامة للإحصاء السعودية، في بيان صدر بـ30 يونيو الماضي، تراجع معدل البطالة إلى 10.1% في الربع الأول من 2022، نزولاً من 11% في الربع الأخير من 2021.
وقالت الهيئة العامة للإحصاء إن بطالة السعوديين، خلال الربع الأول الماضي، تراجعت من 11.7% في الفترة المقابلة من 2021.
واستعادت سوق العمل في المملكة نشاطها بشكل متسارع هذا العام، مع تحسن كبير في الإيرادات النفطية وارتفاع تدريجي في القطاع غير النفطي، وهو ما دفع إلى إيجاد فرص عمل جديدة.
وبلغت بطالة السعوديين الذكور في الربع الأول الماضي 5.1%، بينما بلغت بطالة الإناث 20.2%.
وبالتزامن مع ذلك أعلنت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السعودية، الشهر الماضي، أن نسبة توطين الوظائف في القطاع الخاص ارتفعت إلى 22.3% في نهاية العام 2021، مقارنة مع 17.1% عام 2017.
وحسب تقرير صادر عن الوزارة، في 10 يونيو 2022، فقد بلغ إجمالي القوى العاملة بمنشآت القطاع الخاص حتى نهاية العام 2021 نحو 8.6 ملايين عامل، شكل العاملون السعوديون ما نسبته 22.3% منهم.
وأشار التقرير إلى أن نسبة السعوديين العاملين بالقطاع الخاص في العام 2017 كانت 17.1% فقط.
وأوضحت أن هذا الارتفاع يعكس جهود الدولة في دعم القطاع الخاص للحفاظ على الوظائف عن طريق برامج التوطين، والتوظيف، وحزم الدعم المقدمة، التي أدت لزيادة عدد السعوديين العاملين في القطاع الخاص.
تقليص العمالة الأجنبية
وفي قراءته للخطة السعودية الجديدة لزيادة الإنتاجية في سوق العمل ورفع معدلات سعودة الوظائف، يقول المحلل الاقتصادي أحمد أبو قمر: إن "الأوضاع الاقتصادية الصعبة بالعالم وارتفاع مستويات البطالة عالمياً، شجعت السعودية أكثر على زيادة خطواتها نحو خفض البطالة محلياً وزيادة توطين الوظائف".
وأشار أبو قمر، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن "الكثير من القطاعات الحيوية في المملكة صارت نسبة توطين الوظائف فيها من 100 إلى 95%، وهذا يشير إلى أن الرياض تسير بقوة باتجاه تحقيق رؤيتها 2030".
وأوضح أن "مبادرة السعودية لاستشراف العرض والطلب في سوق العمل، ستكون خطوة مهمة باتجاه تأهيل كوادر وطنية سعودية تتناسب قدراتها مع احتياجات السوق، ومن ثم تخفيف الاعتماد على العمالة الأجنبية من جهة، وزيادة الإنتاجية وتحسين جودة العمل من جهة أخرى، وهذا يسم بشكل مهم في تعزيز النمو الاقتصادي وخفض معدلات البطالة بين المواطنين السعوديين بشكل خاص".
ورأى أن "خطة تأهيل الكوادر الوطنية ستساهم في رصد التخصصات والمهارات المطلوبة بشكل دقيق لسوق العمل، وهذا يعني أنه لن يتم إنفاق المزيد من الأموال على تدريب كوادر لا يحتاجه إليها السوق".
ويضيف: "في حال تطبيق هذه الخطة بشكل جيد فإن ذلك سيسهم في وجود جيل سعودي قادر على سد الفجوة بين أعداد العمال الوافدين والمواطنين، ويكون قادراً على إدارة الشركات والمصانع وبناء اقتصاد سعودي قوي".
وأشار إلى أن "معدلات التضخم العالمية وتداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، والأزمات الاقتصادية التي يعيشها العالم، تجبر الدول على اللجوء إلى خطط تقلل فيها النفقات على العمالة الأجنبية، وتوجيهها إلى العمالة الوطنية لتعود هذه الأموال إلى دائرة الاقتصاد المحلي بدلاً من أن تخرج عبر حوالات العمالة الأجنبية".