خيري منصور- الخليج الاماراتية-
الأحداث الجسام على اختلاف مصادرها ومفاعيلها تختبر منسوب المناعة والقدرة على الاستجابة لدى المجتمعات والأفراد أيضاً.
فهي إما أن تفضي إلى التلذذ بنقد الذات وتقريعها والبحث عن مشاجب من الأحياء والموتى لتحميلهم العبء، أو تحول الضارة إلى نافعة والعقبة إلى رافعة، كما حدث في اليابان بالتحديد.
والحالة الأولى التي تتسم بردود أفعال سلبية تفرغ الطاقة في تبادل الإدانات وذلك لحساب أنانية هدفها تبرئة الذات من كل ما جرى، هي إذن حالة نفسية جماعية تصنف في علم النفس في خانة «الماسوشية»، بحيث يتحول الندم إلى بديل للمبادرة والتدارك ويصبح التلذذ بالألم مطلباً.
عاش العرب مرتين على الأقل هذه الحالة، في عامي ١٩٤٨ و١٩٦٧ بمعزل عن التسميات الاختزالية والرغائبية لما حدث في المرتين، فما أطلق على احتلال فلسطين وهزيمة سبعة جيوش عربية كان مصطلحا مستعاراً من الطبيعة وليس من التاريخ، لأن النكبة يمكن أن تطلق على زلزال أو بركان أو إعصار لا شأن لهما بالبشر،، لأنه قدر لم يساهموا في حدوثه، وكذلك النكسة فهي تعبير مجازي هاجر من الصحة الجسدية إلى السياسة ومعناها الدقيق أن المريض تعافى لكنه تعرض من جديد للانتكاس، ويذكرنا هذا أيضاً بمصطلح الأزمة، الذي يستخدم خارج سياقاته وحيثياته، فالأزمة تأتي بعد انفراج أو تفترض أنها مسبوقة بانفراج، وهذا لم يحدث على الإطلاق خلال قرن من الزمن بدأ بسايكس بيكو وانتهى بإعادة إنتاجها سواء حملت أسماء فرانكفونية أو انجلوساكسونية أو حتى روسية، فالثنائي كيري- لافروف يعيدنا هذه الأيام إلى ما قبل قرن وما نشعر به من حساسية سياسية وجرح قومي هو نتاج الفوبيا التي استوطنت ذاكرتنا طوال القرن الماضي الذي بدأ كما يقول مؤرخوه متأخراً عن موعده بأربعة عشر عاماً، وانتهى قبل موعده بعشرة أعوام على الأقل، بحيث انحصر بين الحرب العالمية الأولى والسقوط العثماني وبين الحرب الباردة بما انتهت إليه من ثقافة العولمة ومضادات الهويات القومية الجريحة.
حتى الحراكات العربية على اختلاف دوافعها ونتائجها منذ خمس سنوات يتم التعامل معها الآن بالوتيرة التقليدية ذاتها، بحيث تبدد الطاقة والوقت في تبادل التخوين والإدانات والبحث عن مشاجب جديدة تنوب عنا في حمل الأعباء التاريخية وحصاد قرون من البطالة.