أظهرت قمة جدة التشاورية لزعماء الدول الخليجية إرادة سياسية ما زالت مصرة على استكمال مسيرة الأهداف التي نشأ على أساسها مجلس التعاون الخليجي، كما أكدت سعي القيادات الخليجية لتلبية تطلعات شعوبها نحو صياغة نظام أساسي لمجلس التعاون، يحقق أكبر قدر من التكامل في شتى المجالات، رغم ما قد يشوب مسيرتها نحو التكامل من تعثر.
مجلس التعاون لدول الخليج العربية انطلق كتكتل إقليمي يجمع بين دوله عوامل مشتركة؛ أهمها التشابه الاجتماعي في العادات والتقاليد، والتشابه الاقتصادي في الموارد والإنتاج والبيئة، فضلاً عن القرب الجغرافي، ونظمها السياسية الملكية، بالإضافة إلى عاملي اللغة والدين، وبالتالي فقد نصت المادة الرابعة من نظامه الأساسي على حرص الدول الأعضاء على تحقيق التنسيق والتكامل والترابط في كل المجالات؛ الاقتصادية، والاجتماعية، والتعليمية، والبحثية، والثقافية، والتشريعية، والمواصلات، مع وضع أنظمة متماثلة فيما يتعلق بهذه المجالات بما يخدم الوصول إلى تحقيق الوحدة.
الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، عبد اللطيف الزياني، ووزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، أكدا أن قمة جدة أقرت، الثلاثاء، إنشاء هيئة تنموية واقتصادية جامعة لدولهم، آخذين في الاعتبار ضرورة تذليل العقبات لتحقيق التكامل الاقتصادي المنشود الذي يتجه نحو تطبيق العملة الموحدة، التي تعثر تطبيقها، وتم تأجيله أكثر من مرة.
الجبير أشار إلى أن الهيئة ستكون لها صلاحيات واسعة تتيح لها البت في الأمور المهمة، كما أنه سيتم تطبيق آليات فعالة يمكنها من اتخاذ القرارات بشكل سريع؛ لتحقيق التكامل الاقتصادي الذي يتفق مع ما أقره النظام الأساسي لمجلس التعاون الخليجي.
مراقبون أشاروا إلى أن تصريحات الزياني والجبير بمؤتمر جدة تدل على أن المجلس يتحرك لتشكيل كتلة اقتصادية فاعلة، وهذا ما أكدته تصريحات الجبير، من منح الهيئة صلاحيات واسعة؛ بهدف تذليل أي عقبات تواجه تحقيق التكامل الاقتصادي.
- خطوات سابقة
الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية في الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، عبد الله الشبلي، أكد سابقاً أن دول الخليج نجحت في تحقيق 3 مراحل من التكامل الاقتصادي، من أصل 4 مراحل، وفقاً لما تمليه النظريات الاقتصادية العالمية، والتي تبدأ بتأسيس منطقة للتجارة الحرة، وتنتهي بالوحدة الاقتصادية، مروراً بإقامة اتحاد جمركي، وسوق خليجية.
الشبلي استدل على ذلك بزيادة حجم التجارة البينية بين الدول الأعضاء، حيث زادت بنسبة 5.4% خلال سنة واحدة، وتضاعفت نحو 20 مرة منذ 1983.
الاتحاد الجمركي والسوق المشتركة اللذان أطلقهما التعاون الخليجي بين الدول الأعضاء كانا سبباً رئيساً لزيادة التبادل الاقتصادي، بل إن مراقبين أشاروا إلى الاتفاقية الاقتصادية 2001، التي حلت محل اتفاقية 1983، التي كانت كذلك سبباً رئيساً للتحول من "مرحلة التعاون" بين الدول الأعضاء، إلى "مرحلة التكامل"، حيث تم بموجبها إزالة كل الحواجز الجمركية وغير الجمركية على التجارة، وتوحيد الرسوم الجمركية مع الدول غير الأعضاء، بواقع 5% على السلع الأجنبية المستوردة من خارج الاتحاد.
- انعدام المنافسة
ورغم أن أكثر منتجات دول التعاون الخليجي تقارباً هي النفط، إلا أن عامل المنافسة فيما بينها منعدم تماماً؛ نظراً للاكتفاء الذاتي لمعظم دوله، بالإضافة إلى أنهم أعطوا الأولوية للاستيراد بعضهم من بعض؛ لتغطية احتياجات الدولة في مجال الطاقة، وهذا ما نصت عليه الاتفاقيات في بند التعاون في مجال الطاقة، ولذلك تجري عمليات تبادل تجاري للنفط الخام والغاز الطبيعي والمنتجات البتروكيميائية بين دول المجلس حسب الاحتياجات المحلية.
- شبكة مواصلات
ومن الوسائل التي تدفع نحو تطبيق العملة الموحدة، وتساعد على نمو التجارة البينية بين الدول الأعضاء هو وجود شبكة مواصلات متطورة ومتنوعة، تستوعب حركة نقل البضائع والسلع بين الدول الأعضاء، وتتضمن تلك الشبكة الطرق والموانئ والمطارات، فضلاً عن شبكات السكك الحديدية.
ولشبكة المواصلات أهمية كبيرة في تقليل تكاليف النقل، ودعم استقرار السوق، وتحقيق توازنه، خاصةً إذا تعرضت دولة من دول التعاون الخليجي إلى شح لمنتج ما، فيمكن عبر شبكة المواصلات سد العجز من أي من الدول الأخرى، اعتماداً على مبدأ التكامل.
- تطلعات وآمال
ولم تكن العملة النقدية الموحدة بعيدة المنال، فالمجلس خطا خطوات نحو الاتحاد النقدي وإصدار عملته الموحدة، التي كان مقرراً لها في عام 2010، إلا أنه تم التأجيل لعام 2015، وبرغم عدم تطبيقها إلى الآن، إلا أن ثمة إنجازات حققتها دول الخليج تدفع نحو تحقيق الاتحاد النقدي.
الزياني أشار إلى أن العملة الموحدة متروك أمرها للمجلس النقدي؛ باعتباره أمراً فنياً بحتاً، ومن اختصاصهم، فضلاً عن انتظار القرار السياسي من قادة دول المجلس للشروع في تطبيقه، حسبما ذكره في ختام قمة جدة.
- كيان اقتصادي قوي
مراقبون أشاروا إلى أن خطوات التكامل الاقتصادي الخليجي التي تحققت سوف تدفع نحو خلق كيان مهم على خارطة الاقتصاد العالمي، حيث إن اقتصاد دول التعاون الخليجي مجتمعة -وفقاً لدراسة أجريت عام 2013- احتل الترتيب الـ12 ضمن أكبر اقتصادات العالم، كما أن الناتج المحلي لدوله وصل إلى مستوى 1.62 تريليون دولار لنفس العام.
كما يمثل اقتصاد مجلس التعاون خامس أهم اقتصاد من حيث التبادل التجاري مع العالم، فقد وصل حجم التجارة الخارجية لدوله مجتمعة عام 2013 إلى 1.42 تريليون دولار، وبلغ حجم الصادرات 921 مليار دولار، ومن ثم فقد أصبح المجلس رابع أكبر مصدِّر في العالم، بعد الصين، ثم الولايات المتحدة، وألمانيا.
- معايير خليجية تحاكي العالمية
تكتل الاتحاد الأوروبي كان النموذج الذي تحذو حذوه دول التعاون الخليجي، حيث وضعوا مجموعة معايير، مطالبين دولهم بتحقيقها؛ من أجل الدخول في مرحلة الوحدة النقدية، التي منها ألا يتجاوز حجم الدين العام نسبة 60% من إجمالي الناتج المحلي، وألا يتجاوز عجز الميزانية نسبة 3% من إجمالي الناتج المحلي، وألا يتجاوز معدل التضخم نسبة 1.5% من متوسط نسبة التضخم لمجموعة الدول الأعضاء، وألا يتجاوز سعر الفائدة الطويلة الأجل نسبة 2% من متوسط نسب أسعار الفائدة للدول الأعضاء، كما تم الاتفاق في عام 2005 على إنشاء مجلس نقد خليجي، ليتحول لاحقاً إلى بنك مركزي خليجي.
اتفاقية الاتحاد النقدي الخليجي دخلت حيز التنفيذ في فبراير/شباط 2010، حيث عقد مجلس إدارة النقد الخليجي أول اجتماع له في الرياض في مارس/آذار 2010، وتم الاتفاق على تأجيل إصدار العملة الموحدة لعام 2015، وخلال تلك الفترة يتم مراجعة مدى استعداد الدول المستمرة في التنسيق للاتحاد النقدي، وقدرتها على تعميم عملة موحدة داخل بلدانها.
الخليج اونلاين-